تهمة الظلم من أقبح التهم التي لا يتمنى أحد أن يتصف بها أبداً، ولا يحب إنسان أن يقال له في وجهه أنت ظالم أو معين لظالم، حينها يصبح في مأزق أخلاقي يشعر معه بأنه مضطر أن يدافع عن نفسه ويقدم مبررات أمام شخص قد يكون أقل منه في المنصب أو القوة أو المال.
أو حتى أمام نفسه إن كان لديه بقية من وازع أخلاقي أو بمسماه الحقيقي الضمير الذي هو نفخة الله من روحه فينا، البقعة المضيئة التي تبقى رغم سواد القلب. وبعض المظالم لا ترد وبعض الأخطاء لا تغفر.
كيف تعرف أنك ظالم؟
الظلم تهمة قرينة بالكذب.. لا تجد ظالماً إلا كذاباً وكثيراً ما اقترنت الصفتان في آيات القرآن الكريم، ولم يبتكر العقل البشري مكيدة أبشع من الكذب للخلاص من أي تهمة وابتكار التبرير المناسب، ويظل الإنسان يكذب حتى يطمس على قلبه، فلماذا يكذب؟
لأن الظلم حريق في فطرة الخلق السوية يلزمه تخدير للحواس للإفلات بالكذب وإيجاد غطاء أخلاقي قد يسمى الصالح العام أو الظروف، ولم أجد إنساناً يدعي أنه لا يحب الحق والحقيقة والعدل، حتى أولئك الظلمة الذين ملأت سيرتهم صفحات التاريخ بمظالم مخلدة، ولهذا إن وجدت نفسك تسوق براهين وحججاً ومبررات لمن لا يملكون لك لا نفعاً ولا ضرراً فاعلم أنك مدان، وإن وجدت نفسك تخوف بالله فلا ترتجع فقد انغلق على قلبك..
من أكبر المظالم التي أتوقف عندها وتدهشني مظلمتان: الأولى قهر سيدنا عثمان وحبسه في بيته وحصاره هو وزوجته بدعوى الصالح العام وأخذ الحق والإصلاح للحكم، شعارات حق يراد بها باطل، اجتراء على النفس والبدن والدم ثم جحود بالمعروف ونكران للجميل.
الفتنة الكبرى، أولى الفتن التي وقعت في الدولة الإسلامية، والتي أدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان في سنة 35 هـ، ثم أدت لاضطرابات واسعة في الدولة الإسلامية طوال خلافة علي بن أبي طالب. قام المتآمرون بضرب حصار حول بيته استمر 40 يوماً.
يقول سيدنا عثمان وقد عطش ويوشك على الهلاك كلمات تفطر القلوب قبل مقتله: يا أهل المدينة أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي. ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عمر أن يختار لكم ويجمعكم على خيركم! فمهلاً لا تقتلوني فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثم لم يرفع الله عنكم الاختلاف أبداً، أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة بمالي ليستعذب بها فجعلت رشائي فيها كرجل من المسلمين قالوا: نعم.
قال: فلم تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر. ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أني اشتريت أرض كذا فزدتها في المسجد؟ قيل: نعم.. ثم قتل وبقيت مظلمته في رقاب من بعده.
والثانية كذب إخوة يوسف الاثني عشر على أبيهم سيدنا يعقوب وقد ألقوا بأخيهم الصبي يوسف في الجب، ثم أتوا أباهم يبكون ويدعون أن الذئب قد أكله، ثم يمر اليوم خلف اليوم والشهر بعد الشهر، والعام وراء العام وهم على كذبتهم لا يرجعون عنها ولا يندمون ولا يعترفون أو يعتذرون بل يتهمونه بالضلالة كلما ذكر ولده، حتى ذهب من القهر والبكاء نور عينيه، يقول سيدنا يعقوب مستعطفا أبناءه: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
فما كل هذا الطمس على الرحمة في القلب من أين يأتي إلا من الظلم..
من أقوال سيدنا علي بن أبي طالب: للظالم ثلاث علامات: يظلم من فوقه بالمعصية، ومن دونه بالغلبة، ويظاهر القوم الظلمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.