أوربا قارة جميلة بكل شيء فيها، تاريخ أوربا مرتبط بالهجرات الأولى للبشر وتاريخ أوربا في الحقيقة متربط في جزء كبير منه بروما واليونان، فاليونان المعروف طبعا بالحضارة اليونانية أو الإغريقية؛ أهم الحضارات الإنسانية، ومن منا مثلا لا يعرف سقراط أو أفلاطون وربما أرسطو، معظمنا يعرفهم، وحتى إن لم تعرفهم فلربما شاهدت فلم " 300 " الذي يجسد إحدى ملاحم الإغريق العظيمة، أو سمعت عن الإلياذة والأوديسة ملحمتي هوميروس العظيمتين )تقريبا 800 قبل الميلاد(، أو لربما عرفت وقوع الحرب الخالدة حرب طروادة 1200 ق.م والتي يحكي عنها وعن أبطالها " أخيل " و " باريس " و الجميلة " هيلين " هوميروس في ملحته.
أماروما منذ تأسيسها من طرف التوأمين رموس وروميلوس 753؛ق.م. أضحت واحدة من أعظم مدن العالم، واستمر استحوذها على العالم المتوسطي مدة طويلة للغاية إلى حدود تفكك الامبراطورية الرومانية المقدسة في القرن الخامس الميلادي وبالضبط في عام 476 م.
المهم أننا لو أردنا أن نتحدث عن أوربا فلن يسعنا الوقت ولنقلب المقال بحثاً، فقل ما شئت عن تاريخ أوربا وعظمة أوربا، تحدث ولا حرج.
اعتراف رسمي وانتكاسة أوربية
قبل سنوات وفي أثناء فترة حكمها، أكدت رئيسة كرواتيا، كوليندا غرابار كيتاروفيتش في مقابلة مع التلفزة السويسرية أن إعادة الترحيل موجودة وأن "ذلك يحتاج بالطبع إلى قليل من العنف"
القليل من العنف! نعم ولما لا، ما المانع؟ فلطالما الاتحاد الأوربي في أمان وما دامت كرواتيا تقبض الأورو والدولار وتتلقى المديح، الذي وصل إلى وضعها على كرسي الرئاسة الأوربية 2016، وذاك جزاء الأعمال القذرة التي تقوم بها، وهبة من السيد للجلاد، خاصة وإن كان الجلاد من ذوي الخبرة والتاريخ الطويل في عالم الجريمة.
جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولي ما نصه:
" من بين ما يربو على 5,000 شخص اعتبروا في عداد المفقودين إبان حرب 1991- 1995، ظل مصير ومكان وجود أكثر من 1,600 شخص دون إيضاح. وذكرت "اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص المفقودين" أن كرواتيا لم تتقدم كثيراً نحو تلبية الحق في معرفة الحقيقة والعدالة وجبر الضرر للضحايا…"
فكرواتيا إذن ليست بالجديدة على عالم العنف والتعذيب ولها ما شاء الله الباع الطويل، ولهذا استعانت بها أوربا في عدوانها على المهاجرين، وعندما نقول عدوان فنحن نقصد ذلك، فلو أنت سمعت القصص التي يرويها المهاجرون لما وجدت كلمة أوفى من العدوان، نعم هو فعلا عدوان ويتم بدعم كامل من الحكومات الأوربية وبتواطأ مع العالم الذي يغضب تحت الطلب. ويميز بين الناس وبين المسلمين، فيدافع عن الكلاب ويعضب لإهانة سكان الفضاء.
. أما أن يهان و يعذب المسلمون كما يحدث في شرق الصين أو في أفريقيا الوسطى أو بورما ذاك ليس بالأمر الجلل؛ وحرج في أن يقتل المسلمون فهم كثر وحتى أننا لا نحبهم، هكذا يقولون .
وبالتالي الاتحاد الأوربي متواطئ في عملية إذلال المهاجرين وتكسير عظامهم، بل ويتجاهل دعاوى المنظمات الحقوقية؛ وكل من يتحدث عن الأمر يصبح دون أدنى شك عدوا للاتحاد.
الغاية تبرر الوسيلة
نحن ندرك أن نهضة أوربا الصناعة بنيت على هذا المبدأ، لهذا يتحدث ماركس عن بداية التصنيع فيقول: " إن تاريخ الاقتصاد الاستعماري الهولندي، وهولندا هي نموذج البلد الرأسمالي في القرن السابع عشر، يعرض للأنظار صورة لا مثيل لها من الخيانة والرشاوى والمذابح والسفالة؛ ولا أدل على ذلك من أسلوبهم في سرقة البشر في جزيرة سيليب للحصول على عبيد لأجل جزيرة جاوا. وكان يجري تدريب لصوص البشر خصيصا لهذا الغرض. وكان هذا اللص، والمترجم والبائع، هم المشاركين الرئيسيين في هذه التجارة، وكان الأمراء المحليون هم الباعة الرئيسيين. وكان الفتيان المسروقون يرزحون في زنزانات سرية في سيليب، حتى يبلغون السن المناسبة لشحنهم في سفن نقل العبيد ")كارل ماركس.
