أثار الحشد العسكري مخاوف من هجوم روسي محتمل يمكن أن يتجاوز مناطق شرق أوكرانيا الخاضعة حالياً لسيطرة روسيا، هذا الحشد والتصعيد الصادر عن "الكرملين" يعكس حالة العدوانية والتخبط التي تعيشها السياسة الخارجية الروسية في عهد الرئيس فلاديمير بوتين.
أزمات روسيا لا تنتهي
جاءت التهديدات الروسية بتوجيه ضربة عسكرية لأوكرانيا بعد خلافات روسية إيطالية زادت وتيرتها في الأيام الأخيرة، وصلت حد اتهام الجانب الإيطالي نظيره الروسي بالتجسس على روما لتتعرض العلاقات بين البلدين صاحَبي التاريخ السياسي الحافل في القارة العجوز لانتكاسة كبيرة.
وتيرة الأحداث ارتفعت حين قامت السلطات الإيطالية قبل أيام معدودة بطرد اثنين من الدبلوماسيين العاملين في السفارة الروسية في روما، وذلك بعد اعتقال ضابط في البحرية الإيطالية متهم بتسليم وثائق سرية لمسؤول عسكري روسي في قضية تجسس أثارت غضب روما. تلا ذلك اعتقال الشرطة العسكرية الإيطالية الرجلين الروسيين المشتبه بارتكابهما جرائم تتعلق بالأمن القومي الإيطالي.
من جانبها، أعربت وزارة الخارجية الروسية عن أسفها إزاء الإجراء الإيطالي، مضيفة أن هذه الخطوة لا تتوافق مع مستوى العلاقات الثنائية بين الدولتين.
ولفتت الوزارة الروسية إلى أن العمل جارٍ حالياً للكشف عن ملابسات الحادث، وأن موسكو ستعلن لاحقاً عن خطوات رد محتملة في هذا الصدد.
ثم توالت المواقف الأوروبية المناهضة لروسيا والداعمة للقرار الإيطالي في الظهور، وعلى رأسهم المملكة المتحدة التي أعلنت دعمها القرار الإيطالي بطرد الدبلوماسيين الروس. وتلك المواقف تؤكد الصراع الدائر بين نظام بوتين والدول الأوروبية وعلى رأسهم "الاتحاد الأوروبي"، فلا تزال أزمة زيارة رئيس الدبلوماسية الأوروبية إلى موسكو في فبراير/شباط الماضي وما تلاه من طرد لسفراء دول أوروبية لا تزال عالقة في الأذهان.
حيث صرَّح رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيف بوريل أثناء زيارته إلى العاصمة الروسية في 4 فبراير/شباط الماضي بأن هدف الزيارة هو التحقق من موقف موسكو من الاتحاد الأوروبي، مضيفاً آنذاك بأن الإجابة الروسية كانت واضحة وعدوانية.
وفي اليوم التالي من زيارة بوريل أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن دبلوماسيي السويد وبولندا وألمانيا، الذين شاركوا في أعمال وصفتها بغير المصرح بها في روسيا بأنهم باتوا أشخاصاً غير مرغوب بهم وسيغادرون البلاد، وهو الأمر الذي جعل العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي تأخذ مساراً جديداً نحو المزيد من التصعيد والتأزم.
خطوات روسيا الدبلوماسية أظهرت فشلاً في استراتيجيات الخارجية الروسية وسياستها المتخبطة مع دول الغرب ومع أوروبا بشكل خاص. وتأتي قضية التجسس الأخيرة، لتؤكد الفشل الروسي في التعامل مع الملف الأوروبي.
تخبُّط الروسي في الشرق الأوسط
وفي الوقت نفسه، لم تنجح موسكو في تعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط والشمال الإفريقي، ولم تفلح محاولاتها في بسط نفوذها سياسياً على الأقل حتى هذه اللحظة، حيث أظهرت السياسة الروسية ضعفاً قلَّ نظيره في ملفات هامة وحساسة.
ففي القضية الليبية، توقف عمل الدبلوماسية الروسية عند "مؤتمر برلين" وكل ما أتى بعده من تطورات سياسية هامة من إجراء "ملتقى الحوار السياسي الليبي" برعاية الأمم المتحدة، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة بعملية انتخابية في ختام أعمال الملتقى، مكان سابقتها حكومة الوفاق الوطني، واتفاق وقف النار الدائم الموقع بين الأطراف المعنية. كل ذلك لم تساهم الخارجية الروسية فيه.
وفي القضية السورية، تم عقد مؤتمرات عديدة في "سوتشي" و"الأستانة" و"جنيف" وغيرهما، وتم فيها الاتفاق مع الأطراف المتدخلة بشكل مباشر في الأزمة السورية، بحضور روسي حيث اتفق على إجراءات عديدة تساعد على حل الأزمة ووقف إطلاق النار وعودة المهجرين، ولم يتحقق للشعب السوري أي مما وعد به حتى الآن. فقد كانت تلك الاتفاقيات بحسب ناشطين وسياسيين سوريين مجرد تصريحات وحبر على ورق.
ويطالب سياسيون ومعارضون في روسيا وزارة الخارجية بتحريك سياستها الخارجية وتشغيل دبلوماسيتها في اتجاه الدول الصديقة التي تحتاج لمساعدة حقيقية يمكن أن تقدمها روسيا، متهمين في الوقت نفسه الدول الغربية بالمساهمة في تعميق الأزمات وتوسيع نفوذ الغرب الذي يقوّض الاستقرار في المنطقة. وذلك مع إقرارهم بفشل نظام الرئيس بوتين وخارجيته في الشرق الأوسط رغم التكلفة العسكرية الباهظة وراء تكلفة اقتصادية سيدفع الشعب الروسي ثمنها في المستقبل.
ها هي موسكو بوتين الحالمة باستعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي تخرج خالية الوفاض من كل مناطق النفوذ، بل ويتزايد خصومها، خاصة في القارة العجوز التي طالما أزعجتها سياسات موسكو في الماضي والحاضر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.