سباق الحصول على لقاح ضد كورونا في ضوء الرهانات الجيوسياسية للقوى العظمى

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/05 الساعة 15:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/05 الساعة 15:44 بتوقيت غرينتش

الصين

تسعى الصين جاهدة لإعادة تعريف نفسها، كقوة تكنولوجية عظمى سيطرت على الوباء وبدأت تتعافى منه اقتصادياً، في وقت تواجه الولايات المتحدة صعوبات في احتوائه، وتغيير رواية أن سوقاً لبيع الحيوانات البرية الحية كأغذية في مدينة ووهان كان المركز المحتمل لانتشار الوباء، لأن الصين تدرك مدى الضرر الذي ألحقه فيروس كورونا بسمعتها، وتريد الاستفادة من نشر لقاحها لتجاوز انتقادات الخارج بمحاولة إخفاء مسألة انتشار الفيروس، لأن نجاح اللقاح وتمكين شعوب العالم منه قد يساعد الناس على نسيان تعامل بكين مع الوباء عند ظهوره أول مرة.

وتهدف الصين إلى توسيع نطاق "طريق الحرير الصحي"، والذي يشكل جزءاً من "مبادرة الحزام والطريق"  في جميع أنحاء العالم النامي وهو استثمار ضخم في البنية التحتية في أكثر من 100 دولة تأمل من خلاله إلى زيادة حجم التجارة الخارجية للصين في التجارة العالمية.

وتستخدم الصين إغراء اللقاحات لأغراض استراتيجية أكثر واقعية بالفعل لتعزيز سياستها الخارجية فيما أصبح يعرف بـ"دبلوماسية اللقاحات".

حيث إن الصين تسعى عبر اللقاح لكسب وُدّ الدول الإسلامية ما يمكن أن يساعد في تخفيف حدة الانتقادات الدولية فيما يخص اضطهاد أقلية الإيغور المسلمة. وقدم القادة الصينيون عروضاً مماثلة لدول في إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، والشرق الأوسط وجنوب آسيا، وهي مناطق سعت فيها بكين لتوسيع نفوذها.

وقال الرئيس الصيني في اجتماع للقادة الأفارقة في جوان 2020: " نتعهد بأنه بمجرد اكتمال تطوير لقاح في الصين، ستكون الدول الإفريقية من بين أول المستفيدين". ووعد وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأن الصين ستقدم قروضاً بقيمة مليار دولار لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي للحصول على لقاح كوفيد 19.

وأيضاً وعد الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه أمام جمعية الصحة العالمية 18 ماي 2020 بأن بلاده ستتعامل مع لقاحاتها باعتبارها منفعة عامة عالمية وليس حكراً صينياً. هذا يعطي إشارة قوية على صعود الصين كقائد علمي في نظام عالمي جديد، خلال مرحلة ما بعد الوباء، بحيث تمكنت بكين من الاستفادة الكاملة من الأزمة الصحية من خلال ملء الفراغ الذي تركه الغرب خاصة في البلدان النامية.

الولايات المتحدة الأمريكية

استعمل ترامب الرئيس الأمريكي المنتهية عهدته لقاح كوفيد 19 من أجل حملته الانتخابية، ووعد بتلقيح الأمريكيين أولاً باعتبار أن البلاد أضحت البؤرة الأكبر عالمياً لتفشي مرض كوفيد 19، حيث عرض الرئيس ترامب على شركة كيورفاك CureVac الألمانية التي اقتربت من إيجاد لقاح لفيروس كورونا مليار دولار للحصول على الحقوق الحصرية بهدف ضمان اللقاح لبلاده أولاً.

دخلت لقاحات فيروس كورونا على خط حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 16 سبتمبر/أيلول 2020 أن أكبر اقتصاد في العالم سيحصل على اللقاح في أكتوبر/تشرين الأول 2020 وسيتم توزيعه على نطاق واسع على السكان، وأصدر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مرسوماً يعطي الأولوية لتلقيح المواطنين الأمريكيين قبل تصديره اللقاح للدول الأخرى.

بينما حدد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن هدفاً بإعطاء الأمريكيين 100 مليون جرعة تطعيم ضد فيروس كورونا في المئة يوم الأولى له في السلطة، وهو جزء أساسي في خطته لمكافحة الجائحة.

وقد وضعت الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب دبلوماسياً، ذلك أنها لن تجني الكثير من المكاسب الجيوسياسية بإعلائها للمصلحة القومية فقط و تجاهلها للتعاون الدولي في مكافحة الجائحة، بالنظر إلى أن ترامب قد تبنى صراحة نهج إفقار الدول الأخرى فيما يتعلق بفيروس كوفيد 19، وهذا سيكلف واشنطن ثمناً جيوسياسياً إذ لم تظهر أن بمقدورها تحفيز العمل الجماعي، من أجل مواجهة التحدي الأكثر إلحاحاً في العالم.

