تشهد مدينة القدس منذ الخميس الماضي عمليات كرّ وفرّ بين المستوطنين اليهود وبين العرب، ومناوشات بدأت بالأيدي ثم تطورت إلى رسائل بالصواريخ، الأمر الذي دفع القيادات الفلسطينية على اختلافها من جهة، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من جهة ثانية، إلى الدعوة للتهدئة.
وأتت هذه العمليات بعد مسيرة نظّمها يهود متشدّدون في القدس الغربية، أطلقوا خلالها هتافات معادية للعرب، وفقاً لـ"وكالة الصحافة الفرنسية".
وازدادت الأمور توتراً بعد اقتحام عدد من اليهود المتطرفين باحات المسجد الأقصى وقيامهم بطقوس دينية خاصة، أمس الأحد، ما دفع المصلين الى التحرك، وبالتالي عودة الاشتباكات بين الطرفين وسقوط عدد كبير من الجرحى.
القدس بركان نائم
ويتخوف كُثر من استمرار الوضع على هذا المنوال، ما قد يعرض القدس إلى أحداث شبيهة بتلك التي جرت فيها منذ عشرات السنين.
وعلّقت نائبة رئيس بلدية القدس، النائبة السابقة في الكنيست من حزب "كلنا"، رحيل عزاريا في مقالة لها في صحيفة "إسرائيل اليوم"، على تطورات مدينة القدس بالقول: "القدس هي نوع من البركان النائم، الأيام الأخيرة هي تماماً هذه اللحظات التي يبدأ فيها اللباب في الغليان، وكل شيء سيتفجر تواً، السكان الأبرياء هم الذين سيدفعون الثمن عندما يتفجر العنف".
واعتبرت أن ما يحصل سببه تغيّر "موازين القوى بين اليهود والعرب في إسرائيل وفي الشرق، بدءاً باتفاقات السلام مع دول الخليج، عبر الانتخابات المقتربة للسلطة الفلسطينية، والتغيير في موقف رئيس الوزراء من "الحركة الإسلامية"، "حزب راعم"، وبالطبع حزب "بن غبير زاوية نوعم"، الذي يدخل إلى الكنيست لأول مرة".
وأكدت أنه عندما يحدث هذا التغيير "يختل التوازن الدقيق ويبدأ البركان في الثوران، نشاط من السهل تشخيصه، من الجانبين: أفلام "التك توك" من العرب الذين يضربون يهوداً فجأة في الشارع، وجمهور محرض من شبيبة "لاهفا" تضرب العرب، واضطرابات في شرق وغرب المدينة، وفي الوسط صحافيون مصابون".
وشبّهت ما يجري بـ"بداية العاصفة"، فـ"فجأة يتصاعد التوتر ومعه الإحساس بأن الأمور تخرج عن السيطرة، ولكن الموجة قد تكون طويلة هذه المرة؛ فبانتظارنا بعد رمضان أشهر طويلة أخرى من الإجازة الكبرى وبين الأوقات، وأيام من انعدام الفعل، يبحث فيها الكثير من الشبان عن الحركة".
ورأت عايزر أن هذا "الواقع المتفجر يصرخ منادياً لتدخل القيادة، ولكنها مشغولة هذه الأيام بنفسها، الوزراء يفكرون بالخطوة التالية في حياتهم السياسية".
وشددت على أن معالجة ما يحدث من "صلاحية وزير الأمن الداخلي أمير أوحنا"، الذي عليه لكي ينجح بالسيطرة على الميدان، أن "يتوقف عن التعاطي مع هذه الأحداث كفرصة لجني المرابح السياسية والإعجابات عبر الشبكات والتعاطي مع تعقيداتها"، مطالبة إياه بالعمل "بحزم وبشدة حيال بؤر الهياج في اليمين المتطرف، وأن يوضح للطرفين أن الشرطة لن تسمح لهذا العنف أن يستمر؛ وأن الناس الأبرياء هم الذين يدفعون الثمن".
وأكدت أن هذه الأمور "صعبة سننظر إليها جميعنا إلى الوراء بغضب وإحباط، وسنسأل كيف لم نفعل لوقف هذا العنف في الوقت المناسب؟ هكذا تبدو القدس قبل لحظة من انتقال الأزمة إلى الفوضى؛ رأينا مثل هذا في الماضي، العنوان على الحائط، والقيادة لا يمكنها أن تقول بعد ذلك "أيدينا بريئة من هذا الدم".
زعران التلال
من جهة أخرى رأى جدعون ليفي في مقالة له بصحيفة "هآرتس" أمس الأحد، أن "المخيف في ما يجري في القدس، والذي يبعث على اليأس هو التحديث في هوية من يهاجمون العرب"، قائلاً: "ها هم الأصوليون يضافون إلى كتائب "لاهفاه" وميليشيات "لافاميليا" و"زعران التلال"، وهؤلاء المشاغبون الذين يرتدون المعاطف قد يجرون إسرائيل إلى أماكن فاشية، التي حتى هي لم تعرفها بعد، بفضل الإمكانية الانتخابية الكبيرة الكامنة لهم"، مضيفاً: "الأصوليون هم الذخر الجديد للحركة النازية الجديدة التي تتطور في إسرائيل، وهم يضمنون مستقبلاً كبيراً لـ"سموتريتش" و"بن غبير"، اللذين كانا سيكونان تافهين بدون الأصوليين، ولكن بفضل الأصوليين يمكن أن يتحول حزبهما إلى "بديل لألمانيا" و"السويديون الديمقراطيون" لإسرائيل، في إطار متطرف أكثر من الحزبين اليمينيين الأكثر تطرفاً في غرب أوروبا، هذا مخيف، لأن الأصوليين كثيرون وهذا مثير لليأس لأنه في يوم ما كانت هناك أغلبية دينية أخرى، كنت أحترمها وعرفت أنها كانت ضحية للاضطهاد والإقصاء".
