رغم إعلان الأمير حمزة الولاء الكامل.. لماذا لن تنتهي مشكلات ملك الأردن قريباً؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/06 الساعة 20:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/07 الساعة 08:52 بتوقيت غرينتش
العاهل الأردني الملك عبدالله - رويترز

قدّر للرسالة الحقيقية التي أراد الأمير حمزة، الذي يزعم اتهامه خطأ بإثارة السخط في المملكة الهاشمية، أن يسمعها العالم والأردن بعد فرض الإقامة الجبرية عليه: "أنا ابن الحسين".

ويُشبه الأمير والده الراحل الملك الحسين، الذي رحل صغيراً بسبب المرض، في مظهره ولحيته وخطابه.

أراد الملك الأب الحسين أن يرث الأمير حمزة عرشه. لكن حمزة كان صغيراً للغاية حينها، لذا صعد أخوه غير الشقيق عبدالله، أكبر أبناء زوجة الحسين الثانية الأميرة منى، إلى العرش. ونصّب عبدالله الأمير حمزة ولياً للعهد انصياعاً لوصية والدهما وهو على فراش الموت. لكن سرعان ما تنكر الملك عبد الله للوصية الأخيرة وجرده من اللقب لصالح الحسين بن عبدالله.

لكن لم ينس الأمير حمزة وصية والده، وما يزال يتصرف وكأنّه الوريث الشرعي للعرش الهاشمي.

ويتمتع الأمير حمزة بشعبيةٍ كبيرة في المملكة. إذ يتحدث إلى زعماء القبائل الأردنية الشرقية الساخطين على الأوضاع، وحلفاء الهاشميين التاريخيين. وحين زار حمزة عائلة أحد ضحايا حادثة مستشفى السلط، تم الاحتفاء به بحرارة. وحين حضر أخوه غير الشقيق الملك إلى نفس المستشفى، ذكره بعض الحاضرين بأنّ البلاد تغرق في عهده.

ويحمل مقطع الفيديو الذي بعثه الأمير حمزة إلى شبكة BBC البريطانية، بعد وقتٍ قصير من زيارة اللواء يوسف الحنيطي، الرسالة نفسها. إذ وضع حمزة نفسه في نفس مستوى صورة والده المعلّقة على الحائط خلفه. فهل كانت مصادفةً سعيدة أنّ الكوفية الحمراء التي اعتاد والده ارتداءها قد تشابكت برأس الأمير الشاب حتى يبدو وكأنّه الوريث الحقيقي لوالده؟ لا أعتقد ذلك.

كما أنّه ليس هناك دليلٌ دامغ -حتى الآن على الأقل- على مؤامرة واضحة للإطاحة بعبدالله أو على مدى تورط حمزة فيها. وبدلاً من ذلك هناك ملك يهمش بشكلٍ متزايد، ومنعزل عن شعبه، ويُعاني علاقةً سيئة مع إسرائيل، ويضطلع بمسؤولية بلدٍ حبيس تمزقه جائحة كوفيد-19.

التوترات الإقليمية

تتراكم القضايا على مكتب عبدالله، بلا حلول تلوح في الأفق. وإن يُحسب له أنّه لم يقبل بصفقة القرن الخاصة بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكنه دفع ثمن ذلك. إذ إن تقاربه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبعده عن الدولتين اللتين كانتا تمنحان الكثير من الأموال للأردن: السعودية والإمارات.

وإن كان عبدالله موافقاً تماماً على خطة تعيين محمد دحلان، الفلسطيني المنفي في أبوظبي، خليفةً لعباس. ليس أكثر.

لكن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد لم يظهرا أي تعاطف أو صداقة مع الأردن، رغم أنّ عبدالله بذل قصارى جهده ليوضح لهما أنّ صفقات التطبيع مع إسرائيل ستكون لها عواقب وخيمة على الأردن. بل وبحث محمد بن سلمان، بمباركة إسرائيل، بكل انفتاح سبل السطو على الدور التاريخي للمملكة الهاشمية في الوصاية على الأماكن المقدسة بالقدس.

