هو عنوان الكتاب الثاني من كُتب الأديب المصري "إبراهيم عبدالمجيد" والذي يحكي فيه عن نفسه هو، بشخصه كروائي وإنسان يعيش في عالمنا ويكتب عنه وعنا.
في الفصل الأول بعد المقدمة التي طرحها الكاتب في كتابه الصادر عن دار "بيت الياسمين" في عام 2020 والتي عنونها بـ"أن تكون عدواً ليس بالأمر السيئ" يتحدث عبدالمجيد عن العداوات التي قد تنشأ دون أي تدخل منك، كأن تكون كاتباً فيكرهك زملاؤك لأفضلية ما تكتبه عنهم، والذي يدفعهم لإغلاق كل الطرق في وجهك لما يملكونه من سلطة أو نفوذ!
بينما في الفصل الثاني الذي كان عنوانه "الإسكندرية.. موج بلا صخبٍ" تحدث إبراهيم عن علاقته بالإسكندرية التي تخرج فيها من المدرسة الصناعية وعمل فيها في "الترسانة البحرية" وحضر الكثير من الندوات في قصر الثقافة وفي مقاهيها مع زملائه العديدين الذين حاول ذكرهم في فصل "بعيداً عن الأدب والأدباء.. رجال لا أنساهم".
وفاء لهم ولصداقتهم معه التي كانت تمتد وتتشعب لتشمل العمل وجلسات المقهى والسينما والمسارح والندوات والمعارض الفنية.
شخصيات بارزة
في فصل بعنوان "سمير سرحان.. زوربا اليوناني" يتحدث إبراهيم عبدالمجيد عن محطات بارزة في حياته، وعن صداقات طويلة جمع فيها بين الصداقة والعمل، يحمل هذا الفصل الكثير من الضحك والشجن، يتحدث الكاتب عن المناصب التي تولى رئاستها مثل رئيس تحرير سلسلة كتابات جديدة تصدر عن الهيئة العامة ومدير للمقهى الثقافي بمعرض الكتاب. تتقاطع الحكايات وتتداخل فيها الأسماء، يأتي ذكر العديد والعديد من الأحداث والكُتّاب والشخصيات العامة، يأتي ذكر "فاروق حسني" والرئيس المخلوع "مبارك" و"يوسف أدريس" و"إبراهيم أصلان" وغيرهم ممن تقاطعت طرقهم مع طرق إبراهيم عبدالمجيد.
الثقافة الجماهيرية
شغلت "الثقافة الجماهيرية" الكثير من جوانب حياة إبراهيم عبدالمجيد، بالرغم من أنه كان مكاناً ثانوياً ولكنها تقاطعت مع عدة أماكن في حياته حيث تدرج في مناصبها بداية من "أخصائي ثقافي" وصولاً لمدير عام الثقافة العامة ومدير عام أطلس الفولكلور. في هذا الجزء من الكتاب يحكي عبدالمجيد الكثير من جوانب حياته كإنسان، وفاة زوجته وفقدانه لأصدقائه وكتابة أول مسلسل. بالتعمق في صفحات الكتاب نصل لأجزاء أكثر عمقاً داخل روح ووجدان الكاتب الكبير الذي لم يحب في حياته أكثر من الكتابة كمهنة وعمل يمنح روحه السلام وينقذه من الأيام السيئة.
الضحك بين أربعة جدران
يتحدث الكاتب في هذا الفصل عن تعرضه للسجن في 1981 هو والعديد من الكتاب والشعراء بسبب مظاهرات الاحتجاج على مشاركة إسرائيل في معرض الكتاب. ويتخلل الحكي الكثير من المواقف الرائعة والجميلة التي يسردها إبراهيم عبدالمجيد في لغة حوارية جميلة تجعلك تنتقل بين الفقرات للحصول على إجابات كثيرة لأسئلة عديدة حول حياة أحد أهم الكُتّاب في تاريخ مصر والوطن العربي.
الغريب أن الضحك حاضر بقوة في كل فقرة مهما كانت تتحدث عن مواقف صعبة أو فترات سيئة، ويبدو هذا واضحاً بسبب رغبة الكاتب في ذكر "الأيام الحلوة فقط".
سعيد الكفراوي في حياة إبراهيم عبدالمجيد
تطرق الكاتب في حديثه عن كاتب القصة القصيرة سعيد الكفراوي للحديث عن أدباء كبار رحلوا عنا ولكنهم أثروا فينا بفنهم وأفكارهم، والبعض منهم ندعو أن يمد الله في أعمارهم ويزيد صحتهم. كان الكفراوي رحمه الله صديقاً للكثير من رحلات عبدالمجيد في فرنسا والمغرب وليبيا والكويت وغيرها من الرحلات التي كانت كلها لمؤتمرات ومحافل دولية كبيرة. يروي الكاتب من علاقته بأحد أهم كتاب مصر بشاعرية كبيرة ومحبة بالغة الكثير من المواقف التي تجعل الدموع تسقط إما من الضحك أو من الحزن. في كل فصل من فصول الكتاب يمزج عبدالمجيد الحلو بالحزين، تختلط الدراما بالسخرية والضحك بالدموع، وتستمر السيرة الذاتية في تقديم صورة أكثر عمقاً للكاتب الذي يعيش بسبب حبه للكتابة واستمرار رغبته في الحكي.
يتحدث عبدالمجيد عن نجيب سرور الكاتب المسرحي والشاعر الكبير، يتحدث عن مأساته ويوضح صورته الضبابية عنا جميعاً، يتحدث عن أمل دنقل ورحليه الذي آلمه كثيراً، وعن عبدالوهاب الأسواني شديد الحساسية والتبجيل والترحيب بالجميع.
وخيري شلبي صاحب القدرة على الغزارة الإنتاجية رغم عمله في مجلة الإذاعة والتلفزيون.
ومحمد كشيك زميله وجاره لمدة عشرين عاماً تقريبا كانت كلها أيام حلوة فقط.
الموسيقى في حياة الروائي
في كل فصل من فصول الكتاب يذكر كاتبه اسم المقطوعة-الأغنية التي كان يستمع إليها، ترتبط الموسيقى بكل فصل، بل وبكل جملة كتبها هذا الرجل الذي كتب حوالي 55 ألف كلمة (240) صفحة من الجمال الخالص، لا يدعو لكراهية أحد ولا يذم في أحد، هو يتحدث عن كل ما كاد يعوقه في طريقه، وكل ما منح لأيامه قيمة وراحة ومتعة، وكل ما ساهم في جعل أيامه أياماً حلوة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.