سدد ريال مدريد تسديدة واحدة فقط على المرمى ضد تشيلسي بالأمس، في مباراة ذهاب الدور نصف النهائي من بطولة دوري أبطال أوروبا، كثاني أسوأ رقم هجومي لريال مدريد في تاريخ البطولة منذ أبريل/نيسان 2003. الرقم الأسوأ لريال مدريد في تاريخ البطولة (0 تسديدة على المرمى)، كان ضد باريس سان جيرمان في عام 2019، يُذكَر أن مدرب الخصم في المباراتين كان الألماني توماس توخيل!
ريال مدريد واجه توماس توخيل 5 مرات، مع بروسيا دورتموند، وباريس سان جيرمان، وتشيلسي، ولم يستطع ريال مدريد الفوز عليه أبداً.
توخيل.. مدرب حقيقي
قبل الخوض في الأمور الفنية والأخرى التكتيكية وجب ذكر تلك الإحصائيتين، للدلالة على تميّز توماس توخيل في جوانب كثيرة، أهمها القدرة الكافية على تقليل حدة خطورة أسلحة الخصم بشكل دائم، مع توظيفه المميز للاعبيه.
المدرب الحقيقي هو من يستطيع التعامل مع نقاط ضعف وقوة فريقه، مع تدارك أغلب الأمور في أقل فترة ممكنة، توماس توخيل ذهب إلى تشيلسي في ظروف لا تتناسب مع أي مدرب يبحث عن الاستقرار الفني والمنافسة المستمرة، بعد فترة من عدم الاستقرار الواضح والأخطاء الكثيرة من أسطورة ومدرب تشيلسي السابق فرانك لامبارد، مع صفقات غير مناسبة.
الأدهى أن توماس توخيل استطاع أن يتعامل مع تلك الظروف والصفقات بأنسب شكل ممكن، وفي أقل فترة ممكنة، من دون فترة إعداد وفي نصف الموسم، بل أحسن التعامل الذهني مع اللاعبين الذين تم تشتيتهم تماماً في فترة غير واضحة الملامح والمعالم بقيادة لامبارد.
توخيل واحد من أفضل مدربي العالم في الألعاب المركبة، منذ أن كان في بروسيا دورتموند، أسلوب لعب المدرب الألماني مع تشيلسي قائم على تلك الفكرة؛ لا يوجد مركز ثابت للاعبين. توماس توخيل يعوض عدم وجود عمق هجومي متمثل في رأس حربة مميز بتلك الألعاب المركبة التي تقوم بتوصيل كل لاعبي خط هجومه لمنطقة الخصم.
استطاع فرض شبكة لعب مهولة في كل مركز، ومن ثم تجميعها في كل مراحل اللعب، العامل الذي لم يؤدِ فقط لتفوقه العددي أو إتاحة أكثر من زاوية تمرير لكل لاعب من لاعبي تشيلسي، بل استطاع أن يحرم لوكا مودريتش وتوني كروس من الحركة، خصوصاً في الشوط الأول، وليس فقط الكرة، من خلال تطبيق الـhunting packs، أو اصطياد الكرات في القنوات الطرفية من الملعب، كي يسترجع الكرة بسهولة.
كل ذلك مثل المرحلة الأولى من اللعب، المرحلة الثانية هي الأكثر تميزاً من توخيل؛ سرعات لاعبي تشيلسي كانت مهولة في التحولات الهجومية والدفاعية. بتلك الألعاب المركبة والجمل الهجومية والمراكز غير الثابتة والتي هدفها مهاجمة المساحة لا اللاعبين؛ رأينا كانتي يقوم بالجري وضرب المساحة بالكرة خلف مارسيلو، وفي أنصاف المساحات بين نفس اللاعب وناتشو، خصوصاً أن ناتشو باع نفسه وترك خلفه دائماً 5 و6 أمتار، الأمر الذي سمح بوجود 3 لاعبين من تشيلسي على 2 من مدريد، بنفس الوضعية.
حتى ميسون ماونت، شارك في تلك الألعاب المركبة لنفس السبب، الوصول بأقل عدد لمسات لمرمى ريال مدريد، لم يكن صانع لعب أو جناحاً أيسر صريحاً، لكنه يتسلم الكرة تحت الضغط، ويقوم بالاستحواذ على كراته في اليسار، بهدف تحرير الظهير بن شيلويل في المساحة خلف كارفاخال.
زيدان مرتعش
زيدان دخل اللقاء بأقدام مرتعشة، وفشل في قراءة أفكار توخيل، بدأ بخطة 3-5-2 مثل المدرب الألماني، مع تحول مارسيلو وكارفاخال لظهيرين أثناء النهج الدفاعي على الورق، لكن ذلك لم يحدث بسبب بطء الارتداد من ظهيري مدريد، فكارفاخال كان تائهاً عاجزاً؛ تواجد بينه وبين قلب الدفاع إيدير ميليتاو مساحات أكبر من تلك التي كانت بين ناتشو ومارسيلو. بالتالي حدث المتوقع، وأصبحت هناك حرية صعود مثالية لتشيليويل وأزبيلكويتا على طرفي الملعب. ولذلك أعتقد أن البدء بالظهير ماركوس ألونسو كان سيمثل خياراً أفضل من شيلويل، الظهير الذي تم خلق المساحة له بشكل متكرر، لكنه كان ضعيفاً في إرسال العرضيات المتقنة.