كما انتقلت علاقة الملك برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من مرحلة السيئ إلى الأسوأ. وحين كان يُفترض بنجل عبدالله الأمير الحسين زيارة المسجد الأقصى -الذي يقع تحت وصاية الأردن- للصلاة هناك، اندلع خلافٌ بين المخابرات الأردنية و"الشين بيت" بشأن عدد حراسه الشخصيين المسموح لهم بحمل السلاح.

ولشعوره بالإهانة، ألغى ولي العهد الزيارة. ورداً على ذلك رفض الأردن منح المروحية -التي كان يُفترض أن تنقل نتنياهو إلى عمان، حيث سيأخذ طائرةً خاصة أرسلها محمد بن زايد لنقله إلى أبوظبي- تصريحاً بعبور المجال الجوي الأردني.

وفي الواقع، كان الخلاف برمته "تمثيلية" لأنّ نتنياهو ربما قد تلقى أمراً بالبقاء في أرض الوطن. إذ كانت زوجته سارة تخضع لعمليةٍ جراحية. ومنذ إقامة نتنياهو علاقة خارج إطار الزواج، غمرت إسرائيل الشائعات بأنّ رئيس الوزراء وقع عقداً مع زوجته ينص على مرافقتها له في الزيارات الطويلة.

وعلى أرض الواقع، يُعاني الأردن من اللامبالاة الإسرائيلية. إذ يماطل نتنياهو في قبول طلب الأردن الحصول على المياه. وهي المياه التي تضخها إسرائيل من نهر الأردن، لكن المملكة تطلب عادةً بموجب اتفاقية السلام أن تُعيد إسرائيل تلك المياه إلى الأردن خلال فترات الجفاف. ولكن نتنياهو لم يفعل ذلك عقاباً للأردن على حادثة المجال الجوي، رغم أن كبار مسؤوليه الأمنيين قد نصحوه بقبول الطلب الأردني.

كما أنّ نقص اللقاحات في الأردن هو سببٌ آخر للتوترات مع إسرائيل. إذ يضرب الفيروس الأردن بوحشية. بينما تُجري إسرائيل "دبلوماسية اللقاح"، حيث تُساعد دولاً بعيدة مثل غواتيمالا، بينما تتجاهل أقرب جيرانها الأردن. ويأتي تجاهل إسرائيل للأردن على خلفية علاقتها المزدهرة بالسعودية والإمارات.

وتُعتبر هذه السياسة حماقةً من ناحية المصالح الأمنية الإسرائيلية، وإذا أراد نتنياهو معرفة ما سيحدث لحدوده الشرقية المعرضة للخطر حال سقوط الأردن، فبإمكانه سؤال كبار مسؤوليه الأمنيين الذين يهمهم أن يعرف الإجابة.

لكنها موضة العصر التي تسير بنفس منطق أفعال جاريد كوشنر أثناء صياغته لصفقات التطبيع العربية مع إسرائيل. تجاهل الفلسطينيين، وتحدث بسوءٍ عن دولتهم، ثم تجاوزهم هم والأردن، وتوجّه مباشرةً إلى كهف كنوز علاء الدين الموجود داخل الصناديق السيادية السعودية والإماراتية.

العلاقات السعودية

في غياب دليلٍ علاقة الأمير حمزة بمحاولة الانقلاب المزعومة، من المثير للاهتمام أيضاً أنّ الأجهزة الأمنية الأردنية اختارت أن تكشف لوسائل الإعلام الأجنبية عن هوية اثنين من أصل 20 شخصاً تم القبض عليهم.

وقد فعلوا ذلك نتيجة علاقات هذين الشخصين بالسعودية. إذ كانوا -أي الأجهزة الأمنية- يوجهون أصابع الاتهام إلى الخليج، في حين أنّ غالبية الخطط والمؤامرات التي يدبر لها تحدث في المملكة. والرجلان هما حسب بن زايد، عضو العائلة الملكية، وباسم عوض الله.

