انتهى الكلاسيكو الأهم خلال آخر أربع سنوات، بفوز ريال مدريد على برشلونة 2-1. أحرز هدفي ريال مدريد الفرنسي كريم بنزيمة ولاعب الوسط الألماني توني كروس، في حين أحرز هدف برشلونة الوحيد، الناشئ مدافع الفريق أوسكار منجويزا.
كلاسيكو الإياب في الليغا بملعب ألفريدو دي ستيفانو كان يحمل كثيراً من الآمال للفريقين من أجل التقدم في سباق الصراع على الليغا.
ريال مدريد قبل المباراة كان متأخراً عن برشلونة بنقطتين، برصيد 63 نقطة في المركز الثالث، خسارته للكلاسيكو كانت ستبعد الفريق عن صراع الليغا بـ5 نقاط كاملة عن غريمه برشلونة، لذلك كان الفوز مسألة حياة أو موت.
مباراة الكلاسيكو كانت مليئة ببعض التفاصيل الشائقة، فلنتحدث عنها بشيء من التفصيل، نبدأ بتشكيل الفريقين.
تشكيلة الفريقين
بدأ برشلونة اللقاء برسم فني 3-4-2-1، تير شتيجن في حراسة المرمى، أمامه ثلاثي دفاعي مكون من كليمون لونغليه ورونالد أراوخو وأوسكار منجويزا، ورباعي في الوسط مكون من جوردي ألبا وفرينكي دي يونج وسيرجو بوسكيتس وسيرجينو ديست، أمامهم بيدري وليونيل ميسي، وفي الأمام عثمان ديمبلي كقلب هجوم.
أما عن تشكيلة ريال مدريد فبدأ الفرنسي زين الدين زيدان المباراة برسم فني 4_1_4_1، في حراسة المرمى البلجيكي تيبو كورتوا، أمامه خط دفاع مكون من بينجامين ميندي وناتشو وميليتاو ولوكاس فاسكيز، أمامهم كاسيميرو كلاعب ارتكاز، أمامه رباعي مكون من فينيسيوس جونيور وتوني كروس ولوكا مودريتش وفيدريكو فالفيردي، وفي الأمام كريم بنزيما كقلب هجوم.
حالات الضغط العالي للفريقين
اعتمد كلا الفريقين على الضغط بنظام رجل لرجل، وفرض حالات "1 ضد 1" في كل مكان بالملعب، مما أجبر كلا الفريقين على اللجوء إلى الكرات الطولية، بسبب عدم وجود منفس للخروج من ضغط أحدهم على الآخر.
حالات الضغط العالي لريال مدريد كانت قليلة جداً، بسبب إستراتيجية الفريق بالمباراة وهي ارتداء قناع رد الفعل واللعب على التحولات أغلب أوقات المباراة.
من عيوب ذلك النظام انعدام الوحدة والترابط، إذ أتاح المدربون المجال لارتجالات اللاعبين، فالتفوق النوعي في المواجهات الفردية والصراعات الهوائية والهروب من الرقابة هي الفيصل في نجاح أو فشل ذلك النظام. في الصورة (1) تفوَّق كريم بنزيمة في الصراع الهوائي على رونالدو أراوخو، بعدها استدار بالكرة نحو الهجوم، بذلك التفوق النوعي في مواجهة فردية تم ضرب نظام ضغط برشلونة.
على الجانب الآخر في الصورة (2)، نرى هروباً من الرقابة بواسطة بوسكيتس، توني كروس كان مكلفاً بمراقبة بوسكيتس، ولوكا مودريتش بمراقبة بيدري، وكاسيميرو بمراقبة فرينكي دي يونج، حدث فقط تبديل للمركز بين بيدري بسقوطه للخلف قليلاً وسحب معه مودريتش، بعدها تسلل بوسكيتس للمساحة التي تركها لوكا مودريتش بعد هروبه من رقابة توني كروس، واستطاع أن يتسلم الكرة في ظهر وسط ريال مدريد.
إذن الاعتماد على ذلك النظام في الضغط كان مجازفة من كومان وزين الدين زيدان، لكن كلاً منهما راهن على قدرات لاعبيه.
حالات الاصطفاف الدفاعي
كانت حالات الدفاع صاحبة النصيب الأكبر من وقت ريال مدريد خلال المباراة، قدّم زيدان مباراة كبيرة في ذلك الجانب، دافع ريال مدريد برسم فني 4-1-4-1 ويتحول إلى 5-4-1، يتحول فالفيردي لمدافع خامس في الخلف، زيدان لا يفعل ذلك دائماً، لكن البراغماتية هي التي أجبرته على ذلك، وجعلته يفضل البدء بفالفيردي بدلاً من ماركو أسينسو، من أجل عدوانية الأوروغوياني في الدفاع وسرعته في التحول من الدفاع إلى الهجوم.