في وسط الميدان، قام زيدان بإشراك لوكا مودريتش كلاعب وسط طرفي على اليمين، وكروس على اليسار، وهذا ما خلّف مساحات في عمق ملعب الريال، وسط فقدان كروس وكاسيميرو لإحداثيتهما، وهذا ما أدى لصعوبة مجاراة نسق وسط البلوز.
استكمالاً لتوظيف كانتي الخارق من توماس توخيل، كانتي كان يتقدم كمهاجم وهمي في الحالة الدفاعية وأثناء بناء ريال مدريد للهجمة، بهدف الضغط في الحالة الدفاعية مع تيمو فيرنر وكريستيان بوليسيتش، مع تواجد بن شيلويل على اليسار، بحيث يقوم بتثبيت تحركات كارفاخال، وأزبيليكويتا على طرف نصف الملعب كلاعب إضافي في الحالتين، الهجومية والدفاعية.
دور الظهير الإسباني في الحالة الدفاعية كان مثالياً، توخيل قرر أن يفعل ما أخطأ فيه يورغن كلوب في الضغط ضد ريال مدريد، استخدم سيزار أزبيليكويتا كلاعب على الطرف يقوم باصطياد الكرات بالضغط العكسي وحسن التمركز وتوقع سير الهجمة، خصوصاً أن مناطق استحواذ ريال مدريد كانت على اليمين وليس اليسار، مع توظيف آخر، كلاعب يقوم بعمل زيادة عددية دفاعية كظهير صريح، إذا استطاع مدريد تخطي خطوط ضغط تشيلسي.
لذا قرر توماس توخيل التضحية بشيء من أجل آخر، وهو منظومة الضغط، التي قرر من أجلها عدم اللعب بعمق هجومي ثابت أو رأس حربة صريح. لا يتحقق أي ضغط يفرضه فريق على فريق في العالم بشكل مثالي إلا إذا كان الضغط عبارة عن منظومة وليس ضغطاً فردياً، ولذلك استخدم توخيل اللاعب الألماني تيمو فيرنر، مع بوليسيتش وكانتي وأزبيليكويتا وشيلويل، كرباعي يضغط دائماً بعرض الملعب.
لكن رغم ذلك كان سيحل أوليفيه جيرو حلاً أفضل، حتى إذا شارك أثناء المباراة؛ تجميع اللعب الذي فرضه المدرب الألماني في مناطق كثيرة من الملعب كان يحتاج لمهاجم صريح، يستطيع أن يكون محطة لغيره، أو يقوم هو بالتسجيل، عكس فيرنر، الذي أضاع أكثر من ثلاثة أهداف محققة.
في ظل الحالة الدفاعية المطلقة لمدريد، خصوصاً في الشوط الأول، وعدم استحواذ زيدان على الكرة، أبدع توخيل في استخدام كل مثلث في الملعب، خصوصاً المثلث بين أزبيليكويتا وكانتي وجورجينيو، Laying off أو تحويل اللعب كما يقول الكتاب.
بشكل أوضح، قرر توماس توخيل تثبيت تيمو فيرنر على اليمين بعد نصف الشوط الأول إذا كانت الكرة يتم تحضيرها على الجبهة اليسرى، كريستيان بوليزيتش كان اللاعب المتحرك، ليضع نفسه في وضع 1 ضد 1 مع مارسيلو الضعيف، بالتالي تحويل مسار اللعب كان مهماً لتشتيت رقابة مدريد، يتم تحضير الكرة على اليسار، حينها تُلعَب الكرة الطولية أو القطرية على اليمين في الجبهة التي يتواجد فيها أقل عدد من مدريد، لفيرنر أو أزبيلكويتا، والعكس لتشيليويل أو حتى فيرنر المتحرك.
بالتالي أي كرة كان يقوم ريال مدريد باسترجاعها أثناء تحويل اللعب كان نغولو كانتي يسترجعها ويقوم بالجري بالكرة في أنصاف المساحات مرة أخرى، ولذلك كنا نشاهده في مناطق ريال مدريد بشكل دائم، رغم أنه ليس مطلوباً منه أن يكون هناك بشكل مكرر.
من الممكن الخسارة في كرة القدم أو التعادل، وفي الوقت ذاته تستحق الفوز، من الممكن أن تفوز وأنت تستحق الخسارة، الأهم ألّا تخسر نفسك داخل الملعب، وتوخيل كسب ذاته، ويستحق كل الإشادة على ذلك، ذلك فقط لأنه كافٍ.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.