رؤوس خنازير لكسب البطولات وأعمال خفية للحماية.. تاريخ السحر في كرة القدم العربية والعالمية ‎

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/05 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/05 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
iStock

المكان: استاد الإسماعيلية الرياضي

الزمان: 12 ديسمبر 2003

الحدث: نهائي كأس أبطال إفريقيا بين الإسماعيلي وأنيمبا النيجيري

الملعب ممتلئ بالجماهير المتحفزة لتعويض خسارة مباراة الذهاب بهدفين نظيفين على ملعب المنافس، ينزل حارس مرمى أنيمبا الشهير "فينسنت إنياما" ممسكاً بحفنة من ثمار جوز الهند وينثرها حول مرماه وداخله، وسط سخط جماهيري، ثمار جوز الهند عند غرب ووسط إفريقيا طقس ديني وسحري معروف، هدفه استدعاء الإلهه "مامي واتا" لتحضر وتمنع الكرات من دخول المرمى، وجوز الهند تحديداً لأنه طعامها المفضل، لكن "مامي واتا" تفشل في حماية مرمى إنياما من استقبال هدف واحد من ضربة جزاء، لكن المرمى يتمنع على اللاعبين ويتسابقون في إهدار الفرص تباعاً بشكل غريب، رغم محاولات صبية الملاعب هز شباك المرمى بصفة مستمرة لفك النحس، لتنتهي المباراة بتتويج غير مستحق لإنيمبا النيجيري باللقب والبطولة، فهل كان للسحر الأسود دور في ذلك الانتصار المريب؟

يقبع السحر الأسود في أذهاننا دينياً وموروثاً شعبياً عبر الماضي السحيق، ويدلل المؤيدون لقوة السحر وتأثيره بذكر السحر والسحرة في عدة مواضع في القرآن الكريم، وفي جميع الأديان السماوية الأخرى، لكن هل يستطيع السحر بمفهومه الحالي تغيير نتيجة كرة قدم وتحويل دفة مباراة من طرف لآخر؟

هل خنزير الزمالك أقوى من خنزير الأهلي؟

في النهائي الشهير لبطولة إفريقيا عام 1982 بين الأهلي وأشانتي كوتوكو الغاني، كان الجميع في حالة رعب من الطقوس التي كان يستخدمها المشجعون في ملعب المباراة، ومنهم مجموعة من السحرة كان يلقون بأشياء تبدو كالغبار وتختفي. يومها ظهر أحد السحرة في مظهر غريب ومخيف، وسط دخول مهيب بين الجماهير وحماس يلهب الآلاف، وقام ببعض الطقوس، منها دفن جزء من رأس خنزير داخل أحد المرميين، لكن الأهلي فاز باللقب رغم تعادله بهدف لمثله لسابق فوزه في مباراة الذهاب بثلاثية دون رد. على نفس الملعب وبعد عدة سنوات ذهب الزمالك وهو منتصر ذهاباً بهدفين نظيفين، ليفاجئ الحضور في مباراة العودة بإحرازه هدف التقدم، ليصعب الأمر على كوتوكو، لكن الفريق الغاني فاز بالمباراة بخماسية وأقصى الزمالك من البطولة. يومها ألقى لاعبو الزمالك باللوم على السحر والروائح الكريهة التي أُطلقت عليهم قبل بداية المباراة وفي منتصفها كما وصفوها، والغبار الذي أُلقى على وجوههم وتسبب في شعورهم بغثيان شديد، وقيام السحرة بدفن رأس خنزير داخل أحد المرميين.

