عندما دفع نادي يوفنتوس 100 مليون يورو كاملة من أجل ضم كريستيانو رونالدو لم يكن في مخيلته إلا أمر واحد فقط، وهو الفوز بدوري أبطال أوروبا، البطولة الغائبة منذ ربع قرن عن السيدة العجوز.
ومنذ أمد بعيد والمحاولات المستميتة لإحراز الكأس ذات الأذنين لا تؤتي ثمارها. ورونالدو هو أيقونة البطولة وحامل لقبها خمس مرات، وهدافها التاريخي ووجوده في الفريق سيضفي الكثير من الخبرة والأمل وبث الرعب في صفوف الخصوم، بهذا التصور السطحي عن العلاقة بين رونالدو والكأس الأوروبية الأغلى، مضى كل من نيدفيد وباراتيتشي في صفقة جلب رونالدو للسيدة العجوز، أو ما اعتقدوا أنه التعاقد مع "دوري أبطال أوروبا" شخصياً.
لكن هل يستطيع رونالدو بمفرده أن يأتي بذات الأذنين من أذنيها؟
هل فشل مشروع يوفنتوس؟
سؤال يتبادر كثيراً إلى الأذهان، الأمر يحتمل هنا العديد من التحليلات والمقارنات والمفارقات ممن يتبنون وجهة نظر النادي أو المخالفين لها. ولكن ما يمكن رؤيته بالعين المجردة حالياً هو أن الفريق على شفا حفرة من "موسم صفري" بعد تسيّد كامل للكرة والدوري الإيطالي لعقد من الزمان. سيطرة محلية تُرجمت في حضور وهيبة أوروبية، جعلت الفريق قاب قوسين أو أدنى من الفوز بدوري الأبطال في مناسبتين بقيادة طيب الذكر ماسيميليانو أليغري. البعض يرجع انحدار مستوى "البيانكونيري" لما يحدث في أروقة النادي، وتحديداً لسياسة النادي الرياضية في السنوات الأخيرة باستقدام لاعبين انتهت عقودهم مع أنديتهم، مهما كانت جودة هؤلاء اللاعبين ومدى جاهزيتهم للعب في فريق بحجم يوفنتوس، واختيار أندريه بيرلو مدرباً للفريق، وهو الذي يملك عمراً تدريبياً لا يتعدى التسعة أيام فقط لا غير قضاها مع فريق شباب يوفنتوس، قبل أن تقرر الإدارة التعاقد معه لتدريب الفريق خلفاً لماوريسيو ساري المُقال من منصبه.
تأثير غوارديولا
مذ قرر برشلونة في صيف عام 2009 تعيين المدرب المغمور آنذاك بيب غوارديولا في منصب المدير الفني للفريق بتوصية من الراحل يوهان كرويف، وبعد النجاح الباهر الذي حققه رفقة "البلوغرانا". وانتشرت بعد ذلك عدوى تعيين المدربين الشبان لقيادة الأندية فيما يعرف باسم "تأثير غوارديولا".
وتلى انتشار تلك العدوى، مجموعة من النجاحات لمدربين في نفس عمر غوارديولا. لكن بعض الأندية الكبيرة، قررت أن تكرر التجربة متجاهلة الظروف والمعطيات لكل مدرب منهم على حدة، ورغم ما رأيناه مؤخراً من نجاحات شبيهة بما حققه غوارديولا كنجاح زيدان مع ريال مدريد مثلاً، رأينا إخفاقات كثيرة لمدربين قفزوا على مناصب لم يكن الوقت مناسباً ليعتلوها منهم أندريه بيرلو نفسه. فبعد موسم سيئ على الصعيد التدريبي لليوفنتوس مع ساري وأداء هو الأقل للفريق منذ سنوات كان لابد للإدارة أن تقوم باستقدام مدرب ذي خبرة قادر على إعادة الفريق للشكل الإيطالي الكلاسيكي بعيداً عن أوهام "التيكي تاكا" والتدرج بالكرة من الخلف التي لا يجيدها لاعبو الفريق ولا يحبذونها، للدرجة التي دفعت قائد الفريق الثاني ومدافعه المخضرم جورجيو كيليني ليصرح باعتقاده بأن غوارديولا أضر بالكرة الإيطالية دون أن يدري، بعد أن حاول الكثير من مدربيها تقليده مع عدم وجود اللاعبين المؤهلين لذلك. تجاهلت إدارة يوفنتوس كل تلك العوامل والظروف المحيطة بالفريق، ضاربة بالمنطق والتفكير العقلاني عرض الحائط وقررت التعاقد مع "متدرب"، أكثر منه مدرباً.
