هل الكرة للجماهير فعلاً أم لمُلاك الأندية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/05 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/05 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
أحد مشجعي مانشستر يونايتد داخل ملعب اولد ترافورد (رويترز)

إذا ألقيت نظرة على تاريخ كرة القدم منذ اختراعها ستجد أنها في بداية الأمر كانت مجرد رياضة للهواة وليست شيئاً يمكن أن يطمح اللاعب إلى تأمين معيشته من خلاله، وكنت ترى بعض لاعبي كرة القدم يمتهنون العديد من المهن في نفس الوقت، فربما تجد لاعباً ينتهي من المباراة في الملعب ثم يخرج إلى عمله، مثل سقراط برازيليو الذي حصل على شهادة الطب أثناء ممارسته كرة القدم.

لكن بعد اكتساب كرة القدم شعبية طاغية وبدئها في الانتشار في كافة دول العالم وكافة الأعراق والجنسيات، وبعدما اجتذبت الجماهير، فبالتالي بدأت في اجتذاب رجال السياسة ورجال الأعـمال.

فبدأ رجال السياسة في استغلالها لأول مرة في أغراض سياسية أو لكسب معارك سياسية أو حتى كسب محبة الناس والتغطية على وقائع بمباريات تلهي الشعوب عما هو أهم.

ومن أشهر من استغل هذا هو بابلو اسكوبار زعيم المافيا الكولومبي، الذي قام بإنشاء ملعب "بارييو" الذي أخرج العديد من أساطير كرة القدم بدءاً من هيجيتا وماتورانا ووصولاً إلى فالكاو وخاميس رودريجيز.

فتخيل أنك كنت أحد سكان مدينة ميديين في ذلك الوقت، وحولك تقام بعض المباريات الودية التي يراهن عليها بأكثر من مليون دولار في تلك المدينة الفقيرة بالطبع ستكون كرة القدم هي طوق نجاتك!

في لقاء لمحمد صلاح نجم كرة القدم المصرية والعربية قال إن مدينة نجريج مسقط رأسه أصبحت كلها تمارس كرة القدم! الأطفال في الشوارع في المدارس في كل مكان، حتى الآباء أصبحوا يحفزون أبناءهم على لعب كرة القدم بدلاً من الدراسة. فبعد أن كان في الماضي يحفز الآباء أولادهم لدخول الجامعات المعروفة بجامعات القمة مثل كلية الطب والهندسة أصبح الجميع ينتظر ابناً مثل محمد صلاح.

بكل هذا التأثير لكرة القدم أكثر الرياضات شعبية حول العالم لم يكن أبداً من الغريب أن تصير أرضاً خصبة يستطيع رجال الأعمال حول العالم وضع أموالهم فيها لتطرح أموالاً أكثر.

فمثلاً في كأس العالم روسيا 2018 وصل عدد المتابعين للبطولة حول العالم ما يقارب الـ3.5 مليار شخص، حسب إحصائيات الفيفا الرسمية، فتخيل أنك صاحب شركة، يمكنك أن تقوم بوضع إعلان تضمن وصوله لأكثر من ثلاثة مليارات شخص في نفس الوقت!

ولكن كما أن المال هو المعنى الحقيقي للقوة في العصر الحالي، إلا أن دخول المال ورجال الأعمال في أي مجال يفقده عاملاً من أهم عوامل النجاح وهو الشغف، فبعد ما رأينا لاعبين في البرازيل في الماضي يستدينون المال لممارسة كرة القدم بلا مقابل وفقط من أجل الشغف، وجدنا لاعبين يتنقلون بين الفرق من أجل بضعة قروش أكثر هنا أو هناك، ووصل هذا الأمر حتى اللاعبين الناشئين الذين لم يقدموا شيئاً بعد في عالم كرة القدم.

فتجد لاعباً مثل اللاعب الهولندي تشافي سيمونز، الذي في رأيي أفضل موهبة في أوروبا، يترك قطاع الناشئين في برشلونة ويذهب إلى باريس سان جيرمان قبل أن يبلغ حتى عامه الثامن عشر!

فبالوضع الحالي اختلفت رغبة اللاعبين من كرة القدم نفسها إلى المال الذي سيجنونه من احترافهم، والحياة المرافقة لذلك، والتي تجعل اللاعب أشبه بسلعة بين يدي رجال الأعمال، سواء في الرعاية والدعاية، وفي استخدامهم في الإعلانات وكأشخاص مؤثرين وملهمين للملايين في جميع أنحاء العالم.

