الفقر والجوع يدقان أبواب الأردنيين، أجهزة الاستبداد والفساد والاستعباد تترصدهم، مئات المعتقلين في السجون (آخر موجةٍ كانت تضامناً مع شهداء مستشفى السلط)، نقابة المعلمين -التي أقرّت دستورية وجودها من جديد في 24 مارس/آذار من عام 2011- يصدر قرارٌ بحلها وحل مجلسها وحبس أعضائها، الأزمة الصحية تتفاقم، وسوء إدارة الدولة بقيادة النخبة الحاكمة المحتكرة للسلطة تضاعف من تبعاتها، التي تعدّت الجانب الصحي صوب سحق قطاعاتٍ بأكملها تحت وطأة البطالة والكساد والانهيار الاقتصادي، الذي أسهمت القرارات الحكومية في اتساع رقعته.
إن لم تكن كلّ هذه العوامل وغيرها الكثير دافعاً لانفجار اجتماعي فما عساه يكون؟!
ذكرى 24 مارس/آذار كان إحياؤها سنةً لدى العديد من القوى الحراكية التقليدية، ولكنّها أتت هذا العام بشكلٍ مختلفٍ، في ظل انعدام الحلول لدى النخبة الحاكمة وإفلاسها التّام وعجزها في مواجهة الجائحة، خصوصاً بعد تراكمات قراراتها المستبدة تجاه القوى الممثّلة للنّاس (نقابة المعلمين، حزب الشراكة والإنقاذ أمثلة)، مع حملة تشويهٍ يقودها أصحاب الرؤوس المربّعة الملقّنون بياناتٍ يصدرونها بالتسحيج والوعيد وتهديد السلم الأمني.
صحيحٌ أنّ الكثير من نداءات استعادة الحراك لوهجه باءت بالفشل في أكثر من مناسبةٍ، حتى تكلّس في ساحة المستشفى "بعيداً عن الدوار الرابع"، ولكنّ الصمت تجاه التجييش الذي تمارسه السلطة تجاه هذا التحرك، وتجاه أي تحركٍ ينوي الأردنيون الإقدام عليه دفاعاً عن حقوقهم ومصالحهم لا يمتّ للشجاعة في شيءٍ، خصوصاً وهذه المنظومة الحاكمة فاشلةٌ تماماً في معالجة الاختلالات التي تعرقل سير عمل الدولة وتطوّرها، في ظل سحب البساط من تحت جميع القوى الوطنية لفائدة "النيوليبراليين".
صحيحٌ تماماً أنّنا نمرّ في ذروة الوباء، بفعل فاعلٍ، هو سوء الإدارة الحكومية للجائحة واكتفاؤها بالاستعراض وخداع النّاس ونهب أموالهم، وصحيحٌ أنّ الحرص اليوم يجب أن يوجّه صوب حياة وصحة الأردنيين المعرّضين لبطش الفيروس ولويلات سوء إدارة الدولة للقطاع الصحي. ولكنّ كلّ هذا لا يعني إلغاء حق الشعب في المطالبة بحقوقه والدفاع عن مصالحه في وجه عصابةٍ تمتصّه.
حدث أمني
في خضم كل ذلك، وقع حدث أمني فريد في تاريخ المملكة. رئيس هيئة الأركان الجيش الأردني، اللواء يوسف الحنيطي، طلب من الأمير حمزة عدم الخروج من بيته وحصر لقاءاته على أفراد العائلة، والتوقف عن انتقاد الحكومة، والتغريد على تويتر. لكن الأمير حمزة كما هو ظاهر في "التسجيل المسرب" للحوار يظهر رفض الأمير حمزة عدم تقبله إملاءات قائد الجيش، قبل أن يطلب منه مغادرة بيته إلى جانب العناصر التي رافقته.
فبأي صفةٍ قام قائد الجيش بكل هذا، وبموجب أي ظروف حتّمت عليه القيام بهذه الأمور؟
نعرف أن الجيش يتحرك للتصدي لعدوٍّ خارجي دفاعاً عن الوطن، أو للتصدي لعدوٍّ داخلي يحاول قلب نظام الحكم، والعدو الداخلي هذا يمتلك القدرة "العسكرية" على القيام بهذا الانقلاب ليتم التحرّك ضده استباقياً، وإلا فإنّ تحرك الأجهزة الأمنية "دون الجيش" يكفي لاحتواء الحدث الأمني، الذي لا يرقى بحالٍ إلى أن يتحول لانقلاب!