ولكن يبقى السؤال: لماذا بطل مفعول الخنزير على مرمى الأهلي ونجح على مرمى الزمالك؟ 

مرتضى منصور والسحر

كان رئيس الزمالك المخلوع دائم الحديث عن السحر والسحرة، مرتضى منصور كان يتهم المدرب طارق العشري وعصام الحضري وحسام حسن وإدارة الأهلي وحسن شحاتة باستخدام السحر مراراً وتكراراً، حتى إن أحمد حسام ميدو وقت أن كان مدرباً للزمالك أكد أن مرتضى منصور كان يطلب منه تغيير قمصان الفريق أو ارتداء اللاعبين ملابس داخلية (مقلوبة)، أو عدم لعب لاعبين معينين لسحرهم من قبل المنافسين.

قرية محلة بشر مركز شبراخيت 

تلك القرية الموجودة بدلتا مصر لم تشتهر كونها قرية منتجة أو تعمل بالزراعة، ولكن شهرتها نبعت من كونها تعج بالكثير من السحرة والدجالين والمشعوذين القادرين على اصطياد زبائنهم ببراعة وبيع الوهم لهم، ومن بين هؤلاء الزبائن مجموعة من المدربين ورؤساء الأندية وتابعيهم يذهبون للدجالين لاعتقادهم في مقدرتهم على إيقاف نادٍ أو لاعب في الفريق المنافس. ويشاع أن بعض أعضاء مجالس إدارات الأندية المصرية تزور القرية باستمرار، ويتردد أن بعضهم قد شوهد داخل القرية، في زيارات سرية لمنازل مشهور عن أصحابها أنهم مشعوذون قبل المواجهات الهامة. 

مرتضى منصور وتأثيره السلبي 

كان كل ما يدعيه مرتضى منصور بمثابة طوق نجاة للاعبي الزمالك، كان رئيس الزمالك دون أن يدري يعطي للاعبي فريقه المهرب من نتائجهم السلبية أو تراجع مستوياتهم. وبالتالي فلا أحد يستطيع محاسبتهم على أي نتيجة سلبية ومن السهل عليهم التحجج بالسحر وتأثيره عليهم، وهو ما كان يحدث فعلاً للتنصل من المسؤولية عن هدف أو إضاعة فرصة أو الهزيمة ككل، ومثلما كان يُحدث الأمر هزة نفسية في قلب الفريق المقابل نتيجة معرفتهم المسبقة بقيام رئيس النادي المنافس باللجوء للسحر والتعاويذ والدجل لإيقافهم. كان السحر يُحدث نفس التأثير السلبي على لاعبي فريقه، بل إنني أزعم أن التأثير السلبي للجوء رئيس نادي الزمالك السابق للسحر والدجل أقوى على لاعبيه من المنافسين.

حسن شحاتة.. و3 بطولات إفريقية متتالية!

تردد عن مدرب منتخب مصر السابق حسن شحاتة أنه استخدم السحر الأسود في الفوز بثلاث بطولات إفريقية متتالية، عن طريق قراءة الطالع ومعرفة من يكون في برج حظه ذلك اليوم، وبالتالي اختيار التشكيل المناسب، لكن شحاتة نفى ذلك جملةً وتفصيلاً، وردّ بقوله إنه إن كان يستخدم السحر بهذا الشكل والقوة فلماذا لم يواصل سلسلة نجاحاته مع المنتخب المصري، التي توقفت عند الفوز بثلاث بطولات إفريقية متتالية؟ فهل كان التعاقد مع السحرة وقراء الطالع مقصوراً على ثلاث بطولات إفريقية فقط، أم من المفترض أن يستمر سحرهم كثيراً؟

لو كان سحرة حسن شحاتة ذوي قوة وتأثير، فلماذا لم يمنعوا هدف عنتر يحيى القاتل في السودان، ولماذا لم يمنعوا اتحاد كرة القدم المصري من إقالة المدرب الكبير عقب الفشل في الصعود لكأس الأمم الإفريقية عام 2012؟