وكان عوض الله في وقتٍ من الأوقات مقرباً من الملك عبدالله. إذ خدم سكرتيراً اقتصادياً لرئيس الوزراء بين عامي 1992 و1996. وعُيّن رئيساً للديوان الملكي عام 2007، قبل إقالته بعد أقل من عام. وحين غادر الأردن، انتقل إلى دبي لتأسيس شركة "طموح". وتنقل بين الإمارات والسعودية، حيث كان ما يزال يعمل مبعوثاً خاصاً للأردن.

وأُنهِيَت خدمة عوض الله عام 2018 حين بات الملك مقتنعاً بأنّ مبعوثه كان أقرب إلى الرياض من الأردن. ويحمل عوض الله الجنسيتين السعودية والأردنية.

وفي الوقت ذاته كوّن عوض الله شبكةً من رجال الأعمال البارزين، وعمل مستشاراً لولي العهد السعودي. إذ صار المستشار الاقتصادي لمحمد بن سلمان، ويساعده في تخطيط مدينته المستقبلية "نيوم". كما أقام علاقات قوية مع بن زايد، وعُيِّن في مجلس إدارة جامعة دبي. وبحسب مصادر داخل الديوان الإماراتي، فإنّ أهمية عوض الله بالنسبة لمحمد بن زايد تفوق أهمية الفلسطيني محمد دحلان.

ووصفت بعض المنافذ الإعلامية عوض الله بأنّه أحد العقول المدبرة لخطة خصخصة "أرامكو". وهو لقب غريب من نوعه نظراً لفشل عملية "الخصخصة" إلى حدٍ كبير. لكن عوض الله ظهر إلى جانب سيده الجديد بن سلمان في مبادرة مستقبل الاستثمار السنوية بالرياض، والمعروفة باسم دافوس الصحراء، في يناير/كانون الثاني.

واعتقال عوض الله هو أكبر إصبع اتهام يُمكن أن يوجهها عبدالله إلى بن سلمان وبن زايد. لكن الأردن لا يمكنه مواجهة السعودية علناً. وفي حال فعلوا ذلك واتهموا السعودية ببعث الرسائل إلى حمزة من خلال عوض الله للقيام بانقلاب، فسوف يعني ذلك طرد العمال ورجال الأعمال الأردنيين من المملكة، مما قد يعني الخراب بالنسبة لاقتصاد المملكة الهاشمية.

في غضون ساعات من انتشار أنباء اعتقال عوض الله، طلب وفدٌ سعودي برئاسة وزير الخارجية الإذن بزيارة عمان. ووفقاً لمصدر استخباراتي من دولةٍ شرق أوسطية تراقب الأحداث، نقلت عنه صحيفة Washington Post الأمريكية، فقد طلب السعوديون الإفراج عن عوض الله. وقال المصدر: "كان السعوديون يقولون إنّهم لن يُغادروا المملكة الهاشمية دونه. ويبدو أنّهم كانوا قلقين بشأن ما قد يقوله عوض الله".

كما لا يمكن للأردن مواجهة إسرائيل مباشرة. لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية هي التي تعمقت في ماضي روي شابوشنيك، الإسرائيلي الذي يعيش في أوروبا وعرض طائرةً خاصة على حمزة لتتمكن زوجته وأولاده من مغادرة البلاد.

وأنكر شابوشنيك أنّه كان عضواً في الموساد، لكنّه عمل لصالح إيريك برينس وأسّس شركة RS Logistical Solutions التي قدمت الخدمات لشركة برينس أثناء تدريب الجنود العراقيين داخل الأردن. وقد التقى حمزة من خلال أصدقاء مشتركين، وصارت عائلتاهما مقربتين جداً.

وتُفسّر هذه العلاقات سبب إثارة حمزة للشبهات. فحمزة طموح، ولدى السعودية والإمارات وإسرائيل أجندة لإضعاف الأردن.

يأس وإحباط ملكي 

لا بد أنّ عبدالله يشعر أنّ خياراته بدأت تنفد. إذ لم يعد يثق في المقربين منه. وكان مستعداً في الماضي لتحمل أي شيء، طالما أنّ الأردن يحصل على المال. لدرجة أنّه كان على استعداد للمشاركة في إدانة تركيا وقطر حين تصاعدت الثورة المضادة للربيع العربي.

