قائد عثماني أنقذ السلطان من هجمة الأسد.. عن أسد داغستان ولقائي بحفيدته

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/07 الساعة 04:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/07 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش

خلال قراءة كتاب أستاذنا الشاعر الراحل وليد الأعظمي "أعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران" وهو كتاب سير وتراجم عن شخصيات تسكن مقبرة الخيزران المجاورة لمسجد ومدرسة ومرقد إمام مدرسة الرأي أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي؛ كان أستاذنا الراحل قد حدثني عن كتابه ذات مرة خلال مرحلة تأليفه، في لقاء لنا في المجلس الثقافي الأسبوعي كل أربعاء، في مكتبة العلامة الراحل حمدي الأعظمي في تسعينيات القرن الماضي.

قادني الكتابُ إلى العثور على قبر شخصية لها في التاريخ العثماني والعراقي سِفرٌ وعلامات. وخلال تصفح الكتاب شدتني صورة القبر من حيث طرازه المهيب، إذ يجمع بين العثماني-الآسيوي، تعلوه سقيفة كتلك التي تطالعك في المشاهد والآثار في محيط جامع السلطان أحمد أو سُبل السقاية في إسطنبول. 

رحت أقتفي أثر صاحب ذلك القبر، فإذا به محمد فاضل باشا الداغستاني، قائد حامية بغداد العثمانية وآمر الخيالة في الفيلق السادس عام 1914، والذي لقي مصرعه في معركة كوت العمارة الثانية خلال قتاله دفاعاً عن بغداد، حين سقطت إلى جواره قنبلة بريطانية أودت بحياته عن عمر ناهز 72 عاماً، وذلك في 12 آذار/مارس عام 1916. تواصلت مع السيدة تمارا الداغستاني حفيدة محمد فاضل والتي تجمعني بها علاقة عائلية لأستقي منها المزيد من المعلومات عن ذلك الفارس.

قبر محمد فاضل داغستان

ولد محمد فاضل باشا في داغستان عام 1845 لأب كان من قادة الإمام شامل وابنه غازي خلال حرب المقاومة ضد روسيا القيصرية، إبان الاجتياح القيصري للقوقاز ومحيطه والتي استمرت عقوداً، من الربع الأول للقرن التاسع عشر، وانتهت بأسر الإمام شامل ورحيل ولده غازي ومن معه من عائلات داغستانية وشيشانية وشركسية إلى إسطنبول.

نشأ محمد فاضل على حفظ القرآن وعلى الفروسية، حتى أصبح من كبار فرسان غازي بن الإمام شامل، وأصبح بعدها من المقربين للسلطان عبدالحميد الثاني وضمن حاشيته. عسكرياً، تدرج محمد فاضل حتى بلغ رتبة فريق، لينتقل إلى بغداد قائداً لحاميتها وآمراً لفرقة الخيالة في الفيلق السادس. وهو الفيلق الذي حاصر القوات البريطانية في كوت العمارة 1915، خلال أعوام ما قبل الحرب العُظمى. شغل محمد فاضل منصب وكيل والي بغداد، ثم والياً بالوكالة خلال عملية تبديل الولاة، كما لعب دوراً في حشد العشائر العربية والكردية لدعم الجيش العثماني دفاعاً عن بلاد الرافدين.

لم تكن حياة الفرسان العسكرية شُغل محمد باشا الوحيد، فلقد كان بيته في باب المُعظم يُعدُ تحفةً من تُحف بغداد حينها، والذي ضُم لاحقاً داخل أسوار وزارة الدفاع مع قيام العهد الملكي 1921. ذلك البيت كان مزار البغداديين كل جمعة، حيث تُفتح أبوابه أمام العامة من الناس ليجولوا فيه ويشاهدوا الوحوش والحيوانات التي كان محمد فاضل باشا يقتنيها في داره. حوت دار محمد باشا دببة وأسوداً وفهوداً وقردة، وتروي السيدة تمارا الداغستاني أن محمد فاضل كان يطلق الأسود لترتع في الدار حرة وكان يلاعبها بنفسه. وتلك الرواية العجيبة تلتقي مع ما نُقل عن حادثة أخرى، حيث كان محمد فاضل يمشي إلى جوار السلطان عبدالحميد الثاني في قصر يلدز، فإذا بأسد يخرج من قفصه مسبباً الذعر لدى الحرس السلطاني، فالتفت إليه محمد فاضل واقترب منه مهدئاً من غضبه ثم ممسكاً به مبعداً الخطر عن السلطان.

