يخسر الكثيرون في مقابلات فض النزاعات أو الفوز بوظيفة مرموقة، أو يفشلون في عقد صفقة مهمة، يذهب الواحد منهم لهذه اللقاءات وهو يصنع بيديه أسباباً تحرمه من الفوز وتتسبب في خسارته دون أن يدري.
لمنع هذا، ولصنع مكاسب تستحقها.. إليك النصائح الواقعية والمجربة والعملية.
نصف مهزوم
نبدأ في التفكير، فما نضعه بعقولنا يتحكم في كلامنا وردود أفعالنا وطريقة جلوسنا وملامح وجوهنا، وكل ذلك يُسهم في الفوز أو يصنع الخسائر.
نرفض التهوين والتقليل من أهمية المقابلة منعاً لحرمان النفس من الفوز بأفضل ما يمكننا للاستعداد، ونوصي بطرد كلمة صعبة من التفكير، ولنستبدلها بمقابلة "تحتاج" لإعداد خاص، فكلمة صعبة تزرع بالعقل الشعور بالعجز، وأحياناً بالتحدي واستنفار الطاقات القصوى، ويتسبب ذلك في اجهاد العقل ويدفعنا للخطأ في التفكير والقول والتصرف.
بينما تحتاج لإعداد خاص يهدئ العقل "ويحفزه" -بلا مبالغة- لحسن الاستعداد للمقابلة وجمع معلومات جيدة عن كل تفاصيل اللقاء ومن يحضرونه وفرص الكسب والخسارة؛ فالإنسان المفاجأ نصف مهزوم، مع وضع سيناريوهات لكل الاحتمالات المتوقعة وغير المتوقعة، للتصرف بحكمة -ما استطعنا- ولمنع الاندفاع.
معلومات وأسئلة
مع أهمية التركيز على قراءة الواقع والمعلومات بتفاصيلها، كما هي وليس كما نتوقع أو نرغب؛ فكثيراً ما يختلفان، ومعظم الخسائر تأتي لعدم دقة المعلومات.
ثم نستشير -إن استدعى الأمر ذلك- من نثق بخبرته وبأمانته، وأنه لن يجاملنا بقول ما نرغب في سماعه.
نوصي بكتابة الأسئلة التي نريد أجوبتها قبل اللجوء لأي إنسان، لنعتمد على أنفسنا وننمي قدراتنا ولا نعطلها، ولا نثقل عليه أو "يتوه" تركيزه لكثرة الأسئلة، ثم نجيب عنها كتابة، لتوضيح الرؤية وتهدئة العقل ولكسر حدة الجري بدوائر التفكير المنهكة، ثم ننصح أنفسنا كما نفعل مع أقرب صديق لنا.
ونسأل عن باقي الأسئلة مع حسن اختيار الوقت المناسب وتجنب المقاطعة ونحن نستمع للإجابات "ونفلتر" ما سمعناه ولا نتجاهل ما يتناقض مع المعلومات ولا نتجاهل ما يفيدنا وإن كنا لا نفضله.
قبل اللقاء
لا تنكر على نفسك الإجهاد النفسي والذهني والجسدي أحياناً بسبب الاستعداد للمقابلة، فهو طبيعي، فنحن بشر ولسنا جماداً لا يتأثر، وامنع زيادته واهتم بالاسترخاء الجسدي وبترديد كلام يطمئن عقلك مثل هذا أمر مؤقت، سأتحسن، سأكون أفضل ولو بعد حين، واطرد المبالغة في التأثر، ولا تنكر مشاعرك فتتضخم في غفلة منك وتؤذيك -لا قدر الله- وتذكر الراحة الجسدية قبل اللقاء وعدم التحدث مع أحد إلا في أضيق نطاق "لادخار" الطاقات ولتجنب تعكير صفوك، ونوصي بإغلاق الفم قبل اللقاء والتنفس بهدوء من الأنف لبعض الوقت، لتهدئة العقل ولجعل ملامح الوجه هادئة فتمنحك مظهر الواثق بالنفس.
مع الاهتمام بالمظهر -والكلام للجنسين- فلا إهمال في المظهر ولا عبوس عند إلقاء التحية مع تجنب المبالغة في الاهتمام أو بوضع حواء لمساحيق التجميل الزائدة أو الإكثار من الحلي والمجوهرات، فنتائجها عكسية.
