أتدري ما هو أكبر عدو للحب؟
ضمان بقائه، تصور أنه لن يتغير، ولن ينتهي، وأنه مستمر باق وإن لم تبذل فيه، وإن أهملته، فتجد بعد الزواج دائرة الراحة تتسع لدرجة ذبول الاهتمام، ذبول الرغبة في التودد، قسوة في الوقوف على كل عيب، هذا هو الإنسان حين يريد أن يرتاح فقط، لن يقف سوى على ما يريحه.
والعلاقات، الراحة فيها لا تعني معدومية البذل وتركها للأشواك تنمو دون اهتمام، العلاقات الراحة فيها مثل كل راحة نستشعرها في الدنيا، راحة الدنيا ليست بلا تعب، هذه راحة الآخرة، ففي الدنيا كلما قررت الراحة بلا بذل، بلا تعب، فاتتك فرص الحياة، وكسبت "الأنتخة" وخسرت علاقات، إنجازات، حتى تفقد هويتك.
راحة الدنيا ندفع ثمنها بذلاً واهتماماً، فنتذوق راحة السكن، الدفء والجمال، لقد سقيت ورودك، وتعَبُ كل بذل لك في السقيا يضمن لك راحة في جمال ازدهار ورودها.
ولقد أتى هذا الضمان، بسبب القالب المجتمعي أن "الزواج على التأبيد" ، فيستمرا في الزواج بغياب تصور إمكانية الفراق، فلا يلتفتا لكل دقة إنذار تطالبهما ببعض الاهتمام، وحين يعلم القلب يقيناً أنه قد يخسر شيئاً، يدفعه شعور الخسارة إلى البذل للحفاظ عليه.
نسوا أن من خلق قدسية الزواج خلق معه مخرج الطلاق، كمقصد شرعي لحفظ النفس وحقها، وأفرد لها في قرآنه الكريم سورة كاملة، فهو العليم بنفوس عباده، يعلم أن الطلاق سيتم كراهيته لحد التحريم عند البعض، فزادنا بأحكام الطلاق في سورة البقرة ليحمي الحدود في الحقوق، وخاطب القلوب في سورة الطلاق ليحمي القلب من المخاوف والشكوك.
فهل وجود مخرج الطلاق يعني سهولة الأخذ به؟
وهل قدسية الزواج تعني نبذ فكرة الطلاق وتحريمها؟
نحن أمة وسطية، فلكل مقام مقال، والطلاق لم يشرع إلا إذا أصاب أحد الأطراف اليأس الذي تستحيل معه الحياة.
وحينئذ يجب على الطرف أن يأخذ بالصلح، وبخطوات الإصلاح، ويتغافل كثيراً، ويصبر أكثر، قبل أن يستشير ويستخير على المضي قدماً في الطلاق، وهذا هو ميزانه الحق، الطلاق هو فسخ الميثاق الغليظ، ولغلظةِ الميثاقِ نسعى بخطوات واضحة ثابتة للحفاظ عليه، حتى نصل للاستحالة، حينها لا مفر، هو مخرج آمن، وفيه كل السعة، ما دام تم أداء حق الإصلاح، وما دامت التقوى في كل خطوة هي قانون الطلاق، إذاً "وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً".
آمن الله كل خوف من الخطوة ووضعها في محل تدبيره، وواسع فضله ورزقه ومعيته، ولم يكن هذا إلا لأنه عز وجل يعلم ما يصلح عباده، فكيف لعباده أن يظنوا أن الحديث عن الطلاق فساد؟!
يتأولون أن فتح الكلام عن الطلاق يسهل الأمر على من يريد الافتراق.. ولمَ نصعب على الناس؟ لماذا نظن أن لنا الولاية على اختياراتهم، لمَ نصبنا أنفسنا قضاة أن فقط وضع الأسرة في الزواج هو الخير ليس إلا، لمَ نتعامل كأننا ندرك احتياج البشر باختلاف فروقهم عن الله الحكيم الخبير؟
من يتساهل في الطلاق فعليه وزره، فلمَ يدفع الآخرون الذنب؟ ذنب قلة مسؤوليته وتقواه بسجن مدى الحياة قد يؤدي بهم لانتكاسات أخلاقية وآفات في القلوب لا يدركها سوى الله، فيتحول البيت من السكن لأعشاش عنكبوت واهية!
كيف للإنسان أن تجعله مخاوفه يضيق واسعاً، فيجعل أمراً شرعياً مباحاً في مقام الرفض؟ وينهى الناس عنه بالقوة والجبر، فيفسد بيوتاً تتماشى مع قوانين المجتمع التي تقول إن "الزواج على التأبيد"، وإن "الطلاق جحيم"!
كيف نصدق كلامهم أن الطلاق جحيم، ونكذب وعد الله بسعة فضله إن تم الفراق؟ هي قضية يقين، كلمة مَن هي العليا في دستور حياتك؟ الناس وما يتناقلون من أخبار تخيفك، أم الله وسعة فضله؟
الطلاق بالتقوى لا يخيف، بل ما يخيف هو غياب الأخلاق، التي تستبيح كل حق وتدهسه تحت الأقدام. ستقول لي الأغلبية يسيئون في الفراق ويشتد النزاع ويتحول إلى معركة.. دعني أسألك سؤالاً، فهل مثل هذا الأخلاق نكمل معها حقاً؟ أي لكي تهرب من هول سوء الخلق في الطلاق تقرر الاستمرار مع مثل هذا الذي لا يتقي الله في معاملاته؟
هل تهرب من جحيم الطلاق، لجحيم الاستمرار في زواج بهذا السوء، بهذا الفجر في الخصام؟
دع عنك كل هذا، ولتحيا مجاهداً بحسن خلقك، تزوج بحسن خلق، ثبت خلقك في المعاملة، واعلم يقيناً أن الزواج قد ينتهي إن تناسيت حقوق شريكك، إن انغمست في نفسك والحياة وتركته خلفك، فاستشعرْ أن كل نعمة إلى زوال إن لم تشكرها وتحاول الحفاظ عليها، وحينها ستبذل وسعك ولن تنسى.
سبحان من جعل في كل حكم له فينا رحمة، الطلاق رحمة إن استمر الزواج فهو يحافظ على جودة العلاقة بنفي مضمونية استمرارها دون بذل، ويحافظ على حق كل نفس في حياة تليق بها إن استحالت بهما الحياة وقد استنفدوا كل طريقة للإصلاح.
هذا هو شرع الله، فما لكم كيف تحكمون؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.