الأمير حمزة
الأمير حمزة وأخيه ملك الأردن عبدالله الثاني، أرشيفية/ مواقع التواصل

ومع ازدياد الأوضاع سوءاً داخل المملكة، حدث مأزقٌ سياسي: فهناك مشكلات هائلة بدون حل مع نقابة المعلمين، والقبائل، والأعداد الضخمة من العاطلين عن العمل. والأمير حمزة الذي لم يتخل أبداً عن طموحه بدأ يبدو أكثر جاذبية باعتباره بديلاً محتملاً.

وربما لم يكن هناك انقلابٌ واضح يشمل حمزة. لكن شعبيته تتزايد، بينما تتراجع شعبية الملك. ناهيك عن أنّ مكانة الأمير حمزة الدولية وشعبيته المحلية ازدادت أكثر منذ يوم السبت الثالث من أبريل/نيسان. وقبلها، لم يكُن الكثيرون خارج المملكة يعرفونه. لكنّه الآن صعد فجأةً ليصير زعيم المعارضة.

وفي الليلة الماضية كانت هناك جهودٌ للواسطة من جانب عم عبدالله، الأمير حسن. ومن المفارقات أنّ الرجل الذي اختير لإصلاح الأمور قد نزح بسبب عبدالله وغادر المملكة. إذ كان حسن هو ولي العهد خلال فترة حكم شقيقه الراحل الملك الحسين لعقودٍ طويلة، وكان يُعتبر خليفته لكن الملك الحسين قام بتنحيته وجعل الحكم في ذريته.
لكن، شكلياً، وقع الأمير حمزة على خطابٍ يُوافق بموجبه الأخير على الوقوف وراء الملك.

ونص الخطاب على التالي:

"في ضوء التطورات على مدار اليومين الماضيين، أضع نفسي بين يدي جلالة الملك. وبهذا أؤكد أنّني سأظل وفياً لعهد الأجداد، ووفياً لإرثهم، وماضياً على دربهم، ومخلصاً لتاريخهم ورسالتهم، ولجلالة الملك، وملتزماً بدستور المملكة الأردنية الهاشمية العزيزة. وسأظل دائماً عوناً وداعماً جلالة الملك وولي عهده".

وبحلول اليوم الثلاثاء السادس من أبريل/نيسان، كانت تصريحات الدعم الدولي والإقليمي حتى من جانب من كان يعلم أنّهم يريدون إضعافه قد وصلت إلى مكتب عبدالله، كما حصل على دعمٍ لفظي من الأمير حمزة لحكمه وحكم ابنه ولي العهد.

لكن الأمور أقل وضوحاً على الصعيد الداخلي. إذ تزايدت شعبية حمزة، ولم تغير أحداث اليومين الماضيين أي شيء تقريباً داخل المملكة. وبات عبدالله يجلس فوق كومةٍ ضخمة من الاستياء الداخلي.

وعلاوةً على ذلك، لن يتذكر الأردنيون الخطاب، بل سيتذكرون التسجيل الصوتي للاجتماع بين قائد الجيش وبين الأمير حمزة، ذلك التسجيل الذي انتشر كالنار في الهشيم بين ليلةٍ وضحاها.

إذ قال فيه حمزة: "سيدي، أنا أردني حر، وابن أبي. ولي الحق أن أختلط بأبناء شعبي ووطني، وأخدم وطني مثل ما وعدت وأقسمت له وهو على سرير الموت. وأنت تأتي الآن يا سيدي، سامحني، أين كنت قبل 20 سنة؟ أنا كنت ولي عهد هذا البلد بأمر من والدي، الله يرحمه، وأنا أقسمت له أن أظل أخدم وطني وشعبي ما حييت. وأنتم الآن، بعد التخبط الذي يحدث وليس لي علاقة به، تطلبون مني الالتزام؟".

مشكلات الملك عبدالله لم تنته بعد


– هذا الموضوع مُترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ديفيد هيرست
كاتب صحفي بريطاني
ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، وكبير الكتاب في الجارديان البريطانية سابقاً
تحميل المزيد