الرئيس الموريتاني وشرعية الإنجاز

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/14 الساعة 08:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/14 الساعة 08:36 بتوقيت غرينتش
الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز/ رويترز

لا يمكن أن نتحدث عن شرعية الإنجاز بدون إنجازات كثيرة. فهناك عدة شرعيات مثل: الشرعية الدستورية، والشرعية السياسية، والشرعية الثورية، والشرعية التمثيلية، وأخيراً شرعية الإنجاز. 

والمقصود بشرعية الإنجاز ظهور إنجازات للرئيس في النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية، وتلبية مطالب الشعب في جميع مجالات الحياة الأخرى، فالشعب يبحث عن الإنجاز ولا يعنيه سوى إنجاز الرئيس وتحقيق نتائج إيجابية ملموسة من تحسين الظروف المعيشية للمواطن وضمان الرخاء، والقضاء على الفقر والأمية والتهميش، وتوفير فرص العمل والتعليم السكن والصحة، وتكريس حكم دولة المؤسسات والقانون وتوسيع نطاق الحريات العامة. وهذا ما يجعل الدولة في استقرار تام.

أما الأنظمة المتعاقبة على موريتانيا فهي تفتقد شرعية لإنجاز، والرئيس الموريتاني له آليات متعددة للترويج لمنجزاته وتحويل فساده إلى إنجاز، ويقومون أحياناً بتبرير الفشل الواضح لنظام الحكم. هذا العنصر الهام تهمله كل الأنظمة المتعاقبة على موريتانيا؛ لأن شرعيتها معتمدة على الإطار التقليدي (القبيلة، المشيخة)، لا شرعية الإنجاز.

فالثقافة السياسية في موريتانيا تنسب إنجاز أي مشروع لصالح فرد ما ونخبة ما، وليس لصالح الدولة. فعلاقة المواطن الموريتاني بالدولة علاقة أبوية، غير قانونية واستبدادية. 

وكان الرئيس الموريتاني الأسبق، سيِّئ الذكر، "محمد ولد عبدالعزيز" حريصاً على هذا العنصر، ويحب أن يُسمى (رئيس الفقراء) أو (رجل محاربة الفساد). حتى أنه قام بتغيير العلم والنشيد والعملة الوطنية، من أجل أن يقال إنه أنجز كيان البلد بنفسه. نرى الرئيس الحالي للبلاد "محمد ولد الغزواني" في زيارته للشرق الموريتاني، يقوم بافتتاح معرض للثروة الحيوانية في مدينة تمبدغة، ويسعى لبناء شرعية إنجازية تعطيه قوة في المستقبل.

من هنا اقتناعنا بصحة مقولة غسان سلامة بأن الرؤساء لا ينفكون يدشنون طرقات وجسوراً، ويفتتحون مصانع ومدارس، ويركبون أول طائرة من مطار جديد، ويحصلون على أول دكتوراه فخرية من جامعتهم الوطنية، ونجدهم على رأس المصلين في المساجد الحديثة التشييد. إنهم في عمل قوامه الافتتاح والتدشين والإنجاز. ونادراً ما نرى صورهم خلال اجتماعات دراسة إنتاجية تلك المصانع، أو لتقويم كلفة ذلك المشروع الفاخر. ولا نرى صورهم أبداً وهم يغلقون مصنعاً فاشلاً أو يقفون على سد لم يفكروا كفاية بتأمين الماء له، أو جانب "توربين" كهربائي معطل عن العمل. فصورتهم مرتبطة بالإنجاز بينما تلقى تبعات الفشل (وما أكثره) على البيروقراطيات العاجزة.

إن رؤساء موريتانيا يحبون أن يسمى كل واحد منهم "رجل المرحلة". كما أن لهم تاريخاً طويلاً من التلاعب بشرعية الإنجاز، واهتماماً كبيراً بالمشاريع غير المنجزة والعهود الكاذبة.

كيف نقوم إنجازاً؟

إن تقويم أي إنجاز للرئيس يتم من خلال مقارنته بالفترة السابقة على حكمه. مثل كم كان هناك من المدارس والجامعات والمستشفيات تضاعف العدد أم نقص، أو كانت "الرشوة عامة وصفيت" أو كانت البلاد في أزمة وتغلبت عليها. هذه هي أبسط الطرق طبعاً لتقويم الإنجاز. 

والواقع أن هذه الطريقة غالباً ما تخدم الرئيس، لأن باستطاعته إجمالاً أن يجد شيئاً أو مبادرة أو مشروعاً يعتز به ويربط به اسمه: من بناء طرق إلى افتتاح معرض لثروة حيوانية، ومن افتتاح مستشفى إلى تأهل للفريق الوطني لبطولة قارية لكرة القدم.

لكن التقويم الحقيقي للإنجاز هو في مقارنة الإنجازات بالشروط الموضوعية التي كانت محيطة بها، وهذا ما يحاول الحاكم إجمالاً تفاديه تحت شعار أنه "لم يكن بالإمكان أحسن مما كان". أي أن الرئيس قد استفاد فعلاً من الشروط الموضوعية إلى أقصى الحدود. 

ولكن الواقع في الإجمال مختلف. فافتتاح جامعة في الكويت ليس كافتتاحها في موريتانيا، وحفظ الأمن في بلد ديكتاتوري تسلطي لا يقيم وزناً لحرية ولحق ليس كحفظ الأمن في بلد يحترم القواعد الدستورية ويحافظ على الحريات العامة.

كان غسان سلامة قد بين أن المسألة الحقيقية تدور حول سؤالين: الأول ما هو حجم الإنجاز وما هي نوعيته بالمقارنة مع الوسائل المتوافرة؟ والثاني، وقد يكون أهم في سياق البحث عن الشرعية هو: ما هو الثمن الذي دُفع لقاء هذا الإنجاز؟ النتيجة/الشروط/الثمن: هذه هي الثلاثية الحقيقية لتقويم الشرعية البنيوية من خلال عنصر الإنجاز. وكيف يمكننا أن نتناسى هذا المثلث ونحن نرى الرؤساء ما زالوا يتدافعون لتدشين المصانع بينما التبعية في ازدياد، والجامعات والحريات مخنوقة، والمطارات بينما جموع المسافرين منها عمال يهاجرون من وطن لم يحسن أن يؤمن لهم عملاً.

فالسؤال المهم  بالنسبة لنا: ما هو دور الرئيس في وجود هذا المشروع؟ وليس في تدشينه، وما هو دور المجتمع فيه؟ 

من خلال تقويم الإنجاز، بإمكاننا معرفة حجم الإنجاز، وصنائع الرؤساء المتواضعة على حقيقتها بدون تلميع لها من الإعلام.

نخلص إلى القول بأن الأمور في موريتانيا ليست أحسن مما كانت عليه. فالدولة الموريتانية بحاجة لبناء مواطن بشخصية ديمقراطية، واعتماد شرعية الإنجاز لتصل للتوازن والاستقرار داخل المجتمع وللتحرك إلى الأمام.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

التاه محمد حرمه
كاتب موريتاني
كاتب موريتاني
تحميل المزيد