للضرورة القصوى.. لماذا عليك أن تحب؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/12 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/12 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
كارت معايدة لحبيبين

قف دقيقة معي لتتأمل حالك.. هل تعلمت عن الحب كما تعلمت عن دراستك وعملك؟

مما عمت به البلوى أن الناس يتعاملون مع الحب بغفلة، وكأنه يتولد بالقلب فطرياً وينمو لا إرداياً، ولا يدرون أن الحب، ككل شيء في هذه الحياة، لا يبقى إلا ببقاء اهتمامك به، ولا ينمو إلا بدوام رعايتك لمعانيه.

الحب رزق من الله، رزق واجب الشكر ليزيد، ومن شكر النعمة رعايتها، وعدم الغفلة عنها، فتبهت وتختفي من حياتك.

لا أدري كيف بُني تصور أن الحب هو مجرد معنى للمرفهين لا تقوم عليه الحياة، وأنهم يحتاجون إلى المادة والقيام بمسؤولياتهم فقط، فهو ما يهم، وهو ما يحركهم، أما الحب.. فهو للمراهقين!

وهل تحولت بيوتنا إلى أعشاش عنكبوت واهية إلا من اختزال قيمة الحب لمجرد احتياج يطلبه ذوو المشاعر المرهفة؟ وأن معاني الاهتمام بالنسبة لهم مجرد تفاهات لا تليق بأهدافهم في الحياة ولا يجدون لها وقتاً ولا حيزا من التفكير؟

عجباً لأمر أمة اشترط الله عليهم في إيمانهم "الحب"! فالذي خلقنا أعلم بأحوالنا، بدون الحب لن نستطيع عبادته، لن نستطيع تحمل التكاليف، لن نستطيع الاستمرار، الحب هو وقود كل شيء في الحياة، وهو الذي يجعلك تتحمل ما قد تظنه لا يُحتمل.

لكي ينمو الحب يجب أن تعرف أنه ليس مشاعر فقط، فالمشاعر يا عزيزي تتغير بتغير الحال، الحب حالة متراكبة من معانٍ جميلة تديم إفراز مشاعر إيجابية بداخل القلب، فتنيره في كل وقت وحين.

الحب ممتلئ بالجمال، وكل جميل يلهمك وتتسع له مداركك فتجد في نفسك قوة لتتحرك، لتتغير، لتتطور، لكي تمضي قدماً في كل عسر.

وكم أتعجب لأحوال مختزلي الحب، حين أنظر لحياتهم كم يتضجرون منها، وكم تنمو في بيوتهم للأسف الخيانات بدعوى الملل، وتنمو اللامبالاة بدعوى الاعتياد، وينمو الاستياء بدعوى العيوب المنفرة، ورغم كل هذا يستمر البيت بدعوى "حرام متهدش بيتك".

البيت هكذا مهدود يا مسكين، ليس به أعمدة تصقله حين هبوب الريح، الحب وحده من روابط خفية هو ما يجمع البشر في هدف واحد، بدونه شتات.

فلتعلم أن الحياة الزوجية ليست فقط مسؤوليات ونفقة، وليست فقط استمداد احتياجات، وليست فقط أطفالاً واجب تربيتهم، الحياة الزوجية سكن بين رجل وامرأة قررا تشارك الحياة، لما يرى كل منهما في الآخر من ميزات تحببه في الحياة بجواره.

الأصل أنك حين تحب، تحب الآخر بصفاته المتأصلة، ثم حين تحيا بجواره وبمرور الوقت تعشق نفسك معه، فعينه تعكس لك جمالا فيك لم تره بهذا الوضوح قبلهم.

فحين تحبهم وتحب نفسك أكثر تجد في روحك سعة لرؤية الجمال في كل شيء، تستطيع أن تحيا مستمداً من وقود نفسك ما يعينك على كل شيء.

