الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة منذ بدء الخليقة، منذ أن خلق الله حواء لآدم، منذ أن بدأ الإنسان القديم التحرك وسط جماعات للحماية من أخطار الطبيعة، أو التجمع معاً حول مناطق المياه وتكوين مجتمعات وحضارات.
ومع اختلاف العصور وتطور الحضارات لم تعد التجمعات بين البشر وتكوين العلاقات بهدف الحماية مثل السابق، بل لتحقيق أهداف أخرى مثل الحصول على الأمان والونس والدفء أحياناً كثيرة، وهناك أنواع مختلفة من العلاقات مثل علاقات عمل أو جيرة أو أهل أو دراسة، علاقات مؤقتة وعلاقات دائمة، تختلف كل علاقة عن الأخرى، وهكذا.
لذا فإن علم الاجتماع يفسر العلاقات الاجتماعية بأنها (الروابط والآثار المتبادلة بين الفرد والمجتمع، وهي تنشأ من طبيعة اجتماعهم وتبادل مشاعرهم واحتكاكهم ببعضهم البعض ومن تفاعلهم في بوتقة المجتمع).
الإنسان يرى نفسه في مرآة الآخر، يتعرف على صورته الذاتية من خلال تعاملاته مع المحيطين به وأصدقائه، ومن حوله، من خلال تفاعلات التعامل مع الآخر في العلاقات بجميع أنواعها، يتأثر بالآخر ويؤثر فيه.
وستظل العلاقات الإنسانية بيننا نحن البشر من أهم المواضيع المطروحة والتي يهتم بها الجميع، مهما تطورت الحضارات ومهما تطور العالم الرقمي الموازي، كما ذكرت في مقالي السابق من أدلة على اهتمام الناس وتعطشها للعلاقات الصحية، وأن العودة إلى تقاليدنا الشرقية القديمة من تجمعات، وإعادة الأواصر الاجتماعية هي حصن أمين ضد الكثير من الأمراض النفسية.
ومن هنا فإنني أرى أن العلوم الإنسانية يجب أن تجد طريقاً تساعد به إنسان العصر الحديث، لمساعدته على إيجاد أدوات جديدة للتعامل، ونظرة مختلفة لإنجاح العلاقات والحفاظ عليها.
ودعونا نتعرف على مكونات العلاقة، فهي تتكون من:
أنا
والآخر
والعلاقة نفسها
كل منا يبدأ العلاقة وهو محمل بتصوراته الخاصة عن طبيعة العلاقة ومساراتها وتأثيرها عليه، ونظرة خاصة به قد لا يعرفها الآخر، وأحياناً لا يعرفها هو شخصياً بوضوح.
لذا فأنا أؤمن تماماً أنه يجب على الإنسان أن يتعرف على ذاته أولاً قبل التعرف على الآخر، أن يعرف نفسه جيداً، فنحن حين نتعرف على أنفسنا ومشاعرنا وأفكارنا ومعتقداتنا نعرف حقوقنا وواجباتنا في العلاقة، وما هي المسؤولية الذاتية لكل فرد فينا نحو أنفسنا والآخرين، سيكون تحليل الموقف والتعامل معه أكثر وضوحاً وسهولة. فالوقاية دوماً أفضل من العلاج، وسيكون التعامل مع العلاقات التي يطلق عليها العلاقات السامّة من منطق واضح وأكثر قوة، نستطيع من خلاله حماية أنفسنا منها.
معظم مدارس العلاج النفسي، إن لم تكن كلها، قائمة على تعريف المريض على ذاته جيداً والتصالح معها أولاً، بنقاط قوتها وضعفها، وقبول نفسه قبولاً تاماً، ومعرفة أهدافه في الحياة، ومعنى الحياة بداخله، ومعرفة احتياجاته، والتعرف عليها، والتعبير عنها، ومعرفة كيفية تسديدها بطرق مختلفة نابعة من قيمه. لذلك فمن الممكن تبسيط بعض المعلومات كنوع من أنواع التعليم النفسي لجميع الفئات والتوعية الذاتية.
من خلال دراستي للعلاج بمدرسة العلاج المعرفي السلوكي، وجدت أن هذه المدرسة تعرف الإنسان أنه عبارة عن مشاعر وأفكار وسلوكيات، ووجدت أن تلك المدرسة مبسطة، وبها الكثير من النقاط التي يمكن أن نتعلمها، وليس بهدف العلاج فقط، ولكن كأدوات لحياة أفضل وأكثر صحة نفسياً.
وتبدأ رحلة العلاج بأن يساعد المعالج الشخص على التعرف على مشاعره وطبيعتها وكيفية إدارتها واحترامها، ومراقبة أفكاره والتعرف عليها، وتأثير الأفكار والمشاعر على سلوكياته.
وتقع تلك المشاعر والأفكار تحت مظلة تسمى (أخطاء التفكير)، وهي تلك النظارة التي نلبسها دوماً لنرى من خلالها المواقف وتحليلها والحكم عليها، وتتولد عنها أفكار ومشاعر تؤثر تأثيراً مباشراً على سلوكياتنا.
ومن أهم أخطاء التفكير (المثالية أو الكمالية- القطبية- بخس الإيجابيات- التفكير التشاؤمي- العزو الشخصي- العزو الخارجي- الشخصنة- الحكم- التوقعات الكارثية- اللوم- المقارنات) وغيرها، وسنناقشها بالتفصيل بإذن الله في المقالات القادمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.