تشميس الأمير حمزة
التشميس عند العرب هو ترك من يرتكب خطيئة لمصيره دون انتفاض قبيلته للدفاع عنه أو منع محاسبته، وهو ما يبدو أن الدولة تحاول القيام به مع الأمير، خصوصاً بعد ربطه بسيئ السمعة، "رجل الشر" والمطلوب الأول للفقراء والمعوزين ضحايا التحول الاقتصادي الذي كان عرابه الرئيسي باسم عوض الله.
لا أعلم إن كانت أجهزة الدولة تتوقع رد فعل الأمير على قرار تحييده وتقييد حركته، ولكنّ الإسراع بربطه بالمقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عوض الله أولاً، ومن ثم بمعارضة الخارج اليوم، تبدو في إطار خطط تضييق الخناق على الأمير وإجباره على الانصياع لإرادة الملك بشكل تام.
عموماً بعد إدلاء الدولة بدلوها، تبدو الأمور في إطار الاحتواء تماماً، ويبدو أن قرار الأمير بالانصياع من عدمه هو ما سيحدد مصيره، مع استبعاد تام لسيناريو الانقلاب الذي حاول البعض الترويج له، حتى الذهاب بعيداً في الإجراءات المتخذة في حال تصاعدت الأحداث.
ما مر به الأردن خلال اليومين الماضيين يؤكد حقيقة تفرّد الملك بالسلطة، كلّ السلطة، وسط غطاء دولي وإقليمي غير محدود. وأثبت أن الملك عبدالله مستعد للدفاع عن سلطته في وجه أي أحد كان (أمير، معارضة خارجية، حراك شعبي… إلخ).
أمن دولة أم مسألة عائلية؟
لكن إحالة موضوع الأمير حمزة إلى الأمير حسن، وتحويل القضية إلى موضوع عائلي هو تعدٍّ صارخ على الدولة وعلى الدستور والقانون. القانون الذي أعطى الملك حق العفو الخاص بعد صدور الحكم واكتسابه الدرجة القطعية لم يعطه الحق بإغلاق ملف الدعوى الجزائية، أو حق الوساطة لأحد الأطراف، أو نزع الاختصاص من السلطة القضائية وإحالة الملف إلى كيانات أخرى أو أفراد آخرين لحله، وخصوصاً أن الجرائم المسندة حسب بيان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، هي جرائم ذات طابع خاص، وتمس أمن الدولة ومؤسساتها ونظامها السياسي، وفيها تهديد لحياة الملك ذاته.
جمهور الأمير
بعد ما جرى ويجري في ردهات القصر وعلى العلن، صار على من يناصر الأمير حمزة ويظن أن بمقدوره قيادة مشروع تغيير وطني حقيقي مراجعة موقفه. فالأمير بانصياعه لسلطة الملك أثبت أنه لا يمتلك أدوات التغيير والمواجهة، وهو إن امتلك قدراً منها فالملك يحوز أقداراً.
من جهةٍ أخرى، على هذا الجمهور عدم الانجراف خلف أوهام تغييرٍ في ظل ملكيةٍ مطلقة، بغض النظر عن الأشخاص، خصوصاً في ظل نهج سياسي واقتصادي يحتاج لعمل جبار لمحاولة تصحيح مساره.
صحيحٌ أن الدولة حاولت تشويه صورة الأمير و"تشميسه"، ولكن علاقاته الخارجية لا تنقطع مع الولايات المتحدة أو رجال الأعمال النافذين في الكيان الصهيوني، كما أشار موقع أكسيوس. ما يعني قناعة الأمير ورضاه باستمرار نهج التبعية للغرب، ناهيك عن علاقاته الداخلية التي لا تشذ على ما يبدو عن اتباع السياسات النيوليبرالية، رغم الخطاب العاطفي تجاه مؤسسات الدولة الذي كرره في أكثر من مناسبة.
وصحيح كذلك أن هنالك فئة ممن يطلق عليهم زوراً "رجال الدولة" هاجموا الأمير بطريقةٍ دنيئةٍ، وصحيحٌ أن الدولة قد استغلت الظروف لتسجيل نقاط تعزز من سلطة الملك وتشوه الأمير، ولكن كل هذا لا معنى له على المستوى الشعبي، الذي تتمحور قضيته المركزية اليوم حول تغيير النهج الاقتصادي والسياسي في المجتمع، وهو ما يحتاج قوى وطنية فاعلة ذات حضور وقدرة على إطلاق مشروع وطني يلتف حوله الناس لإجبار النظام على التغيير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.