وتوقع ليفي بأن يكون لليمين المتطرف في إسرائيل "مستقبلاً كبيراً"، وقال: "سنحصل مع هذا الاحتياط من أصوات الأصوليين ذات يوم على شخص كهاني كرئيس للحكومة؛ "نفتالي بينيت" أصبح مرشحاً شرعياً ومرغوباً فيه بالنسبة لنصف إسرائيل، وصحيح أن بضع مئات من الأصوليين فقط شاركوا في المذابح حتى الآن، لكن الحاخامات لم يفعلوا شيئاً لوقفهم، ربما لأنهم عرفوا أن المارد خرج من القمقم، والآن سيزداد عددهم، وقد يغير الأصوليون الشباب اللعبة".
ووصف ليفي "هجمات الجمهور على العرب في القدس بالبشائر الأولى للنازية الإسرائيلية الجديدة"، معتبراً أن "صور الأيام الأخيرة من القدس مرعبة؛ فقد تخلوا عن التغطية الإعلامية السليمة التي تحاول الحفاظ على "توازن" في واقع احتلال ليس فيه أي توازن، وتركوا البيانات المدهشة لوزير الأمن الداخلي وقادة الشرطة الذين أدانوا عنف الفلسطينيين فقط".
وختم ليفي مقالته بالقول: "مسيرات تخويف، ضرب، إحراق، أعمال سلب وإطلاق شعارات الموت، هكذا تظهر نازية جديدة. ليحفظنا الله من مبعوثيها الأصوليين الذين انضموا للاحتفال".
دعوة لإحراق العرب
وفي السياق عينه، شبّه إيريس ليعال في تقرير نشرته "هآرتس" بالأمس، ما تشهده القدس بما فعله أنصار الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب من مهاجمة لمبنى "الكابيتول"، وقال ليعال: "مثل البركة المسممة لحفل الشاي، التي نشأ ترامب وتغذى عليها، والتلوث العنصري الذي تركه خلفه عندما غادر البيت الأبيض، هكذا أيضاً الأمر هنا: بعد أن يغادر نتنياهو تستمرت الإجراءات في التطور، "بتسلئيل سموتريتش" سيقضم المزيد من الأحزاب الأصولية وسيسيطر عليها من الداخل، "بن غبير" سيكون الذراع البرلمانية لجمعيات اليمين المتطرف، وأتباع "ريكلين" و"تاوب" و"بردوغو" سيغيرون وجه الإعلام إلى الأبد، ومثلما كان الأمر في ذلك الوقت في جادة بنسلفانيا، يجلس في شارع بلفور الآن أشخاص يمسكون بالسلطة في غرفهم المظلمة، وتمر بذهنهم أفكار اليأس والغضب"، واصفاً الأيام التي تنتظرها القدس بـ"الأيام الخطيرة".
وتنبه ليعال للتشابه الكبير بين ترامب ونتنياهو، جراء أحداث مساء الخميس في القدس، مشبها ما فعله اليهود النازيون بما فعله أنصار ترامب في "الكابيتول"، حيث قال: "عندما يجول المشاركون في مسيرة "لاهفاه"، بدعم من "لافاميليا" ومتدينين كثيرين تحت شعار "إعادة الكرامة اليهودية"، في شوارع القدس، وبحثوا عن عرب كي يضربوهم ويسمعوهم أقوال كراهية وعنصرية"، ميضفا: "هم ألقوا الزجاجات الحارقة ورشوا الحجارة على رجال الشرطة، وقاموا باقتحام بيوت في البلدة القديمة وأعمال شغب مع أصوات بكاء أطفال مذهولين، وعلى مقاطع فيديو نشرها مراسل "هآرتس" نير حسون على "تويتر"، تم التغريد في إطار معروف "انظروا، ها هم النازيون الجدد عندنا".
وأضاف: "في الكابيتول صرخ المشاركون "اليهود لن يحلوا محلنا"، وهنا في القدس صرخ اليهود "الموت للعرب"، وفي المكانين كان واضحاً أن هناك علاقة واضحة تربط المتظاهرين مع النظام الحاكم.
وأوضح أن "منظمة "لاهفاه" هي الذراع العسكرية لعضو الكنيست "ايتمار بن غبير" من "الصهيونية الدينية"، الوحدة التي عمل عليها ودفع بها إلى الكنيست رئيس الحكومة نتنياهو"، مؤكداً أن "مجموعات واتساب يدير بعضها بن غبير، تداول عليها قبل المظاهرة الخميس، عبارة "اليوم سنحرق عرب، الزجاجات الحارقة أصبحت في الصندوق".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.