دافع زيدان هكذا لكي يغلق على برشلونة أهم مفاتيح لعبهم، وهو تحقيق التفوق المركزي بتحرير جوردي ألبا على الجهة اليسرى.
ذكاء الملكي في إيقاف برشلونة
كانت حالات الدفاع صاحبة النصيب الأكبر من وقت ريال مدريد خلال المباراة، قدّم زيدان مباراة كبيرة في ذلك الجانب، دافع ريال مدريد برسم فني 4-1-4-1 ويتحول إلى 5-4-1، يتحول فالفيردي لمدافع خامس في الخلف، زيدان لا يفعل ذلك دائماً، لكن البراغماتية هي التي أجبرته على ذلك، وجعلته يفضل البدء بفالفيردي بدلاً من ماركو أسينسو، من أجل عدوانية الأوروغوياني في الدفاع وسرعته في التحول من الدفاع إلى الهجوم.
دافع زيدان هكذا لكي يغلق على برشلونة أهم مفاتيح لعبهم، وهو تحقيق التفوق المركزي بتحرير جوردي ألبا على الجهة اليسرى.
برشلونة يريد صنع التفوق بدخول بيدري في أنصاف المساحات بين الظهير الأيمن لوكاس فاسكيز، وقلب الدفاع ميليتاو، من أجل إجبارهما على التقارب وفتح مساحة على الخط لجوردي ألبا، لكن الدفاع بخمسة لاعبين في الخلف يبطل مفعول تلك الفكرة، أو يصنع حالات "1 ضد 1" في الخلف ويضع ألبا في مأزق ويجبره على تخطي فالفيردي بالمراوغة وهو ليس جيداً في ذلك (صورة 3)، برشلونة بشكل عام يعاني بشكل كبير أمام الفرق التي تدافع بتلك الطريقة، لأنه يحرمها من عمل تمديد لخط دفاع الخصم، وبالتالي الفشل في صناعة التفوق المركزي وهذا في الأساس هو الهدف من التكتيك.
تحولات ريال مدريد
ريال مدريد مارس هوايته في التحولات الهجومية بتلك المباراة، إحدى أهم نقاط قوة ريال مدريد هي التحول من الدفاع إلى الهجوم عن طريق الـclean ball أو الكرات النظيفة (صورة 4)، وهي عبارة عن تمريرات سريعة قصيرة في جميع الاتجاهات، الهدف منها ضرب الضغط العكسي للخصم، وريال مدريد بارع في تطبيق تلك الفكرة ومن الصعب إيقافها، ونجاح التحول- ولو مرات قليلة- كفيل بأن يكون سبباً في فوزهم بأي مباراة حتى لو كانوا سيئين في باقي حالات اللعب.
نرى هنا في الهدف الأول لريال مدريد، ضغطاً عكسياً من لاعبي برشلونة بعد فقدانهم للكرة، ثم فتح زوايا تمرير من لاعبي ريال مدريد، من أجل ضرب ضغط برشلونة ثم مهاجمة المساحات في الخلف بعد استدراجهم بالضغط.
لنكمل لقطة الهدف (صورة 5)، بعد تجاوز فالفيردي لألبا، خرج لونجليه من مكان لمقابلته، مما أتاح مساحة لكريم بنزيمة من أجل طلب الكرة فيها، هنا ذكاء كريم في تصيُّد المساحات الفارغة.
الهدف الثاني جاء من ركلة حرة مباشرة سددها لاعب توني كروس، لكن أساس اللعبة كان تحولاً سريعاً من الدفاع إلى الهجوم أيضاً.
هذه حالة أخرى لتحولات ريال مدريد بالكرات النظيفة (صورة 6)، بعد الحصول على الكرة هناك محاولة من بيدري وبوسكيتس لعمل الضغط العكسي على لوكا مودريتش بغلق زوايا التمرير عليه، لكن كريم بنزيمة كان أكسجين الفريق هنا، بكونه خيار التمرير العمودي، استلم الكرة من لوكا مودريتش وبسببها تم ضرب الضغط العكسي لبرشلونة، بسقوط بنزيمة سحب معه مدافعي برشلونة، وفرغ مساحات لفينيسيوس الرجل الثالث هنا، بعد إسناد الكرة إلى لوكا مرة أخرى أرسلها إلى فينيسيوس هناك.