لكن رغم أن حكومة الولايات المتحدة بدافع التوجهات القومية المتشددة التي انتهجها الرئيس دونالد ترامب في مجال اللقاحات تجاهلت في الغالب الجهود المتعددة الأطراف لتأمين وتوزيع اللقاحات على مستوى العالم، فهذا لا يعني أن واشنطن غائبة تماماً عن هذه المساعي وقد وافقت الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها على توفير بعض مليارات الجرعات من اللقاح، التي ستكون ضرورية لحماية السكان في جميع أنحاء العالم، علاوةً على ذلك تساعد المؤسسات الخيرية الأميركية وعلى رأسها "مؤسسة غيتس"، في تمويل هذا الجهد.

روسيا

إعلان الرئيس بوتين عن اللقاح المضاد لفيروس كورونا هو جزء من رغبته في عودة روسيا إلى مركز الاهتمام الدولي من خلال المعركة العلمية والسياسية حول فيروس كورونا التي تدور بشكل رئيسي بين الولايات المتحدة والصين.

وأراد  فلاديمير بوتين إثبات أن روسيا تظل دولة مهمة من حيث القوة العلمية في العالم، فكانت رسالته موجهة إلى العالم، ولكن أيضاً استهدف الداخل الروسي في سباق اللقاحات وهذا لأهمية تقوية العنصر القومي الروسي بإظهار أن العلماء الروس هم الأفضل في العالم و يمكن الوثوق فيهم بإنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا آمن وفعال لدرجة أن النخب السياسية في روسيا لم تترد في التطعيم به، ما جعل العالم الغربي يضع روسيا في سجل الانتقاد واعتبرها بروبغاندا دعائية روسية أكثر منها اكتشافاً علمياً.

كذلك استعملت موسكو لقاح سبوتنيك ضمن أدوات سياستها الخارجية في إبراز قوتها على المسرح العالمي وإعادة روسيا إلى مناطق نفوذ الاتحاد السوفييتي، ومن بينها دول قارة إفريقيا التي كانت تحكمها حكومات اشتراكية وشيوعية، فقدمت روسيا 300 مليون جرعة من لقاح سبوتنيك للدول الإفريقية واقترحت حزمة تمويل الحصول على اللقاحات في قارة إفريقيا بقيادة الاتحاد الإفريقي.

ويكمن التحدي في ترسيخ مكانة روسيا كقوة علمية وتكنولوجية رائدة في العالم، بجانب الصين والولايات المتحدة. ولكن إذا نجح اللقاح الروسي سوف يكون لحظة فارقة شبيهة بما حدث سنة 1957 عندما أطلق الاتحاد السوفييتي "سبوتنيك 1" ليصبح أول قمر صناعي يدور حول الأرض، حينها كان الاتحاد الروسي خلف الولايات المتحدة في مجال تكنولوجيا الفضاء، لكن إطلاق القمر الروسي نجح في إدخال الشك للأمريكيين وخلق شعور بأن بلدهم تخلفت في سباق الفضاء، وكانت الصدمة كبيرة في الولايات المتحدة حتى تحدثت وقتها جريدة نيويورك تايمز عن "بيرل هاربر تكنولوجي" وأقنعت " ليلة سبوتنيك" العالم بأن الاتحاد السوفييتي تقدم إلى خطوة أمام الولايات المتحدة، وهذا ما يحدث بالضبط حول السباق نحو اللقاح ضد كوفيد 19.

الاتحاد الأوروبي

شكل إعلان معهد باستور وشركة سانوفي في فرنسا تخليهما عن العمل على مشروع لقاح ضد فيروس كورونا بعد أن أظهرت الاختبارات الأولى أن فاعليته أقل من المتوقع من فعالية اللقاحات الأخرى المستخدمة ضد الوباء، فشلاً علمياً في إحدى أكثر دول العالم ريادة في البحث العلمي، وأبانت دول الاتحاد الأوروبي في مجملها محدوديتها أمام القوى العظمى المتنافسة حول لاكتشاف المصل المنتظر.

فبدت دول الاتحاد الأوروبي خلف القوى العالمية الكبرى مثل الصين، الولايات المتحدة وروسيا في السباق نحو اكتشاف لقاح مضاد لفيروس كورونا، هذا التراجع استغلته الصين بإبرام عقود  لتسويق اللقاح الصيني في دول أوروبية مثل صربيا والمجر من أجل خلق روابط استراتيجية مرتبطة بمشروعها طريق الحرير في جزئه الأوروبي.

ومن أجل التصدي لدبلوماسية اللقاح الروسية والصينية، يعزم البرلمان الأوروبي مساعدة دول الاتحاد والدول المجاورة له في تحقيق الاكتفاء من اللقاح بتخصيص ميزانية 580 مليون يورو لوقف تمدد القوى العظمى داخل الاتحاد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حليم بوعمري
كاتب وباحث متخصص في العلاقات الدولية
حاصل على شهادة الليسانس في العلوم السياسة و العلاقات الدولية من جامعة منتوري قسنطينة وباحث في العلاقات الدولية.
تحميل المزيد