كذلك ذكر المؤرخ إبراهيم بن عبدالغني الدروبي (1894-1959) في كتابه "البغداديون أخبارهم ومجالسهم" أن بيت محمد فاضل باشا كان من المجالس التي يرتادها أهل العلم والثقافة والوجاهة. ورث المجلس عنه ابنه البِكر داوود حتى خمسينيات القرن العشرين.

سياسياً، كان لمحمد فاضل دور ونشاط يظهر عدم انقياده المُطلق للسلطنة العثمانية بُعيد الانقلاب العثماني على السلطان عبدالحميد. وتذكر المصادر أنه وبرفقة علماء ووجهاء بغداد قاموا بتأسيس حزب الشورى الإسلامي، الذي دعا إلى التصدي للدعوة الطورانية، وما نقموه من دعوة إلى التخلي عن الآداب الإسلامية والتحلل الأخلاقي والتغريب، وانتخب الشيخ سعيد النقشبندي رئيساً لذلك الحزب.

محمد فاضل باشا الداغستاني

رحل محمد فاضل باشا الداغستاني يوم قُتل خلال الحرب، نقل على إثرها إلى بغداد ليخرج أهلها مشيعين قائد حاميتها ووجيهاً من أعلامها في جنازة مهيبة على عربة مدفع من داره في باب المعظم إلى مقبرة الخيزران في الأعظمية مشياً على الأقدام.

 أطلقت المدفعية تحية له، وأصدر سَرعَسكر الجيوش العثمانية (وزير الحربية) أنور باشا مرسوماً نعى فيه الفارس، وزع على القطعات العثمانية كافة في الحرب العظمى الأولى.

نعاه محمد القشطيني بمرثية صدى الأحزان فقال:

عين المكارم بالمدامع جودي       …….         فلقد فقدت سنا أبي داوودِ

الفاضل البطل الهمام محمد         …… بدر الليالي والخطوب السودِ

مأوى العُفاة مغيث كُل مُؤملٍ        …….. ذي مرةٍ ليست بذات حدودِ

ليث يرى صوت المدافع في الوغى ….. ترجيع ألحانٍ ورنة عودِ

ويرى وميض المُرهفاتِ كأنه       ……… لمعانُ دُرٍّ في نحور الغيدِ

غرس المحامد للعراقِ فأثمرت …… حُباً كطيِّبِ ذكره المحمودِ

فلذا ترى كل القُلوب قد انطوت …… حمداً على عرفانه المشهودِ

لِمن المواقعُ والمواقفُ بعدهُ …….. واليوم يومُ وغًى ويوم حشودِ

وبمن نصولُ على العِدى ونَرُوعهم … وبمن نردُّ شرور كُل حقودِ

يا راحلاً لجنان خلدٍ عالِماً   ……. أن الدنا ليست بدارِ خلودِ

أيتمت جُند المُسلمين فمن لهم       ….. من بعد وارفِ ظِلك الممدودِ

نُشر عن حياة محمد فاضل كتاب باللغة التركية، كما يرد ذكره في دراسات تعنى بحملة بلاد الرافدين في الحرب العالمية الأولى، ولا كتاب يوثق حياته باللغة العربية.

محمد فاضل باشا في شمال العراق
الإمام شامل  


مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ليث مشتاق
صحفي وصانع أفلام وثائقية
صحافي بدأت العمل مصورا ومنتجا ميدانيا في العراق، وعملت في مناطق نزاع في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، مدرب مجاز في الصحافة التلفزيونية، وصانع أفلام وثائقية .
تحميل المزيد