هذا لا يستغرب المرء من التصرفات التي تقوم بها بعض الدول الأوربية فإن الهدف واضحاً فكل الوسائل مسموح بها.
في هذا الصدد أكد موقع "مهاجر نيوز" أن للاتحاد الأوروبي هدف يضعه نصب عينيه، وهو كبح جماح الهجرة غير الشرعية. ومن هنا وقع مع تركيا اتفاقية مثيرة للجدل عام 2016 أدت إلى خفض حاد في عدد الواصلين عبر طريق البلقان إلى دول التكتل الأوروبي، كما ساعد الاتحاد خفر السواحل الليبي في منع قوارب المهاجرين من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، ويراقب بصمت ممارسات حرس الحدود الكرواتي العنيفة والمعاملة اللإنسانية للمهاجرين.
وصرح ماسيو موراتي نائب مدير البحوث في برنامج أوروبا بمنظمة العفو الدولية قائلا" أنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتعمد تجاهل العنف والانتهاكات التي ترتكبها الشرطة الكرواتية، وقال إن صمت أوروبا يسمح أو حتى يشجع المسؤولين على مواصلة هذه الانتهاكات دون أي عقوبة ".
وطبعا لا حياة لمن تنادي والانتهاكات مسترة. بل هناك اجماع رسمي على أن العنف أمر عادي بل مطلب أوربي يدخل ضمن عملية " حماية الحدود ".
فالمستشارة الألمانية أنجيلينا ميركل سبق وصرحت وقالت " أثناء زيارتها للعاصمة الكرواتية زغرب، إن القواعد التي تسري على دول البلقان تختلف عن تلك التي تسري على دول الاتحاد الأخرى فيما يتعلق بحماية الحدود الخارجية للاتحاد. "
مما يعني وجود ازدواجية واضحة، من جانب يدعي الاتحاد الأوربي وقادته الدفاع عن حقوق الإنسان ومن جانب آخر يؤكدون على أن الأمر نسبي ومرتبط بمصلحة الدول الأوربية، فإن كان ملف حقوق الإنسان سيخدم استراتجيتها فنعم الحقوق حقوق الإنسان، أما إن أدت إلى تهديد مصالحها فإنها لن تتوانى ولن تدخر أي جهد في حرق الإنسان وحرق العالم معه.
عليك ألا تستغرب مرة أخرى فالأمر أوسع من نظرة سياسية، إنها فلسفة قائمة بذاتها، تبلوت مع ظهور الدولة الأمة في أوربا، وكذا مع الثورة العلمية وخاصة النظرية الداروينية التي صنفت البشر إلى جنس متطور هو الجنس الأوربي؛ وجنس آخر غير متطور يمثله الشرق والباقي العالم.
لا خير في أوربا ولا الغرب
لطالما كان حديثنا عن الغرب، يصل إلى كون بعض الأوربيين ملتزمين ببعض المبادئ الإنسانية، وهذا ما جعل عبارة مشهورت نتشر بين صفوف المسلمين وهي " وجدت إسلاما بلا مسلمين ".
لا يجب أن نرتبط حسن المعاملة الأوربيين بسياسة الدول الأوربية والغربية عموما، فالحياة ليست حسن المعاملة فقط ولكنها أبعاد أخرى، على رأسها العدالة، فمعروف أن أهم ما جاء به الحبيب صلى الله عليه وسلم هو العدالة الإجتماعية، والذي درس ويعرف الحياة العربية في مكة آنذاك سيدرك المعنى، وبالتالي نظام لا يضمن لك العدالة الاجتماعية لا تطلق عليه عبارات أسطورية من قبيل " النظام الأفضل في العالم هو النظام الغربي ".
وإن كنا سندرس أوربا من حيث أمور غير التقدم التكنولوجي فإننا سنصطدم أمام واقع مغاير لما يعرفه الجميع، وإذا تعمقنا في سياسات الغرب فإن الأمر أكثر غرابة.
الحكومات الأوربية والغربية عموما بعيدة كل البعد عن العدالة ولا تسعى أبداً لنشرها، فمنذ أيام اعترف التحالف الدولي بقتل الآلاف في سوريا والعراق.
وقبل هذا تسبب البنك الدولى والدول المانحة للقروض في إغراق الصومال بالديون وإدخالها في دوامة من الحروب والصراعات حتى باتت الصومال في مخيلة كل إنسان أرضا للموت.
وسبق واستقبلت الدول الأوربية مجرمة مينامار وقدمت لها نوبل للسلام، ووسبق صرح ترامب بأنه يدعم حكام الدول التي يتظاهر فيها الشعب، قال أنه يقف في صف الحكومات لا الشعب، أي أنه يدعم عمليات القتل التي تحدث في العراق، ويشجع ما تقوم به السلطة المصرية من خطف وقتل وسحل للمعارضين وتشتيت للأسر وتهجير قصري للسكان، ويقف مع نبيه بري ومشيل عون وحركة أمل وكل من هو ضد الشعب اللبناني الأبي الذي مل الكذب والوعود الزائفة والطائفية المقيتة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.