تنبه لطعامك قبل الذهاب لهذه المقابلات، فلا تذهب وأنت جائع، فستحتاج للطاقة للتفكير وللكلام، والجائع أكثر عرضة للعصبية، ولا تتناول طعاماً كثيراً فتقل قدرتك على التفكير وكن وسطاً، ولا تتناول المنبهات وابتعد عن التدخين.
لا تبالغ في وضع سيناريوهات "وردية"، فلا وجود لها بالحياة، ولا تغرق في التشاؤم فتقبل أول عرض "يبدو" جيداً، وتمهّل واكتب أهم النقاط التي تريد الحديث فيها بورقة صغيرة، واقرأها قبل بدء المقابلة، وانظر إليها سريعاً عند الاحتياج، ولا تفعل ذلك بمقابلات التوظيف، ولا تذهب بنفسية المتحفز ولا بمبدأ كل شيء أو لا شيء.
احذر الاستدراج
انتبه إلى لغة الجسد، فلا تجلس على حافة المقعد ولا تنحنِ بكتفيك وأرجعهما للخلف بارتياح ليمنحك ذلك مظهراً قوياً، وثبّت قدميك على الأرض بارتياح، لتهدئتك داخلياً، وأرخ قسمات وجهك لتريح نفسك ولتمنع إشعار محدثيك بقلقك.
لا تبدأ الكلام بجدية زائدة، ولا بتجهّم، ولا تكن مرحاً، فالمجال لا يسمح بذلك، إذا تعمد محدثك الصراخ أو تغيير مجرى الحديث فتنبه، فهو يريد استفزازك لتخطئ ولتخرج الأمور عن سيطرتك، ولا تنظر لوجهه فينقل إليك عدوى الغضب، وإن كان مفتعلاً لاستدراجك، ولا تبدو كمن يتجاهله وكن وسطاً.
لا تتعامل مع المقابلة وكأنها مسألة حياة أو موت؛ فستبدأها وأنت مرهق ذهنياً ومجهد نفسياً، وستكون أكثر عرضة للاستفزاز أو مستعداً لتقديم التنازلات وكن وسطاً.
اقطع الطريق
لا تتعامل مع نفسك وكأنك ضحية، لو كانت المقابلة لاسترداد حقوقك فشعور الضحية مؤلم وقاس، وقد يدفعك لقول كلمات ستندم عليها، ويحرمك من التفكير بهدوء، وقل لنفسك: سينتهي الأمر ولن يكون بهذه الأهمية، وحتى إن خسرت جولة فأمامي جولات كثيرة سأفوز بها بشرط ألا أتعجل إنهاء المقابلة "هرباً" من تزايُد الضغوط، واطلب التأجيل أو الاستئذان ومغادرة المكان لبضع دقائق لتسير قليلاً، أو لوضع بعض الماء على وجهك لتهدأ، أو لتُجري مكالمة سريعة، أو لاستعادة هدوئك بالانفراد بنفسك بمكان مغلق والتنفس بهدوء من الأنف مع إغلاق الفم.
وافعل ذلك "لتقطع" الطريق على الانفعال الزائد بالمقابلة، ولترجع بعقل أهدأ، وقدرة أفضل على إدارة الحوار.
توقّع السخافات والأكاذيب، خاصة في اللقاءات الخاصة بالنزاعات، واحرص على تقديم ما يثبت صحة موقفك بأقل كلمات ممكنة، وتجنّب الإساءات اللفظية؛ فأحياناً تكون قبلة الحياة لمغتصبي الحقوق، فتحولك من صاحب حق لمعتدٍ.
حزْم وثقة
سيحاول البعض تشتيت انتباهك باستدراجك لموضوعات فرعية، أو طرح خلافات سابقة، فلا تنجرف وراءه ولا تقاطعه بحدة، وقل بهدوء وبحزم دعنا نعود لموضوعنا تقديراً لوقتك ولوقت الحضور، وإن أصر دعه يتكلم قليلاً، وحافِظ على "انتباهك" لمصالحك، وتجنب الجدال الذي سيستنزف طاقتك ويحرمك من التركيز ويخدم خصومك.