هل بيرلو وحده المسؤول؟
بيرلو هو جزء من المشكلة الواقعة حالياً، ولكنه ليس المشكلة برمتها ولا أصل الأزمة؛ إذ أتى بيرلو دون سابق إنذار ودون تحضير لقيادة الفريق في ظرف اقتصادي صعب تمر به أندية العالم أجمع نتيجة الفيروس اللعين. كما لم يختر بيرلو اللاعبين ولا الصفقات ولم يأخذ الوقت الكافي لتحضير نفسه ذهنياً للمهمة الشاقة ولا تحضير الفريق وفرض طريقة لعبه (إن كان يمتلك واحدة بالأساس).
طاقم إدارة الكرة بالنادي بقيادة بافيل نيدفيد وفابيو باراتيتشي وأندريه أنييلي هم من أتوا باللاعبين وأبرموا الصفقات، ثم أتوا ببيرلو من المنزل ليرأس كل تلك المنظومة ويديرها ويكون المسؤول عن الفشل إن حدث. أما في حالة النجاح فستكون الإدارة العبقرية وحدها ذات بعد النظر وحسن الاختيار صاحبة الفضل.
لكن ولدواعي الإنصاف، ما ينسب لإدارة أنييلي حقاً وقد يظهر تأثيره على المدى الطويل هو استبدال العديد من العناصر الطاعنة في سن وخفض معدل الأعمار المرتفع بالتعاقد مع لاعبين أمثال: دي ليخت، كييزا، ماكيني، لوكا بيليغريني، رابيو، وكولوسفيسكي.
والأمل الذي يساور الإدارة الإيطالية حالياً أن يكون هذا الموسم محض مرحلة انتقالية، وأن تندمج جميع العناصر في الفريق وتظهر تأثير تلك الصفقات في المستقبل القريب. ولكن هل سيحدث هذا وبيرلو مستمر أم تتخذ الإدارة قرارها وتستسلم لرغبات الجماهير ويعود أليغري محمولاً على الأعناق؟
معضلة رونالدو
بعد الخروج أمام بورتو في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، خرجت بعض الأقلام الصحفية المحسوبة على الإدارة الطليانية تتحدث عن إمكانية بيع كريستيانو رونالدو قبل سنة من نهاية عقده، لأن الإدارة غير قادرة على توفير مرتبه البالغ 70 مليون يورو سنوياً شاملة الضرائب، ولأن الإدارة ترى أن ما أتى رونالدو من أجله لم يتحقق.
لكن هل رونالدو الذي شارك في أكثر من مئة هدف منذ قدومه للفريق، أحرز منها 77 هدفاً بنفسه -حتى الآن- في ثلاثة مواسم فقط، وهو في عمر الـ36 هو السبب في تراجع الفريق؟
وهل يستحق رونالدو كل هذا النقد والهجوم في الوقت الذي يحتفي فيه البعض بلاعبين، لأنهم قاموا بمراوغة ناجحة أو أحرزوا هدفاً؟
رونالدو حالياً هو أكبر المتضررين من مثل هذه الإشاعات والقرارات؛ إذ يحلم بالاستمرار على مستوى تنافسي عالٍ وتحطيم المزيد من الأرقام القياسية الشخصية، وقرار اليوفنتوس برحيله قد يضرب بأحلام رونالدو عرض الحائط؛ لأن الوضع المالي لأغلب الأندية في العالم الناتج عن تراجع الإيرادات بسبب تبعات فيروس كورونا يمنع الجميع من دفع مبلغ مماثل لما يتقاضاه رونالدو إلا بعض الفرق القليلة.
