في ظل الترقب الشديد المحلي والخارجي وبينما ينزلق لبنان في لعبة الارتطام المرتقب واليد على القلب خشية الذهاب نحو المجهول، سرت ليل أمس أجواء إيجابية توحي باحتمال حصول تقدم سياسي في عملية تشكيل الحكومة، وفق القاعدة اللبنانية "لا غالب ولا مغلوب" والتي يسير لبنان عليها منذ تأسيسه كجمهورية منتصف القرن الماضي.
لكن يبقى الخوف موجوداً من احتمال أن يتراجع هذا الطرف أو ذاك في اللحظة الأخيرة عن الإيجابية التي ظهرت خلال الساعات القليلة الماضية، وفق المبادرة التي أطلقها وليد جنبلاط مع الرئيس نبيه بري، والتي تقضي بالذهاب نحو حكومة 24 وزيراً دون أن يحصل أي طرف فيها على ثلث معطل، وهذه المبادرة وضع الحريري في أجوائها من قبل بري في عين التينة، قبيل زيارته بكركي ولقائه البطريرك الراعي، ففي بكركي عرض الحريري المستجدات واستمع إلى موقف الراعي وهواجسه ودعوته إلى التسوية لتشكيل حكومة، لأن الاتفاق ضروري بينه وبين عون، فهما وفق الدستور يفترض أن يتفقا لتشكيل الحكومة.
وكان لافتاً للانتباه حرص رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على إرسال إشارات عبر بكركي والسفيرة الأمريكية دورثي شيا ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بأنه ليس مهماً أن تكون الحكومة من 18 أو من 24 وزيراً، لكن الأهم هو عدم التنازل عن ثابتتين: الأولى ألا ينال أي طرف في الحكومة "الثلث العاطل" كما يحلم جبران باسيل، والثانية أن تتكون الحكومة من وزراء اختصاصيين وليست تكنوسياسية كما يريدها نصرالله.
قصة التسوية.. جنبلاط الخائف من المجهول
ينطلق وليد جنبلاط من سلسلة تطورات وأحداث تدفعه للذهاب نحو تسوية أو ربط نزاع مع ميشال عون، والذي لا ينوي لهذه اللحظة التراجع حتى لو كان الثمن الاستقرار تأميناً لمصالح صهره المعاقب أمريكياً والذي تلوح في وجهه عقوبات أوروبية وخليجية، لذا فإن جنبلاط ينطلق من عوامل عديدة، وهي مواقف حزب الله عبر أمينه العام، والذي استخدم التصعيد والذهاب نحو حكومة سياسية تطيح بكل ما أتت عليه المبادرة الفرنسية.
يستشعر جنبلاط أن الإيرانيين لا يحبذون تشكيل حكومة في لبنان حتى يتبين الأفق من حوارهم مع واشنطن، كما يتخوف وليد جنبلاط من الولوج في وحول الفوضى والتوترات الأمنية، والتي باتت لعبة يتقنها الحزب، وتستخدم لفرض إرادات على الأطراف كافة، فورقة الفوضى والأمن يتقنها الحزب ويدرك كيفية الاستفادة منها مثلاً عبر فرض تفعيل حكومة تصريف الأعمال، وهذا ما يرفضه الثلاثي -جنبلاط وبري والحريري- ويتقاطع معهم رؤساء الحكومات السابقون لأن تفعيل الحكومة المستقيلة يعني العودة لحكم جبران باسيل والرضوخ لابتزازه.
يدرك جنبلاط أن الدول الكبرى منشغلة بذاتها وملفاتها الكبرى، ولبنان ليس سوى تفصيل صغير في قاموس واشنطن ومادة ضغط عند الإيرانيين، فيما فرنسا الدولة التي تكاد تكون وحيدة في مبادرتها والتي لم تستسلم حتى اللحظة في العمل عليها.
قالها جنبلاط "ليس أمامنا إلا التسوية" هذا الموقف استدعى حراكاً دبلوماسياً عريضاً بدأ بلقاءات التنسيق بين سفراء الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ولاقتهم روسيا وقطر، حيث الثناء على مبادرة جنبلاط بكون كل الأساليب والضغوطات لم تدفع المجموعة الحاكمة للتراجع عن مطالبها.
وحول صيغة التسوية الحكومية التي طرحها جنبلاط ويتبناها بري والتي يتم التفاوض عليها في الكواليس، يرتكز تشكيل حكومة من 24 وزيراً على قاعدة 3 ثمانيات، مع احتساب وزير حزب الطاشناق من حصة رئيس الجمهورية، فيما رئيس الحكومة ونائب الرئيس بلا حقيبة، بحيث يكون لكل من الوزراء الـ22 الآخرين حقيبة متخصصة واحدة انسجاماً مع قاعدة الاختصاص، وتكون وزارة الداخلية من حصة رئيس الجمهورية ميشال عون.
ووفق هذه الصيغة يكون الحريري قد حقق مطلبه بعدم إعطاء الثلث المعطل لأي فريق، أمّا عون فقد حصل على مبدأ الشراكة مع الحريري وباتت الداخلية في جيبه.
أجواء الخارج.. بين واشنطن وباريس مراجعة وترقب
بحسب المحلل السياسي والكاتب حسين أيوب فإن أجواء واشنطن تشي بأن الإدارة الأمريكية لم تبلور أية رؤية لسياستها اللبنانية. الدعم الأمريكي للمبادرة الفرنسية ما زال قائماً، لا مصلحة للأمريكيين في انهيار الوضع اللبناني إلى حد تشكيل خطر على المنظومة الإقليمية.
فيما العقوبات الأمريكية بحق شخصيات لبنانية ستبقى معلقة حتى أيار/مايو المقبل، وهو تاريخ غير مقدس وقابل للتمديد أو الاختصار، تبعاً للمعطيات السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية. ويشير إلى أنه من اللافت للانتباه ألّا مشكلة اسمها تمثيل حزب الله عند الأمريكيين. سبق للأمريكيين أن تعاملوا مع حكومات كان الحزب ممثلاً فيها وهي قابلة للتكرار.
المعيار أنه ممنوع اختيار وزراء فاسدين من أي لون سياسي كان. السفيرة باربرا ليف ستحل محل ديفيد شينكر في موقع مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. الأمريكيون جازمون في التأكيد ألا حروب في المنطقة، من أي نوع كان، باتفاق مع إيران أو من دونه. الأولوية للتحشيد ضد الصين أولاً وروسيا ثانياً. نقطة الخلاف المركزية مع إيران تتصل بتعهد الأمريكيين للإسرائيليين بتعديل الاتفاق النووي لمصلحة بندي الصواريخ البالستية والنفوذ الإقليمي، وهو دور إيران وأذرعتها في الإقليم.
فيما الفرنسيون وفق أيوب قد أجروا مراجعة للوضع في لبنان والشرق الأوسط. ثمة مخاوف فرنسية متعاظمة عبروا عنها من إعادة عبر صعود تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا ولبنان، وهم أبلغوا اللواء عباس إبراهيم ما يكفي من المعلومات التي تسند مخاوفهم.
لذلك، لم يتراجع اهتمامهم اللبناني والفشل في لبنان هو فشل لسياستهم الشرق أوسطية. لا ثوابت عندهم تتفوق على استقرار لبنان ليس حباً بلبنان، بل خشية ارتدادات الارتطام اللبناني على أمنهم القومي (اليونيفيل، النزوح السوري، الغاز المتوسطي). عقوباتهم التي يلوحون بها ليست من النوع الذي يوجع.
هل يؤدي قرار منع السفر إلى كل دول الاتحاد الأوروبي إلى جعل شخصيات لبنانية من ضمن فريق رئيس الجمهورية تدفع باتجاه التسوية في الداخل اللبناني؟ السؤال يطرحه الفرنسيون ولا يملكون جواباً، خاصة أن من نال عقوبات أمريكية مثل جبران باسيل لن تخيفه العقوبات الأوروبية نهائياً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.