لا تسخر منهم ولا تستفزهم، وإذا سخر أحد منك فتحكّم في غضبك ولا تتجاهله؛ فيتمادى ولا تستطيع السيطرة على غضبك، ورد باقتضاب وبحزم، وعُد لموضوع المنازعات واستخدم بعض الحدة "المحسوبة" لمنع التمادي في مضايقتك أو الاستخفاف بحقوقك والتعدي عليها.
لا تتعجل الحل وتمهّل؛ فأحيانا يتطلب الأمر مفاوضات تطول، ولا تتجاهل حقيقة أن الحل الذي تريده لن يتحقق، وخطِّط للفوز بأفضل حل ممكن، وهذه مرونة وليست هزيمة.
لا تقْسَ على نفسك إذا تعرضت للخداع؛ فالجميع يتعرضون له أحياناً، ولا تبرره فتهزم نفسك وتسمح بتكراره، ولا تفقد الثقة بنفسك، ولا تفكر فيه كثيراً أو تحكي عنه؛ فمعظم التعليقات ستكون سلبية، واكتب خبراتك لتتذكرها، ولا تبالغ في الضيق أو التحسر، فنحن في الدنيا ولسنا في الجنة، ومن الطبيعي وجود بعض الأوغاد، ولا تتسرع في الثقة بالآخرين، وتدرّج في منحها، ولا تتنازل عن حقوقك أو مستحقاتك أو تتأخر في المطالبة بها، فذلك "يحرّض" البعض على سلبك إياها.
انكسار ومرارة
إذا لم تحصل على ما تريد لا تعش بنفسية المغلوب؛ فهي تورث المرارة بالعقل والقلب، وتؤذيك بأبشع مما يريد خصومك، وأغلق الصفحة واسمح لنفسك ببعض الضيق أو حتى البكاء للتنفيس -والكلام للجنسين- وللتخلص من الضغط النفسي وليس لزرع الإحساس بالعجز.
بعد انتهاء المقابلة لا تتعامل بصلف إذا كنت غالباً، ولا بانكسار أو تسيء لهم إن كنت مغلوباً، ولا تبالغ في التودد في بداية اللقاء أو نهايته، فسيرونك تتملقهم.
بعد انتهاء المقابلة، أياً كانت النتائج، امنح نفسك راحة جسدية "ودلّل" عقلك بنزهة وباسترخاء وباستراحة محارب، ولا تتعجل انتهاءها، ولا تبالغ في التفكير في خسارتك أو التباهي بانتصاراتك؛ ففي الأولى ستطفئ حماسك للحياة، والثانية تسرق النجاح وتعطل القدرات كالغرور.
اشترِ لنفسك هديةً حتى لو كنت خاسراً، فكان يمكن للأمر أن يكون أسوأ، واحتضن نفسك بحب واحترام، ولا تسمح للخسارة بايذائك نفسياً ولا صحياً، وتذكّر حتى الأمم تتعرض لهزائم، والمهزوم هو من يبرر الهزيمة ولا يتعلم منها، والذكي يعترف بدوره في صنعها، بلا قسوة ودون جلد للذات، ويرى الظروف المحيطة به ودورها في إيذائه، ليس للانكسار، ولكن ليتعلم تجنّبها لاحقاً.
إذا تعرّضت لخسارة فادحة -لا قدر الله- فلا تضاعفها بكلام سلبي يسيء إليك، وتذكر انتصاراتك السابقة، وافرح بها -وإن قلّت- وجدّد حبك وتقديرك لنفسك، ولا تسمح لأي خسارة بالتقليل من إيمانك بالله -عز وجل- ولا بثقتك في قدراتك في التعامل مع الناس، وانتزع الخبرات لتقلل خسائرك ولتمنع تكرارها مستقبلاً.
ابتسم لنفسك، وكن افضل داعم ومحفز لها وقوة عظمى تستنهض نفسها ذاتياً، بعد الاستعانة بالرحمن، ولا تعِشْ دور من يبحث عمن يدعمونه أو يتعاطفون معه ويخدعونه بتعمد تجاهل أخطائه بالخسارة لمنع غضبه منهم، وكن الصديق المخلص والأمين والواعي لنفسك "لتحاصر" الخسائر، وركّز على الامتنان للنعم التي لديك، فالامتنان هو القوة "السحرية" التي توقظ حبك للحياة، وتعيد شحن طاقاتك "لتعوض" ما فاتك، ولتمنح نفسك انتصارات تليق بك وتستحقها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.