مَن القادرون على ضم رونالدو؟
3 فرق ارتبط اسمها باسم رونالدو في الفترة الأخيرة هي: ريال مدريد، ومانشستر يونايتد، وباريس سان جيرمان.
لكن صعوبة عودة رونالدو لريال مدريد تتلخص في عدة نقاط؛ أولاها أن النادي الملكي مديون بمليار يورو ولا يريد إهدار المزيد من الأموال إلا على لاعبين فقط، ينصب تركيز فلورنتينو بيريز عليهما، وهما كيليان مبابي لاعب باريس سان جيرمان، وهالاند لاعب بروسيا دورتموند.
والثانية أن رونالدو لن يقوم بتخفيض راتبه، خاصة إن استمر ميسي في إسبانيا لطبيعة المنافسة بينهما مع علم رونالدو بالرقم الفلكي الذي يتقاضاه ميسي مع برشلونة.
والثالثة ارتفاع أعمار بعض المراكز الأساسية في الفريق، والحاجة لجعل الفريق أكثر شباباً وحيوية؛ لذلك أرى صعوبة في عودة رونالدو لريال مدريد.
أما فيما يخص العودة لمانشستر يونايتد، فرونالدو لم يعد لاعباً شاباً وزحف العمر لا يستطيع أحد إيقافه، والدوري الإنجليزي قوي وعنيف ويحتاج للمزيد من القوة والصلابة. ورونالدو رغم تمتعه بلياقة بدنية جيدة تفوق من هم في مثل عمره فإنه لن يستطيع مجاراة النسق والإيقاع الإنجليزي حالياً بنفس الكفاءة التي كان عليها في السنوات الماضية، وبالتالي سيظهر بشكل غير جيد، ولن يستطيع تحقيق ما يرجوه من أرقام وما يتطلع إليه من تنافسية، ذلك قبل أن نعرف حتى رأي ملاك مانشستر يونايتد في عودة رونالدو سواء بالموافقة أو رفض الفكرة من أساسها، يبقى باريس سان جيرمان هو النادي المثالي لرونالدو حالياً لعدة عوامل، أولاً مقدرة النادي الباريسي على دفع راتب رونالدو كاملاً دون مشاكل.
ثانياً، سيأخذ رونالدو التقدير الكبير المستحق كنجم وأسطورة.
ثالثاً سيكون وجهاً إعلانياً مميزاً وسفيراً فوق العادة لبطولة كأس العالم المقامة في قطر في نفس العام الذي سينتقل فيه هو للنادي المملوك لنفس الدولة المنظمة لكأس العالم، فيستفيد من عوائد مالية ضخمة، وتستفيد قطر كون رونالدو واحداً من أبرز اللاعبين في العالم.
رابعاً، قدرة باريس المادية تجعله دائماً منافساً على كل البطولات والتحسن الأوروبي الذي ظهر على الفريق يجعله مرشحاً للمزيد من التنافس في السنوات القادمة.
خامساً، ضعف التنافسية في الدوري الفرنسي والفجوة بين فرق القمة والقاع ستتيح لرونالدو تحقيق المزيد من الأرقام القياسية والفوز بلقب الهداف ومواصلة تحقيق الإنجازات الفردية.
في النهاية، كل ما نقوم به ونحلله هو من قبيل التوقع والتحليل على ضوء وضع كبير تورينو وتصريحات مسؤوليه، ولكن قد تتغير الأمور لاحقاً، ويبقى رونالدو في الفريق لعام آخر بناء على رأي الإدارة أو رغبة مدير فني جديد قد يخلف بيرلو أو في ضوء عدم مقدرة أي نادٍ حالياً على التعاقد مع رونالدو.
يظل رونالدو سواء اتخذ قراره بالبقاء أو الرحيل اسماً لامعاً يضيف الكثير من البهجة لمحبيه حتى وإن لم يلبّ طموحات اليوفنتوس في الفوز بدوري الأبطال لأسباب لم يكُن أبداً في يوم مسؤولاً عنها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.