أخطاء إدارة جو بايدن في إدارة التفاوض على الملف النووي الإيراني

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/21 الساعة 09:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/21 الساعة 10:12 بتوقيت غرينتش

ثمة عدد من المؤشرات التي تدل على أن السياسة الأمريكية في موضوع الملف النووي الإيراني تسير في اتجاه يعاكس المصالح الأمريكية، أو على الأقل لا يخدمها على الوجه الذي حصل في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

في عهد باراك أوباما لم يكن الاتفاق النووي شيئاً مقصوداً لذاته، بل كانت السياسة الأمريكية -على الأقل بالشكل الذي انتهت إليه على الأرض- تمتلك رؤية شمولية، أو تضع المسارات جميعها في خط منسجم، لا يؤثر على مسار الاتفاق واتجاهاته.

صحيح أن ثمة انتقادات كثيرة وُجهت إلى مخرجات الاتفاق النووي مع إيران، وهذا شيء طبيعي، لأن محددات السياسة الأمريكية تختلف بنظرة الجمهوريين والديمقراطيين، وتختلف أيضاً بحسب أسلوب تدبير العلاقة مع إسرائيل، لكن في المحصلة ما كسبته إيران من الاتفاق النووي من رفع غير كلي للحصار، مقابل ما حصلت عليه أمريكا والأوربيون من تعهد إيراني بخفض مستوى تخصيب اليورانيوم لا يعني الكثير، حتى ولو سوقت له إيران باعتباره نصراً كبيراً لدبلوماسيتها التفاوضية.

صحيح أن هناك محدداً جديداً في السياسة الأمريكية الديمقراطية، كون الرئيس الأمريكي جو بايدن يُصر على أن يجعل نفوذ إيران الإقليمي وبرنامج صواريخها الباليستية جزءاً من روزنامة التفاوض، لكن الأوراق التي تم اعتمادها حتى الآن لفرض هاتين النقطتين لم تكن كافية، بل ارتكبت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أخطاء قاتلة في التفاوض، فتحت شهية الإيرانيين لإدارة الصراع بقدر كبير من الكفاءة.

أول هذه الأخطاء، التي تجنبها في السابق الرئيس الأسبق باراك أوباما، هو الموقف الإسرائيلي، فقد مارس أوباما ضغطاً رهيباً على إسرائيل من أجل أن تضبط النفس وألا تفسد أوراق اعتماد واشنطن في التفاوض، والتزمت إسرائيل، وكان من نتائج ذلك دخولها في علاقة توتر مع أمريكا بسبب هذا الملف لوقت ليس بالقصير.

خطأ إدارة الرئيس جو بايدن أنه أطلق العنان ليد إسرائيل، لتتصرف كيفما تشاء، تقديراً منها أن ذلك يخدم أجندة التفاوض ويُضعف الموقف الإيراني، بل ربما كان الاعتقاد أن قدرة إيران على ضبط النفس قد استنزفت، وأنها لا بد سترد، وأن ذلك سيضعف موقفها، ويجعل مفاوضات فيينا تسير في اتجاه يعاكس مصالحها.

والحقيقة أن العكس هو الذي حصل، فقد شكّل تدخل إسرائيل سواء بضرب الناقلة الإيرانية في البحر الأحمر، أو باستهداف منشأة نطنز النووية، في تمكين إيران من ورقة اعتماد قوية في التفاوض، بررت بها لجوءها غير المتوقع للرفع من مستوى تخصيب اليوارنيوم إلى 60% وأكثر من 1000 جهاز طرد مركزي في منشأة نطنز النووية، فرفعت السقف عالياً، وأضعفت بذلك الموقف الأمريكي والأوروبي في التفاوض.

في عهد أوباما، كان مسار التفاوض يسير في ثلاثة اتجاهات، إلزام إسرائيل بضبط النفس، وطمأنة دول الخليج، والمناورة مع إيران في طاولة التفاوض حول مستوى التخصيب، مقابل مستوى رفع الحصار، لكن في عهد بايدن انفلت هذا العقد، وتبنّت السياسة الأمريكية ثلاثة مواقف مربكة، أولها ممارسة الضغط على السعودية وعبرها دول الخليج، وثانيها إعلان نوايا التصعيد والتوتر مع تركيا، وثالثها رفع سقف التفاوض، بإدخال محدد النفوذ الإقليمي والصواريخ الباليستية الإيرانية في المعادلة.

النتيجة التي لم تكن متوقعة، أو على الأقل تضعف مخرجات السياسة الأمريكية، هي توجه إيران إلى نزع فتيل التوتر مع تركيا، وتجديد التوافق حول أهمية الاتفاق النووي الذي كانت أنقرة دائماً تقدر أنه في مصلحتها، وتوجه السعودية حسب ما كشفت عنه جريدة الفايناشيال تايمز، إلى إجراء مفاوضات سرية مع إيران للاتفاق على صيغة تضمن حسن العلاقة بين البلدين، وتؤمّن منظومة الأمن السعودي، وتضع حداً للاحتقان في اليمن، وتضبط إيقاع الحوثيين، في اتجاه الأجندة السعودية التي تسعى إلى تأمين العملية السياسية في اليمن وتحقيق الاستقرار بها.

