لا تقع في الحب وأنت فوق الجسر

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/04 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/04 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
iStock/ جسر كابيلانو المعلق

 هل تساءلت يوماً كيف يمكن للفرد أن يحب ويتزوج وهو في ظل ظروف كارثية؟ هل استغربت تلك العلاقات العاطفية التي تنشأ في ظروف غريبة أو مضطربة؟ هل تعجبت من ذلك الصديق الذي يخرج من علاقة مسيئة ليدخل في أخرى ظاناً أنها المنقذ الوحيد له بعد انتهاء مأساته السابقة؟ تلك الفكرة التي تم تداولها في العديد من الأفلام الرومانسية حين تجمع الظروف الصعبة الخطرة كالكوارث الطبيعية أو الحروب أو السجن بين اثنين لم يلتقيا من قبل، وسرعان ما يحدث بينهما ذلك الانجذاب الشديد.

كانت تلك الأسئلة هي المحرك الأساسي للعالمين النفسيين "داتون" و"آرون" عام 1974 ليقوما بتلك التجربة المسماة بتجربة (جسر كابيلانو المعلق)، تلك التجربة التي ساعدتهم على فهم النفسية البشرية وردود أفعالها في أوقات الأزمات، كيف يحدث ذلك الانجذاب السريع بين طرفين لم يلتقا أبداً من قبل وكيف تتطور العلاقة للشعور بذلك الحب القوي.

استعان العالمان بمجموعة من المتطوعين لعبور جسرين، أحدهما كان جسراً قصيراً ومتيناً ولا يحمل أية مخاطر، والجسر الآخر كان طويلاً وغير مستقر ومخيف، وفي منتصف كل جسر وقفت فتاة جميلة ولطيفة تتكلم مع العابرين للجسرين، لتتبادل معهم الحديث وتطلب منهم شرح المناظر التي يرونها أمامهم أثناء العبور، ثم في نهاية الحديث تعطي لهم رقم هاتفها.

وجد العالمان أن هؤلاء من عبروا الجسر الأخطر كان شرحهم للمشاهد أكثر عاطفية وتخيلاتهم أكثر حميمية من عابري الجسر الآمن، كما أن عابري الجسر الخطِر كانوا أكثر قابلية للاحتفاظ برقم الفتاة والاهتمام بها، بل والرغبة في محادثتها بعد انتهاء التجربة.

فكيف لعبور الجسر أن يجعل الرجل أكثر هشاشة وعرضة للوقوع في الحب؟

جاء تفسير التجربة أن هؤلاء من عبروا الجسر القصير والمتين لم يشعروا بالخوف أثناء العبور ولم ترتفع عندهم نسبة الأدرينالين، فعبروا بسلام واطمئنان وكان شرحهم للمشاهد أكثر واقعية ولم يعيروا الفتاة اهتماماً مبالغاً فيه، أما هؤلاء الذين عبروا الجسر المخيف فقد ارتفعت عندهم نسبة الأدرينالين بسبب القلق والخوف من عبور الجسر، وعندما تحدثت معهم الفتاة بلطف وجدوا فيها منجاة واطمئناناً، بل وانجذاباً شديداً لها.

ما حدث هنا يسمى "الإسناد الخاطئ للإثارة- misattribution of arousal"، وهو المصطلح المستخدم في علم النفس لشرح كيف يخطئ الناس في الاعتقاد أن حدثاً معيناً هو السبب لذلك الشعور، فيخطئ المرء ويحول شعوراً معيناً إلى سبب آخر ليس له علاقة بالحدث الأساسي المسبب للشعور.

الوقوع في الحب والشعور بالانجذاب لطرف ما هي مشاعر معقدة تعتمد على نشأة المرء، تعليمه، ومبادئه ومعتقداته، لكنها في الوقت نفسه تتأثر بالهرمونات والناقلات العصبية. إذا كان التوتر والعرق والآلام في المعدة هي من أعراض الخوف فهي أيضاً وللعجب من أعراض الحب.

هؤلاء من يشعرون بالقلق والخوف يجدون أنفسهم أكثر قابلية للوقوع في الحب، متصورين أن تلك الأعراض ناتجة عن شعورهم بالحب وانجذاب، وليست أعراضاً ناتجة عن السبب الرئيسي وهو الخوف والقلق.

لذلك فدائماً ما يصف الأطباء النفسيون والمعالجون كل من يمر بتجربة مؤلمة أو بموقف مؤلم أو حدث مخيف أنه مثل (عابر الجسر)، وعليه أن يتمهل قبل أن يتخذ قرارات مصيرية كالارتباط الرسمي أو الزواج، فهو ليس في حالة ذهنية صحية تسمح له بأن يتخذ مثل تلك القرارات، لذلك فعليه أن ينتظر حتى تزول تلك الظروف السيئة، لعلها هي السبب الحقيقي لتلك المشاعر. فعلى المرء ألا يقع في الحب إلا بعد أن يعبر الجسر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ندى ضياء
مدونة ومُعلمة للأدب الإنجليزي
تحميل المزيد