صراع بوكا جونيورز وريفر بليت يمتد للسحرة

لا يقتصر أمر السحر والدجل ونشر الطاقة السلبية على دول إفريقيا فقط، فبعض الموروثات الشعبية في أمريكا اللاتينية مرتبطة بالسحر بشكل كبير، ويؤمن بعض سكان القارة بقدرة السحر على تغيير مسار حياتهم، في ديربي الأرجنتين الشهير بين قطبى الكرة هناك بوكا جونيورز وريفر بليت، نجد أن بعض الجماهير والمسؤولين لجأوا لأعمال الدجل والسحر لإيقاف أو إصابة لاعب من الفريق الآخر قبل مواجهتهم معاً. حدث ذلك في أكثر من مرة، آخرها كان عام 2019، حين التقى الفريقان في نصف نهائي كأس الليبرتادورس، دخل لاعبو البوكا إلى غرفة تغيير الملابس بملعب "المونيمونتال"، معقل ريفر بليت، فوجدوا بعضاً من آثار الدم والشعر البشري وبعض الطلاسم غير المفهومة منقوشة على الحوائط، وبعد الهزيمة بثنائية خرج بعض اللاعبين وتحدثوا عن السحر والطاقة السلبية التي تسببت في هزيمتهم.

ميسي ورونالدو والسحر

بعيداً عن سحرهما الذي لا تخطئه العين في مهارتهما وتواصلهما المستمر في إبهار الجميع لمواسم متتالية كثيرة، ارتبط النجمان الكبيران بالسحر الأسود في موقف واحد لكل منهما، حين انتقل كريستيانو رونالدو لريال مدريد في موسمه الأول وجد بعض الصعوبات بسبب إصابات متتالية في أربطة الكاحل، خرج حينها أحد السحرة الكتالان ويدعى "بيبي" قائلاً إنه كان المسؤول عن إصابة رونالدو، وإنه أرسل له رسالة يخبره فيها بأنه لن يستطيع ممارسة كرة القدم مرة أخرى. أجرى التلفزيون الإسباني حينها حديثاً معه ليشرح الأمر، فقال إنه استخدم دمية ووضع في قدميها دبوساً، واستخدم بعض الطلاسم السحرية، وإن هناك سيدة دفعت له الأموال لكى يفعل ذلك في رونالدو، وهي لا تتحدث الإسبانية أو البرتغالية. تردد وقتها أن النجمة باريس هيلتون هي من قامت بهذا الأمر لسابق محاولتها التقرب من رونالدو، لكنه رفض، ذاع صيت الساحر بيبي خصوصاً مع تواصل الإصابات الغريبة على مدار شهور متتالية لرونالدو، ليخرج بعدها ساحر مدريدي آخر باحث عن الشهرة كسابقه، ليعلن أنه أنهى السحر عن رونالدو، وأنه سيعود للملاعب ولن يصاب مرة أخرى. 

أما ميسي فبعد اعتزاله اللعب الدولي مع منتخب الأرجنتين في أعقاب الانتكاسات المتتالية في كوبا أميركا وكأس العالم، عاد عن قراره وانضم مرة أخرى للفريق قبل نهاية تصفيات روسيا 2018، وقتها كانت الأرجنتين مهددة بالخروج المبكر من التصفيات في حال لم تحقق الفوز على الإكوادور في عاصمتها كيتو. لجأ رئيس الاتحاد الأرجنتيني كلوديو تابيا لأحد السحرة، ويدعى مانويل فالديز، بعدما أكد له أنه سيقوم بدور مهم في إزالة كل الطاقات السلبية المحيطة بالمنتخب الأرجنتيني ليحقق الفوز بسهولة على الإكوادور. وهو ما كان بالفعل وفاز يومها الفريق بثلاثة أهداف جميعها بتوقيع ميسي والصعود لكأس العالم بشق الأنفس، الأمر الذي جعل تابيا يصطحب معه ذلك الساحر لكأس العالم في روسيا ظناً منه أنه سيذهب في نزهة لإحضار الكأس ثم العودة لبيونس آيريس، لكن لم يستطع أي من الساحرين المصاحبين للفريق، سواء كان مانويل فالديز الجالس في المقصورة الرئيسية أو ليونيل ميسي على أرض الملعب في فعل شيء للأرجنتين لتصعد بصعوبة للدور ثمن النهائي وتخرج على يد فرنسا برباعية وتودع البطولة.

