في ليالي عام 1905 تبدأ الأحداث من أراضي القاهرة؛ حيث مصر ما زالت تحت الاستعمار الإنجليزي، وما زال المصريون يحاربون كل أشكال الاحتلال بشتى الطرق ويعلنون رفضهم له في كل زمان ومكان.
كانت إحدى تلك الموجات بل وأعلاها صدى قادمةً من طلبة مصر وتحت قيادة "مصطفى كامل"، الذي استغل حماس الشباب وأيقن أنهم الخط الأول للدفاع عن الوطن. في هذا الوقت تم إنشاء نادٍ سُمي نادي طلبة المدارس وتم تأسيسه لأغراض سياسية في المقام الأول، ليسمح بمزيد من الفعاليات والندوات السياسية لتوعية الشباب والطلبة المصريين.
ولكن حينها لم يكن هذا هو كل ما يتمناه "عمر لطفي بك" رئيس نادي طلبة المدارس في ذلك الوقت، لم يكن توجيه الشباب للسياسة فقط هو الحل أو نهاية القصة.
في الرابع والعشرين من أبريل/نيسان عام 1907م تجمعت النخبة المصرية المناهضة للاحتلال بينهم مصطفى كامل ومحمد محمود باشا وعبدالخالق ثروت وغيرهم ممن عرفوا بمواقفهم ضد الاحتلال، وعرض عليهم عمر لطفي بك فكرته وقرروا إنشاء نادٍ رياضي لاستغلال طاقات الشباب في الرياضة، وأنه لن يكون مجرد نادٍ بل سيتم إنشاؤه كنادٍ "أهليّ"، بأموال المصريين أنفسهم ويشارك الجميع في أموال إنشاء النادي. ليكون عمر لطفي هو صاحب فكرة تأسيس النادي الأهلي.
ولكن كان العائق الأكبر هو الخمسة آلاف جنيه قيمة إنشاء النادي والذي كان يعد مبلغاً ضخماً من 114 عاماً. حينها تم تأسيس شركة النادي الأهلي للألعاب الرياضية وتم طرح أسهم النادي للبيع. ولكن لم يتحقق ما تمناه الجميع وتم بيع 633 سهماً بما يساوي ثلاثة آلاف ومئة جنيه فقط.
حينها قام المؤسسون باستدانة قرض من البنك الأهلي وبضمانة طلعت حرب باشا "أبو الاقتصاد المصري"، بل وساهم بمئة جنيه لتسهيل تأسيس النادي وحل أزمات التأسيس.
واختيرت جزيرة الزمالك ليتم تأسيس النادي الأهلي عليها، نظراً لتميزها بالبعد عن ازدحام القاهرة وتمتعها بالهواء النقي. وكان اسمه "الأهلي" ليكون قبلة لأبناء الوطن بجميع أشكاله فاتضح هذا بطرح استمارات الاشتراك لجميع المصريين بكل فئاتهم ليكون نادي الشعب منذ اللحظة الأولى.
وبعد عامين من فكرة التأسيس وفي عام 1909م كان الافتتاح الرسمي للنادي الأهلي وشارك فيه كل الشخصيات الوطنية المصرية في ذلك الوقت، وكان متواجداً ميشيل أنس البريطاني الذي كان ملحقاً عسكرياً في وزارة المالية المصرية، ولكن رغم انتهاء انتدابه قرر العودة إلى مصر ليشارك في تأسيس النادي الأهلي، ويكون أول رئيس للنادي لمدة عامين، وخلفه كافة الشخصيات الوطنية المصرية بل وحتى الشخصيات غير المصرية المحبة لمصر.
وفي عام 1911 تم تشكيل أول فريق رياضي لكرة القدم من طلبة الجامعات في ذلك الوقت. ولم يكن الأهلي نادياً رياضياً فقط، وإنما ظل متواجداً في الأحداث السياسية الوطنية وبقوة.
ففي عام 1943 تقدم النادي الأهلي بطلب إلى حيدر باشا رئيس اتحاد كرة القدم في مصر في هذا الوقت للموافقة على السفر إلى فلسطين دعماً للثورة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني، ورغم رفض حيدر باشا سافر فريق الأهلي إلى فلسطين واستمرت رحلتهم 23 يوماً قوبلت بتجميد النشاط الرياضي داخل النادي ووقف لاعبيه عن ممارسة كرة القدم في أي مكان، ولكن بعد عام كامل وباستمرار المظاهرات أًصدر الملك قراراً بعودة نشاط الكرة في النادي.
وظهرت مواقف النادي الأهلي أيضاً في عام 1948، وفي حرب فلسطين لم يتردد شباب وأعضاء النادي الأهلي لحظة واحدة، لكي يكونوا من طلائع المتطوعين وفي الصفوف الأولى للمشاركين في الحرب. ووضعت الجمعية العمومية بعدها لوحة تذكارية لشهداء الحرب من أعضاء النادي الأهلي.
كما كان للأهلي دور قوي في المشاركة في ثورة يوليو/تموز 1952 وبعدها بعام قامت الجمعية العامة للنادي الأهلي بإنشاء مراكز للتدريب العسكري داخل أسوار النادي لتدريب الفدائيين الذين يقومون بمحاربة البريطانيين.
واستمر الأهلي في دعم الجهود الحربية لمصر، فبدأ بجمع التبرعات، حتى وصل الأمر إلى تنظيم التدريبات العسكرية واستمر هذا حتى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وفي العصر الحالي ورغم ابتعاد الأهلي عن الحياة السياسية بعض الشيء، فإننا شاهدنا أبناء الأهلي وجمهوره في ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011 ودورهم الكبير فيها، وتواجدهم البارز في الأحداث الوطنية واستشهاد عدد من أبناء النادي الأهلي أيضاً في هذا الوقت، واستمر ذلك حتى مذبحة بورسعيد عام 2012 التي راح ضحيتها 72 شاباً من جمهور النادي الأهلي والتي اعتبرها البعض رداً على مواقف جمهور الأهلي السياسية والوطنية في هذا الوقت.
وبعد 114 عاماً ظل الأهلي متمتعاً بشعبية كبيرة بين كافة أطياف الشعب المصري بل ولم يكتفِ نادي "الشعب" بهذا بل أصبح الأهلي ذا شعبية إفريقية عربية كبيرة بل وعالمية، وظل متفوقاً تفوقاً كبيراً في الكثير من الألعاب الرياضية وعلى رأسها كرة القدم.
وعلى مدار هذه الأعوام الطويلة استطاع فريق كرة القدم الفوز بحب عدد كبير من الفئات المختلفة للشعب المصري، واستطاع الحصول على قلوب جماهيره قبل البطولات التي وصل عددها لأكثر من 150 بطولة، حتى لحظة كتابة المقال.
وهو ما جعله يصنف في إفريقيا ناديَ القرن العشرين، بل وحصل الأهلي على ثالث بطولة العالم في الأندية في مناسبتين كان آخرها عام 2020 في قطر.
ومرت الأعوام ومازال الأهلي يمثل الشعب المصري في تنوعه، ويمثل الشعب المصري في قوته، كما يمثله أيضاً في صموده في ظل الأزمات. فكما اعتدنا على أبناء مصر أنهم يتحملون الصعاب وجدنا الأهلي يقف دائماً بعد كل الأزمات رافعاً شعار "الأهلي فوق الجميع"، وخلفه جماهيره تغني: "الأهلي ده حياتنا شُفنا معاه المعجزات".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.