ثلاث سنوات على رحيل الأديب المصري "أحمد خالد توفيق" عن دنيانا، رحل الكاتب المصري في 2 من أبريل/نيسان عام 2018 عن عمر 55 عامًا في جنازة مهيبة ودعه فيها كل محبيه من قرائه وأقاربه وطلابه.
خمسة وعشرون عامًا أثری فيها الراحل حياة المشهد الثقافي المصري بالعديد من الأعمال الأدبية التي تنوعت ما بين المجموعات القصصية والمقالات والروايات الأدبية والترجمة.
بدأت إصدارات الراحل بسلسلة "ما وراء الطبيعة" التي بدأت في مطلع تسعينيات القرن الماضي، جاءت بعدها سلسلة "سفاري" وسلسلة "فانتازيا" والعديد من الروايات، على رأسها "يوتوبيا" التي صدرت في 2008 وتم ترجمتها لعدة لغات، بالإضافة لروايات "في ممر الفئران" و"إيكاروس" و"السنجة"، و"شآبيب".
وكذلك العديد من المقالات الصحفية والمجموعات القصصية التي تم إصدارها في عدة أعمال وحملت عناوين "زغازيغ"، و"الآن أفهم"، و"فقاقيع"، و"قهوة باليورانيوم"، و"عقل بلا جسد" و ثلاثة أجزاء من "الآن نفتح الصندوق".
سيرة مختصرة
ولد الطبيب والكاتب الراحل في 10 يونيو/حزيران 1962 بمدينة طنطا، تخرج في كلية الطب في جامعة طنطا عام 1985 وحصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة عام 1997 وعمل كعضو هيئة تدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة في جامعة طب طنطا.
بدأت إصدارات الراحل بسلسلة "ما وراء الطبيعة" التي كانت أول الأعمال الأدبية المصرية التي تنتمي لفئة أدب الرعب. بدأت السلسلة في "1992" وانتهت في عام "2014" بموت بطلها "رفعت إسماعيل" والتي تم تحويلها لمسلسل تلفزيوني من إنتاج منصة نتفيلكس العالمية.
أحمد خالد توفيق والنقاد
لطالما كان الكاتب الراحل في ركن بعيد عن صراعات الوسط الثقافي، بسبب تفضيله الإقامة بمدينة "طنطا" مسقط رأسه بعيداً عن القاهرة التي تعد مركز الحياة في مصر في جوانبها الاجتماعية والسياسية والثقافية.
بقاء "أحمد خالد توفيق" هنالك جعله بعيداً عن الاحتفاء الثقافي الذي يستحقه، وجعل أعماله -التي كانت الأكثر انتشارًا ومبيعًا في مصر طوال سنوات- بعيدة عن أعين النقاد أو عن التناول السينمائي الذي كانت تستحقه أعمال الراحل والتي تم الالتفات لها بعد وفاته بصدور مسلسلي "زودياك" و"ما وراء الطبيعة" وعدة أعمال قد يتم تحويلها قريبًا إلى أعمال تلفزيونية.
كان "العراب" ودودًا ومُحبًا للجميع، وفي كل ندواته الثقافية ولقاءاته كان بشوشًا ضاحكًا، وكان يتوجه للجميع بالنصح والإرشاد من خلال مقالاته الثرية التي كانت تُنشر أسبوعيًا في الصحف المصرية والعربية أمثال جريدة التحرير المصرية وجريدة الاتحاد الإماراتية ومواقع "بص وطل" و"إضاءات".
كلمة النهاية
في 1 أبريل 2018 كنت أتصفح موقع "فيسبوك" بملل، أتحدث مع أصدقائي في مواضيع عادية، فجأة انتشرت الأخبار عن تعب دكتور "أحمد خالد توفيق" وتدهور حالته الصحية، في البداية تجاهلت الأمر، الجميع يكذب في أول يوم من أبريل، ومع سرعة انتشار الأخبار بدأت في السب واللعن، توترت كثيرًا وظللت أدخن في عصبية واضحة وأنا أتساءل لماذا يتداول كل هؤلاء كَذْبة لا حقيقة لها، الرجل بخير بالتأكيد، أو لعلها أزمة صحية عادية، لم كل هذا التهويل؟!
مع الوقت بدأ مقربون من دكتور أحمد خالد توفيق يؤكدون الخبر، ومن ثم تم إعلان الوفاة، أتذكر أنني تماسكت كي أتمكن من الذهاب للبيت، وبعدها ولمدة ساعتين تقريبًا ظللت أبكي وأصرخ.