الحب اعتقاد ممتلئ بمشاعر مختلفة، مشاعر الجمال التي لا تختفي برؤية القبح الوارد في كل النفوس، أن يكون حبك جبلاً أمام كل عيب مترسخ لا يتغير، فيستره عن عينك، ويجعلك تتغافل في سبيل كل ما تجده دوناً عنه، فتصبر على حبيبك ولا تكسره.

الحب مودة ورحمة لأنهما جناحاه، دونهما لا يستمر، ويبهت، لأنه يبقى حياً إن استمررت في الاهتمام به، ويزول كزوال كل شيء في الدنيا إن فني اهتمامك بوجوده.

لن يبقيك حينئذ جدران بيت ولن يبقيك أطر مزعومة من مسؤوليات، دون حقيقة الحياة، الحياة بلا حب أصيل متعبة كالسجن، وكم من بيوت تأن ولا تتكلم، لأنها تخشى العنت ممن حولها.

خلقنا الله أحراراً ليسجننا البشر في قيود تصوراتهم المقيدة للحياة، خلق الله كل شيء في وفرة وسعة، فضيقناها بتصور المجتمع عما يجب أن يكون، نسينا الأصول وتمسكنا بالفروع، فضاع كل شيء، ولكن لا يهم! فالعبرة بالإطار الظاهر أن البيت موجود!

دعك من إقناع نفسك أن الحب صعب، أعطِ شريكك وقتاً قليلاً لتعيد التعرف عليه، تصيد له كل جميل يفعله وتأمل في صفاته هذه، تغافل عن العيوب، وابحث عن الصفات ذات الأصل الثابت فهي لا تتزعزع، التف حولها واملأ عينك فقط بالجميل فهذا من جميل الرحمة، ارحمه في عيبه فلعلمك إن تغافلت عن عيبه قد يفنى بمرور الوقت ويختفي، فالإنسان منا يصدق ما يعكسه له الآخرون.

تودد له بما يحب وليس بما تحب، فلكل نفس احتياج إن لمستَه ملكته، الأمر لا يحتاج منك سوى أن تجمع قلبك لرؤيتهم، وتجمع عقلك لفهمهم، ثم افعل ما يحبون.. التقدير، والوقت الطيب، الهدية البسيطة والخدمة التي لا تكلفك مجهوداً، واللمسة الحانية، كلها ود بسيط، وأثره كبير، وقوداً لبيتكم لا ينفد.

يا عزيزي، الحياة ثقيلة جداً، وخلق لنا الله الحب لنستطيع التعايش معها، هذا في وسعك فلمَ تحياها بغير وسعك ثم تشتكي التعب والضغط؟ الحب يستطيع أن يجعلك تحمل جبلا، ودونه ذرة التراب في وجهك تتعبك.

تيبسَت القلوب وتحجرت، وحين نسينا الاهتمام بجودة الحب صار كل شيء حولنا قاسيا، قف معي قليلاً وأعِد توجيه بوصلتك، لا تقل الحب يملأ قلبي، لكن لا وقت لأهتم، فكل شيء دون فعل وقول يثبته يُنسى كأنه لم يكن، سنن كونية أن لا دوام لمعنى لا تبذل لترسيخه بوضوح. وانظر لقول علي بن أبي طالب: "بالإحسان تملك القلوب، بالسخاء تستر العيوب".

والقلوب ظمأى.. ألم يأنِ لك أن تسقيها؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ريهام حلمي
باحثة مصرية وكاتبة متخصصة في مجال الذكاء العاطفي وتطوير العلاقات الأسرية
حاصلة على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2003، حاصلة علي شهادات معتمدة في التدريب من دكتور جون جراي، جين نيلسون، ريتشارد بولستاد ومايكل هول بالولايات المتحدة الأمريكية، مدربة معتمدة من رابطة التدريب الدولية، صدر لي كتب "سكن" و"صفاء الروح في حلو المشاعر ومرها" و" إكسبايرد- من أجل علاقات لا تنتهي صلاحيتها"
تحميل المزيد