لغرابة الأمر، المرأة تستطيع أن تحمل جبالاً، فقط إن فيض عليها بالحُب، هكذا تكوينها الرباني، خُلِقت لتكون سكناً، فكانت فطرتها كلها مشاعر جياشة ترسم بها جمالاً في كل منحنى من الحياة.
ولشدة احتياج الأنثى للحب، تبدأ مشاعر الاستياء تنبت بداخل قلبها كلما وجدت من زوجها جفاءً ولا مبالاة في مقابل شديد اهتمامها به، وحين تتبدل مشاعر الحب عندها بمشاعر الاستياء تتحول رغبة الدفء لرغبة في الحرق لكل شيء، تبدأ في تحويل مسار عقلها ليرى كل فعل في ثوب الإهمال.
ثم تجد في قلبها مقارنات دائمة، باهتمامه بأهله، وعمله، فتجد أنها كفة خاسرة مقابل مسؤولياته الكثيرة، فتزداد سلبية مشاعرها لشعور الغيرة المرير الذي يمتلئ بالغيظ وعدم راحة البال في كل حركة له، ولو بغير قصد، تحمله كله المقاصد الظالمة لها ولاحتياجاتها، ويزداد بداخلها مشاعر الخجل من احتياجها، فعدم اهتمامه يترجم عندها بالدونية وقلة القيمة لوجودها، فتحترق أيضاً داخلياً.
وهكذا ثمرة قلة سقيا الحب عند المرأة، احتراق داخلي وخارجي، يكفي أن يتحول السكن لعش عنكبوت يتهاوى بمرور كل ريح به، ولا يصمد. وكل تلك المشاعر السلبية كانت وليدة أن المرأة كثيراً ما تترجم أفعال زوجها خطأ!
ماذا، أشعرتم بالصدمة؟
هل تصورتم أنه مقال آخر يدعو الرجال للبذل والاهتمام؟
كلا، عزيزي القارئ، هذه المرة الرجل مسكين، لم يقصد أن يُرى هكذا. إنما هي بعض التوقعات الكفيلة بتشويه أسلوب فكر المرأة في استقبال المواقف، فتجد فيها معنى وهمياً للإهمال وقلة الاكتراث.
للأسف الشديد المرأة دوماً تقارن بين المرحلة الأولى في العلاقة بمرحلتها المتقدمة معه فيها، وتستغرب لمَ لا يملأني حباً كما كان يفعل، عزيزتي، الرجل لغة حبه تختلف بين مرحلة وأخرى في العلاقة، والذكية من تفهم هذا فتبني على ما عندها وليس على ما نقص.
فتجدينه في أول العلاقة قبل دخولك بيته، يحيطك بجميل اهتمامه، وهذه المساحة العاطفية النفسية يملأها، لأنه ليس في متناول يده مساحات أخرى منك، فيبذل كثيراً بداخلها، حتى تشعري أن هذا هو الحب الذي تمنيته طويلاً.
ثم بمجرد الزواج، وتشبعه بمساحات حسية أكبر متمثلة في وجودك بجانبه، ومشاطرته سريره وجسده، يمتلئ بتلك المساحة الواقعية الأقرب لكينونة رجولته، وحين يذهب لعمله، يصرف انتباهه الكامل لعمله، لم يعد يرى داعياً لملء مساحات عاطفية نفسية، وهو يشاركك واقعك بشكل مستمر.
أنت تحتاجين عاطفة في كل وقت، في غيابه قبل وجوده، وهو يشبع حسياً في وجوده، فيغيب مطمئن القلب ليستطيع العمل بتركيز دون تشتت.
الحب الآن صارت له أرض حقيقية يسقيها بوقتكما سوياً، مشاركة حقيقية في البيت وعاطفة حسية وعلاقة حميمية، وليست مساحات الوهم المتمثل في مجرد ابتعاده لأداء باقي مسؤولياته.
هو لا يقصد إهمالك، هو فقط يوازن بينك وبين باقي دوائره، وعقله لا يرى أولوية للعطاء النفسي مثل سابق عهده، وهو كله لك.
فطمئني قلبك بمساحتكما المشتركة، ولا تلتفتي لإشغال باقي مساحاته وانتظار أن يبادر بهذا، إن احتجت له خارج المنزل، بادري بالعطاء، وكفي عقلك عن الانتظار، سقيا الحب ليست في هذه المساحة الآن، انتظارك له فيها، تحرق الحب، وتنهيه.
واجعلي كل وقتك بعيداً عنه مثمراً بباقي دوائرك واهتمامتك، فهذا ما ينير أنوثتك ويجعلك في تجدد مستمر بعينه، فتكبر مساحتكما سوياً، ولا تفتر رغبتكما في الاستثمار فيها.
فكأنكما بابتعادكما واقترابكما كل يوم تجددان شغف الحب، وتتركان مساحة للشوق والرغبة في اللقيا، وهذا كثيراً ما يعتمد على جودة وقتكما سوياً، وهذا ما تدمره مشاعرك السلبية التي شرحتها سابقاً، حتى إن صمتِّ وقلبك محمل بها، تنطفئ روحك، وسيشعر من حولك بطاقة سلبية كفيلة لتدفعه عنك بعيداً.
أما بالنسبة للرجل، نعم نتفهم كثيراً انشغالك بكل مسؤولياتك، وأنك لا ترى أهمية للمساحة العاطفية النفسية في العلاقة أن تشبعها وأنت خارج المنزل، ولكن إن بذلت قدراً قليلاً من الاهتمام بها، ستجني علاقة مليئة بالأمان.
المرأة عاشقة للمشاركة، أن تشاركها ما يهمك في يومك وأنت بعيد عنها، صورة، كلمة، كلما استطعت، يقوي رابطة الصداقة، ويطمئن شوقها لك، وأنت بعيد.
أما عن هؤلاء الذين لا يملؤون مساحة نفسية، ولا مساحة حسية عند زوجاتهم، ويقولون كفى بنا تحمل المسؤوليات، "وبلاش كلام فاضي"، فنقول لهم حديثاً واحداً: "رفقاً بالقواريرِ".
فأين أنتم من هذا الرفق؟ "بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.