تحولات برشلونة كانت أقل خطورة، لأنها لم تتم بشكل سريع، رغم أنها أسهل الطرق للوصول لمرمى الخصم، لكن هناك حالة في بداية المباراة، بعد الحصول على الكرة، نرى أن أغلب لاعبي ريال مدريد خارج تمركزاتهم الدفاعية، هنا استطاع ميسي استلام الكرة بين الخطوط على غير العادة، وهذه هي المرة الوحيدة في شوط المباراة الأول التي تحقق فيها التفوق المركزي وتم تحرير ألبا، لأن فالفيردي كان يساند في الهجوم هنا.
هذه حالة أخرى (صورة 7)، ترتد الكرة من أراوخو إلى خط الوسط، ليسندها بوسكيتس إلى بيدري الحر بين الخطوط، ليقود التحول الهجومي، هناك ميسي وديمبيلي في القنوات لطلب الكرة، ليقرر بيدري لعب الكرة لديمبيلي المشوش ذهنياً هنا ويفشل التحول.
في أغلب الأوقات لوكاس فاسكيز كان يتحرك للعمق رفقة بيدري أو ليونيل ميسي (صورة 8)، في تلك اللحظة كان من الذكاء أن يطلب ديمبلي الكرة في المساحة الخاصة بفاسكيز، لكنه كان أشبه بالمياه الراكدة في تلك المباراة.. هذه الحالة تكررت كثيراً.
في لقطة الهدف (صورة 9) لعب فرينكي دي يونج دوراً كبيراً في التشويش على ناتشو، بعدما انشغل ميليتاو برقابة جريزمان، وناتشو بدي يونج، وتم سحبهم تجاه المرمى، كان مانجويزا حراً على نقطة الجزاء، وجود مانجويزا هنا شجاعة كبيرة منه، حتى لو تم الضغط عليه من ميندي، ذلك سيحرر ديمبلي في الخلف
بعد خروج فالفيردي ونزول ماركو أسينسو، تنفس ألبا قليلاً، وكان مصدر خطورة، هنا نرى التمركز المثالي لدى يونج بين أسينسو وأدريوزولا، ليجبرهم على التقارب ومن ثم تحرير ألبا، في نهاية تلك اللعبة، كان فرينكي هناك أمام المرمى، برفقة ناتشو للتشويش عليه، مما حرر بيدري على نقطة الجزاء، لكن جوردي ألبا اتخذ قراراً بالتسديد وليس بالتمرير إلى بيدري الحر تماماً.
هذه الفرصة هي أخطر فرص ريال مدريد (صورة 10)، هي الأعلى كنسبة تحويلها إلى هدف، الـXG الخاص بها 44%، برشلونة بشكل عامٍ فريق لديه مشكلة في استقبال العرضيات، ولديه مشكلة في التغطية بشكل عام، حتى لو أن ذلك لم يظهر بشكل كبير خلال المباريات الأخيرة، هنا دفاع برشلونة مستعد لاستقبال العرضية، نرى أراوخو ينحسب من مكانه بسهولة خلف اللاعب المخصص برقابته، وروبيرتو يعاني الأضرار على مشارف منطقة الجزاء، ليهاجم توني كروس المساحة الخاصة بأراوخو، لاحظ أيضاً هروب بنزيمة من الرقابة بالاستدارة إلى الجانب الأعمى لأوسكار منجويزا، بعد إعادة الكرة من فينيسيوس كان كروس وحيداً بها على نقطة الجزاء، هكذا ظهر دفاع برشلونة في نهاية اللعبة، كأنه لم يكن موجوداً منذ البداية، هذه ليست الحالة الوحيدة الخاصة بتلك النقطة.
خاتمة
حاولنا في هذا المقال تسليط الضوء على أهم النقاط الفنية والتكتيكية الخاصة بالكلاسيكو، كان كلاسيكو مثيراً جداً، ظهر فيه ريال مدريد بقوة في شوط المباراة الأول، في غياب كبير لبرشلونة، حتى عادل كومان الكفة في شوط المباراة الثاني، تحديداً بعد خروج ديست ونزول غريزمان وتحويل ديمبيلي إلى جناح أيمن، وتحويل الطريقة لـ4-3-3، بعدها دخل برشلونة المباراة وبدأ الفريق بالمناورة، حتى وصل عدد التسديدات إلى 18 تسديدة لبرشلونة مقابل 14 لريال مدريد، وكاد يعادل النتيجة، وتخطي الـ XG الخاص بريال مدريد.
الصراع على صدارة الليغا على صفيح ساخن، وزاد اشتعالاً بعد فوز ريال مدريد في الكلاسيكو وابتعاده عن برشلونة بنقطة واحدة، مع انتظار مصير منافسهم الثالث أتليتكو مدريد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.