تفيد هذه الخطوات الشيء الكثير، فالمفاوضات السعودية الإيرانية بوساطة بغداد تكسر أجندة أمريكا التفاوضية، لاسيما محاولة إقحامها النفوذ الإقليمي الإيراني في طاولة المفاوضات، إذ تؤكد أن القضية تجد حلها إقليمياً ومن خلال علاقات سوية بين إيران ودول الخليج، ومن غير حاجة إلى تدخل أمريكي، كما تُثبت خطوة التوافق التركي الإيراني أنه يستحيل بالمطلق الضغط على إيران، وفي الوقت ذاته الضغط على تركيا، فهذا ما لا يمكن تحصيله، وهو الأمر الذي فهمه جيداً الرئيس الأسبق باراك أوباما، وفهمه أيضاً الرئيس السابق دونالد ترامب.

الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تُصر على رفض التنازل لإيران، والمثير في تصريحات مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جيك ساليفان، أنه لم يعد يتحدث عن المطالب الأمريكية بشكل معروف، ففي حديثه إلى قناة فوكس نيوز قال إن إدارة بايدن لن ترفع العقوبات التي أعادت إدارة ترامب فرضها على طهران، قبل التأكد من أن إيران قد عادت بشكل كامل إلى تطبيق التزاماتها في إطار الصفقة، ونفّذت عدة مطالب يطرحها الجانب الأمريكي دون أن يحددها كما هي العادة.

 يبدو من استعمال لفظة "عدة" مطالب، بدل استعمال لفظة مطالب بصفة تعريفية، وكذا عدم إعادة ذكر المطالب الأساسية الثلاثة، أي الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي، وبرنامج الصواريخ الباليستية ونفوذها الإقليمي، أن أمريكا تميل إلى خفض سقفها التفاوضي إلى أدنى مستوياته، وربما دفعها رفع إيران من مستوى تخصيب اليورانيوم وما أحدثه من غضب أمريكي وأوروبي وإسرائيلي من توجه إيران نحو امتلاك سلاح نووي، إلى التركيز أكثر على نقطة واحدة فريدة هي تعهدات إيران في الاتفاق النووي، أي خفض مستوى تخصيب اليوارنيوم إلى 20%.

المملكة العربية السعودية استعادت لحظة مفاوضات إدارة أوباما مع طهران، وأدركت أن إعادة السيناريو السابق سيكون مكلفاً لها، بل تابعت بدقة أسلوب إيران في إدارة التفاوض، وأدركت أن أمريكا تتجه إلى سحب قضية النفوذ الإقليمي الإيراني من دائرة التفاوض، ولذلك سارعت إلى استثمار الفرصة والدخول في حوار سري مباشر مع طهران لحل مشكلتها، وتحييدها من دائرة الابتزاز الأمريكي، فمخرجات السياسة الأمريكية في عهد أوباما كانت على حساب المصلحة السعودية، وهي التي أفضت في تقدير الرياض إلى تغول الحوثيين في اليمن وتشكليهم لتهديد قوي للأمن القومي السعودي.

السعودية تدرك اليوم أن إعادة التجربة مكلفة، وستزيد الوضع تفاقماً، وأن الأنسب الدخول بشكل مبكر في حوار مع طهران، من أجل تحقيق ربح مزدوج، أوله تأمين منظومة أمنها القومي بحل مشكلة التجديد الحوثي لأمنها القومي، وثانيه استباق مخرجات الاتفاق النووي الجديد، وتجنب السيناريو السابق الذي أضحت فيه السعودية الخاسر الأكبر، وتجنب الوقوع في الإحباط من العملية البيداغوجية التي سلكتها أمريكا لطمأنتها وطمأنة دول الخليج، بأن هذا الاتفاق سيكون في مصلحة الأمن والاستقرار بالمنطقة، وهو ما أثبت الواقع خلافه.

الخطأ الآخر، الذي لا يقل أهمية عن الأخطاء السابقة، هو دخول الولايات المتحدة الأمريكية في دائرة التوتر مع روسيا في الملف الأوكراني، بتشديد العقوبات على موسكو، وتهديد الأخيرة بلائحة عقوبات مماثلة، فضلاً عن التلويح برد مؤلم على واشنطن.

واشنطن تعتقد أن سَن سياسة متزامنة مع ممارسة الضغط يمكن أن يعينها في تخفيض مستوى الدعم الروسي لإيران، لكن محظور هذا السيناريو هو عدم نجاح واشنطن في تحويل هذا الضغط إلى إيقاع دبلوماسي تفاوضي، ينتهي إلى اتفاقات مع موسكو، من شرطه تخفيض مستوى الدعم للموقف الإيراني في مفاوضات فيينا، وهو ما يلوح أفقه، بحيث تبدو روسيا أكثر تشبثاً بدعم إيران، واستعمال ذلك كورقة ضغط مقابلة في وجه واشنطن.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد