كيف أتصل بأنوثتي؟ سؤال يطرحه النساء في كل العالم بلا استثناء، سؤال مُلِح يظهر تيهاً واضحاً في التناغم مع الأنوثة، فدوماً أرد عليهن: هل سمعتم يوماً رجلاً يتساءل كيف أتصل برجولتي؟!
هُنا تأتي الحبكة الدرامية لنوعَي الرجل والأنثى؛ المجتمع كله استطاع أن يُشعر المرأة أنها دوماً تحتاج إلى شيء لتثبت كيانها، وعلى النقيض كل رسائله الخفية والجلية للرجل أنه يكفيه نوعه.. أنه ذكر.
شتّان بين معنى الذكورة والرجولة، الرجولة ليست مجرد سمة تشريفية، هي صفات وتصرفات، بذل وسعي، قدرات مفعّلة في الحياة، ولكن حين ينتشر حوله رسائل أنه ليس عليه شيء لإثبات رجولته، وكأنه يكفيه جداً أنه رجل، يبدأ الانفلات لكل معاني الرجولة، وتتحول لذكورة يتفشى فيها كل أسلحة التسلط كقوة متوهمة، والارتخاء في المسؤوليات وعدم تحملها كنتيجة طبيعية أنه ملك زمانه، وعليهِ فالكُل يخدمه، وهو ليس موكلاً بخدمة أحد ولا إعالته.
رسمت لكم الصورة المتطرفة لبعض الرجال في مجتمعاتنا العربية، لقد علمنا تخاذلهم عندما قابلنا في الطريق رجالاً بحق، في مجتمعاتنا أيضاً، يؤدون حقوق الرجولة ممتلئين بالمروءة ولا يتوقفون للراحة من السعي، فالحمد لله، الرجولة الحقيقية مازالت متحققة ولم تندثر، والخطاب الذي أشعر البعض بتشريفهم لم يؤثر سوى على أشباه الرجال الذين تخلوا عن مسؤولياتهم وتصوروا أنهم "كتر خيرهم بس إنهم رجالة".
الرجال بحق نجوا من شعور تشريفهم الخالص الذي يقتل البذل فيهم ووقعوا في خطاب التكليف بالنفقة فقط. وهي قناعة معطلة أخرى تحبس إمكانيات رجولته الكامنة.
يكبر الولد وهو غير مدرك سوى لدور السعي، قيمته كلها تتمركز فيما يفعل بكفاءة في الحياة، كيف يأتي بلقمة العيش لمن حوله، يضحي بنفسه من أجل نساء بيته من أم وأخت وزوجة وأطفال، وتتردد على مسامعه "الراجل ما يعيبهوش إلا جيبه"، فتظل هذه القناعة الراسخة محركه الوحيد، وينسى أن هناك محوراً هاماً لم يحدثوه عنه كما ينبغي، محور أن أنثاه خُلِقت من ضلعه.
خلقت منه، بعضها من كله، لكي تظل جزءاً منه، تحتاج إليه ويحتاج إليها، وتذكره بمشاعره التي ينساها في ظل تحديات الحياة ومسؤولياتها وصعوباتها. هي نسيم الحياة له وسكنه، يتنفسه ليستطيع الاستمرار.
تجود عليه الحياة بأمه وأخته ثم زوجته. وجود المرأة لها طابع الجمال في ذاكرته؛ فهي وقوده لكي يستطيع تحمل مشقة المعيشة بكل قساوتها. ولكن تتحول المرأة عنده من شريك حياة متكامل، إلى مجرد مضاف إليه، ينظر البعض منهم لاهتماماتها نظرة العلوّ "هو دا اللي شاغل بالك؟".
لم يتربَّ بعض الرجال على فهم شقائقهم في الحياة. تربوا على أنه ليس عليهم الانتباه سوى للسعي ولجذب المرأة. لم يتعلموا الحياة معها.
قلة قليلة تدرك سر هذه العلاقة الربانية التي قررها لنا حكيم خبير، فما بين شعور الرجل بتشريفه وتكليفه، يصير دوره مختزلاً في النفقة، مختزلاً لكل محاور القوامة في الأوامر والنواهي والمال، ليس إلا. ويفقد دوره بريقه كقوام مسؤول عن رعاية نسائه من حيث أن يكفيهن كل شيء، يكفيهن أماناً وعاطفة وحميمية وعقلاً وحكمة، فيصير نسيج المجتمع بين نساء فقدن القدرة على التواصل مع أنوثتهن، ورجال توحدوا مع صفات الرجولة فنسوا أنها صفات تَبلَى بلا فعل يؤكد وجودها.
حين يهمل الرجل الجانب العاطفي ويظن أنه ليس مهما، يصبح البيت واهياً كعش العنكبوت، وإن كان ظاهرياً ينظر إليه أنه بيت مفتوح يقيم فيه زوجان اثنان، لكنه حقيقةً يكون آيلاً للسقوط.
نحتاج إلى إعادة هيكلة الأدوار، فيعود الرجل البعيدُ إلى دوره كاملاً، ولا يظن أن لقمة العيش تكفي، ويؤمن أنه يستطيع أن يتعايش مع حبيبته وأمه وأخته بمستويات أعمق من التواصل النفسي والعاطفي.
هو يحتاج إليهن لكي يُفرع شحنة المسؤوليات، ويتقوى بحنانهن. وإنكاره على نفسه وعليهن هذا الاحتياج يؤدي إلى جمود كبير في العلاقات، وجوعٍ عاطفي أفقد النساء بريق الأنوثة، فإن كافحن لتنوير أنفسهن من الداخل صعُب أن ينطفئ لديهن الرغبة المُلِحة للرجال.
منظومة الزواج قد تسد هذه الثغرات النفسية والعاطفية، وتجعل الحياة هينة لينة بكل صعابها على الاثنين، ويظل العائق في التطوير.
بين رغبة النساء الشديدة للوعي والتعلم والتغيير، في مقابل مكوث بعض الرجال في دائرة لا يتحركون منها ويتولد شعورهم بالاكتفاء: "مش كفاية بشتغل؟!".
لا يا عزيزي.. العمل وحده لا يكفي، اسقِ وردتك بجميل اهتمامك تزهر وتصير جنتك، واتركها بإهمال فلا تلوم إلا نفسك حين ينمو بحديقتك طفيليات تقضي على جمالها وتحولها إلى أطلال.
كُن لها رجلاً، تتكشف لك أنوثتها.
فبِكَ أنوثتها، يا عزيزي، تكتمل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.