وهذا جعل التعامل مع لاعبي كرة القدم أصعب بكثير من الماضي حتى مع المدربين، فتغيير طاقم التدريب لن يكون عقبة أمام إدارة النادي عكس ما يحصل مع اللاعبين، فمرتب لاعب واحد يتجاوز مرتب مدربه ومديره الفني.

ويعد السبب الأكبر في كل المشاكل السابقة هو دخول رجال الأعمال سوق كرة القدم وامتلاك الكثيرين منهم فرقاً كبيرة في أوروبا مثل القطري ناصر الخليفي مالك نادي باريس سان جيرمان، والشيخ منصور بن زايد مالك مانشستر سيتي، ورومان أبراموفيتش الروسي مالك نادي تشيلسي، والأمريكي ستان كرونكي مالك نادي أرسنال. وإذا نظرنا إلى قصة امتلاك أغلبهم لتلك النوادي سنجد أن الأمر بدأ بحصص صغيرة ازدادت مع مرور السنين حتى وصلت إلى ملكية تامة أو ملكية أغلب أسهم النادي.

ويأتي على رأس كل هؤلاء عائلة الجليزرز ملاك مانشستر يونايتد وأصحاب الأزمة الأخيرة مع الجمهور الذي طالب برحيلهم، الذين قاموا باستدانة أموال بقيمة كبيرة للاستحواذ على أسهم نادي مانشستر يونايتد، وبعدما استطاعوا الاستحواذ عليه أصبحت تلك الديون تهدد اليونايتد نفسه، لأن ذلك كلف النادي -حسب إشارات بعض التقارير- ما يقارب المليار جنيه إسترليني.

ولكن الذي يجعل أسطورتين من أساطير النادي وهما جاري نيفل وروي كين يشاركان الجموع الغاضبة في المطالبة برحيل الجليزرز وبيعهم الأسهم لمالك آخر ليس فقط بسبب تلك الديون، ولكن حين أعاقت الجماهير في مشهد تاريخي ولأول مرة مباراة الديربي الإنجليزي بين ليفربول ومانشستر يونايتد، قد فاض بها الكيل، وعبّر عن ذلك جاري نيفيل بقوله: "الاستاد متعفن، وملعب التدريبات ليس ضمن المراكز الخمسة الأولى في هذا البلد ولم نفز بالدوري منذ 8 سنوات"، وأضاف: "هم لا يمتلكون الأموال لمساعدة النادي، ولم يصلوا إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا منذ 10 سنوات".

وهذا يشير إلى نقطة خطيرة جداً أن قرارات الإدارة إذا كانت مملوكة لرجال الأعمال ستكون بشكل أو بآخر لمصلحة أموالهم وليس كرة القدم في النادي، فأصبحنا نسمع عن صفقات فقط من أجل الصخب الإعلامي وزيادة الإيرادات رغم أنها لن تقدم جديداً داخل المستطيل الأخضر. ولكن هذا هو التطور الطبيعي لما نراه من استغلال هؤلاء المُلاك، أنديةَ كرة القدم بشكل يسخر مواردها لإنقاذ أموال العائلة.

وربما للأمر مميزات وعيوب ولكن يظل البند الأكثر أماناً والذي يضمن ويعطي لكرة القدم والمشجعين حقهم في التأُثير في لعبتهم المفضلة هو مبدأ الـ51، الذي يضمن أن أغلب أسهم النادي تكون دائماً في يد مشجعيه ومؤسسيه الأصليين وليس في يد رجال الأعمال والذي يعطيهم دائماً الغلبة في أي موقف حتى لو تعارض هذا مع مصلحة الممولين.

فلابد من وجود المال لكرة القدم، ولكن إذا طغى المال أفسد كرة القدم، وإذا أحس المشجعون أن كرة القدم لم تصبح لهم، سوف يقفون أمامها ويعلنونها بشكل واضح كما أعلن مشجعو مانشستر: "نحن كرة القدم ونحن من نقرر متى تبدأ ومتى تنتهي المباريات".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

معاذ رمزي
كاتب محتوى رياضي
طالب مصري أدرس في كلية إدارة الأعمال - جامعة سلجوق- تركيا. معد برامج رياضية، وأكتب مقالات عن كرة القدم، ومهتم بالكتابة في الشأن الرياضي منذ 2017
تحميل المزيد