بالنسبة لي كان "أحمد خالد توفيق" معلماً وأباً، كان خير رفيق.
رحلتي مع العراب
بدأت في القراءة للأديب الراحل منذ عام 2014 تقريبًا. كان مقاله منشوراً علی صفحة تحمل اسمه على "فيسبوك" أذكر أنني وقتها لم أكن أطيق القراءة، ولكن بالصدفة وقعت عيني علی مقال له، مع الوقت صرت أبحث في الصفحة عن كل مقالاته. حتی أتی وقت قراءة كتاب "زغازيغ" ثم "أسطورة الجاثوم" وباقي الأعمال الروائية والقصصية علی رأسها "يوتوبيا" و"أفراح المقبرة".
انتمی "أحمد خالد توفيق" في عوالمه الروائية لأدب الديستوبيا -المدينة الفاسدة- وفي سلاسله الأدبية لأدب الفانتازيا والخيال العلمي، وتنوعت مقالاته بين مقالات الرأي وآرائه عن الأعمال الأدبية السينمائية.
سر المحبة
يجتمع الجميع علی محبة الرجل الراحل والإشادة بدعمه للآخرين والتعريف بدوره وقيمته في إثراء المشهد الثقافي، ويجمع النقاد علی بساطة أعمال الكاتب واعتمادها علی الإشارة المباشرة حتی في أكثر كتاباته رمزية، وقد يعتمد البعض التقليل من منتج الرجل بسبب هذه الأسباب، أو لأن كتاباته ولمدة سنوات طويلة كانت موجهة للناشئة متجاهلين تمامًا أعماله الروائية أو مقالاته أو ترجماته، حيث ترجم الأديب الراحل عدداً من الروايات الأجنبية ضمن سلسلة روايات عالمية للجيب وثلاث روايات خارج السلسلة وهي "نادي القتال" (fight club) للروائي الأمريكي تشاك بولانيك و"ديرمافوريا" للكاتب كريج كليفنجر، و"كتاب المقابر" للكاتب نيل جايمان، بالإضافة إلى ترجمة الرواية الطويلة "عداء الطائرة الورقية" للأفغاني "خالد حسيني" إلى رواية مصورة.
يعتقد الكثير من الناس أن أعمال أحمد خالد توفيق التي تم تقديمها للناشئة شيء يستحق التقليل، رغم أنه كان من أوائل الكُتاب العرب الذين يتوجهون لأدب الرعب، فضلاً عن نجاح السلسلة في الوطن العربي بشكل كبير. توجيه النقد للعراب يخلو في كثير من الأحيان من الاحترافية، حيث يتم نقد سلاسل ما وراء الطبيعة علی أنها المنتج الأدبي الوحيد للراحل، أو يتم توجيه نقد لعدة مقالات متجاهلين مقالات أخری في شيء من الإجحاف عانی منه الأديب الراحل.
نصيحة
"ده زمن فتنة، إلزم دارك، ربّي عيالك كويس، ثقف نفسك كويس، وحافظ على مبادئك على قد ما تقدر.. دلوقتي أنت شاب.. وعندك الأبيض والأسود واضحين، بعد شوية هيبقى فيه منطقة رمادي".
- كانت تلك كلمة الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق لفعالية منظمة مويك "قم وحيدًا" عام "٢٠١٦".
قد تتعجب من العبارات السابقة إذا كان صاحبها ليس هو الطبيب الراحل، قد تبدو العبارات ثقيلة سلطوية في نظر البعض، ولكنها تأتي من رجل حاول جاهداً مد يد العون لكل قُرائه، بدأ معهم من سلاسل الأطفال وأعمال الشباب، قدم لنا مقالات أسبوعية نافذة علی العالم، قدم أعمالاً قصصية وروائية لمن سلكوا طريقاً أكثر نضجًا في القراءة، لقد كان هذا الرجل كجبل حكايات، يخلق من الجملة العابرة أسطورة ومن القصة مقالاً ومن الحكاية رواية، جبل الحكايات الذي رحل عن طنطا محبوبته بجسده منذ ثلاث سنوات لم يغب عنا بحكاياته، ما زالت مقالاته تتداول بين محبيه في كل شيء كتب عنه، ما زالت رواياته تسلب عقلي وكأنني أقرؤها للمرة الأولى، ما زلت أقرأ كل مقال قرأته من قبل وأندهش وكأنها أول مرة أقرؤه، حينما رحل هذا الرجل فقدت مصر قيمة من الصعب أن تتكرر في زماننا هذا.
لقد كانت إقامتك قصيرة يا عراب، فلتكن في مكان أفضل يا أحب الناس!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.