السحر والخرافة في كرة القدم الأوروبية

يقل الأمر كثيراً في القارة العجوز، سواء في الاعتقاد بالسحر أو استخدامه، وبالتالي لا نرى ممارسات قوية كتلك التي تحدث في إفريقيا وأمريكا الجنوبية. ولكن لا يخلو الأمر من بعض الأمور المتعلقة بتعزيز ثقة اللاعب في نفسه وفرض الطالع الحسن على يومه ومجريات حياته كتقبيل المرمى، وفرك الحذاء بالويسكي عند بعض اللاعبين، وأحياناً المدربين، على سبيل المثال تم تصوير المدرب الإيطالي جيوفاني تراباتوني وهو يسكب الماء المقدس في تكتم على أرض الملعب قبل مباراة في كأس العالم 2002، الصورة التي أثارت فضيحة صغيرة في ذلك الوقت. ومن بين المدربين أيضاً كان الفرنسي لويس فرنانديز، الذي شوهد يلقي الملح على المرمى حين كان يقوم بتدريب أتليتك بلباو، كذلك الأمر لا يخلو من بعض الطقوس الخاصة بين اللاعبين، أشهرها قبلة لاعب المنتخب الفرنسي لوران بلان على رأس حارس مرماه فابيان بارتيز. والقلادة التي كان يستخدمها الإسباني بيبي رينا وقت حراسة مرمى ليفربول، ويؤمن بأنها جلبت له الطالع الحسن، والملابس الداخلية التي كان يرتديها قائد مانشستر يونايتد جاري نيفيل وظل مواظباً على استخدامها لفترات طويلة. لكن على رأس قائمة أشهر اللاعبين الذين يؤمنون بالخرافات يأتي جون تيري، قائد منتخب الأسود الثلاثة ونادي تشيلسي سابقاً. اعترف المدافع السابق بأنه كان يجلس دائماً في نفس المقعد في الحافلة التي ستُقل الفريق لملعب المباراة، ويوقف سيارته دائماً في نفس المكان في موقف السيارات في ستامفورد بريدج، ويستخدم دائماً نفس المرحاض في التبول قبل المباريات.

في النهاية لا يسعنا إلا أن نردد الحديث الشريف للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: "… واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ".

لن يستطيع السحر أو الدجل تغيير مسار كرة القدم، ولن يقوم بتحويل نتيجة مباراة من فريق لآخر، ولكن من يقوم بذلك هم اللاعبون والمدربون أنفسهم على أرض الملعب بالجهد والعرق والكفاح المستمر والتطور والتركيز والتصميم على الفوز وإحراز البطولات.

لو كان السحرة ذوي تأثير على أرض الملعب لقام مانشستر سيتي بإقالة غوارديولا وتعيين أحد السحرة لقيادة الفريق، لو كان السحر له تأثير إيجابي على كرة القدم لقام فلورنتينو بيريز بتوفير المبلغ الطائل الذي يستعد لدفعه لمحاولة التعاقد مع كيليان إمبابي واستكفى بدفع راتب لأحد السحرة.

لو كان للسحر أي دور ولو صغيراً في كرة القدم لرأينا جائزة البالون دور تذهب سنوياً للتوغولي إيمانويل إيديبايور والنيجيري تاريبو ويست، المعروفين سابقاً باستخدام السحر كثيراً لحمايتهما، ورأينا المباراة النهائية في كأس العالم لكرة القدم تقام كل 4 سنوات بين غانا والكونغو.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد مندور
كاتب رياضي مصري
لاعب كرة سلة سابق ومحلل رياضي مقيم بباريس
تحميل المزيد