من عامل يمر بانهيارات عصبية إلى كاتب وروائي.. هذا طريقي نحو النرجسية

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/31 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/31 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
معارك خاصة - عربي بوست

بدون مقدمات، لأنني لا أعرف لماذا قد أكتب 10 جمل كاملة للتمهيد.

هنا من المفترض أن أتحدث عني، ولعل هذا أول لقاء بيني وبين القراء أكون فيه أنا محور المقال.

عندما شرعت في كتابة السطور الأولى مرت أمامي سنوات العمر، بداية من أيام الطفولة حتی اللحظة التي قررت فيها أن أصبح كاتباً، والتي كانت تعني أنه عليّ أن أفعل كل شيء في مجال لا أفهم فيه أي شيء تقريباً.

"لقد كانت الانكسارات والانهيارات الكبری هي سبيلي الدائم للاستمرار، لا أظن أن حياتي لو كانت هادئة كنت سأتمكن من الكتابة بهذه الطريقة". 

الحلم الأول 

في الصغر كان حلمي أن أكون لاعب كرة قدم، ولكنني كنت لاعباً عادياً، غير مهاري بشكل كبير، الكرة هي أول حب لي في الحياة. كنت وما زلت في وقت فراغي أفضل مشاهدة مباريات كرة القدم. تعثرت في حلم كرة القدم بسبب عدة مشاكل عائلية أجبرتني على التوقف عن التمرين لسنتين.

طوال الوقت كان لديّ شعور بأنني لستُ في مكاني المناسب، أعيش في منطقة شعبية ليس لي أي طابع منها، زملائي في المدرسة كانوا من مناطق أخری قد تكون أرقی نسبياً، لذلك كنت مختلفاً عنهم وعن أولئك الذين في نفس منطقتي.

أتذكر أنني بدأت الكتابة في المرحلة الابتدائية، كنت أحب الكتابة من خلال متابعة إحدى قنوات الطبيعة التي تعرض بشكل دائم الغابة وحيواناتها، كنت أكتب، ولساعات طويلة، كل معلومة عن أي حيوان، كانت سعادتي قصوی.

كنت طالباً عادياً، لم أكن مشاغباً، الأزمة الوحيدة التي كنت أتعرض لها هي الطرد في الحصص بسبب الأكل!

لم أكن أستطيع تحمل الوقت حتی ميعاد الراحة فكنت أضطر للأكل خلسة حتی يتم فضح أمري، كانت أياماً رائعة كل مشكلتي فيها أنني أود التخفي حتی أنتهي من وجبتي.

بدأت حياتي في أخذ منحنی آخر في 2016، فقدت خالي في حادث مروع، كانت تلك أول مرة أتعرض فيها لكل هذا الكم من الضغط العصبي، أصبت بانهيار عصبي، فقدت رغبتي في الحياة وقتها. وعن طريق الصدفة قرأت أول رواية في حياتي، لم أكن أعلم وقتها أنني بعد خمس سنوات سأصبح كاتباً.

في 2017 استيقظت للذهاب للمعهد الذي أدرس فيه، استيقظت من النوم وقلت لنفسي: أود أن أصير كاتباً. قبلها كنت محطماً بشكل كامل، كان قلبي مكسوراً، أظن أن هذا ما دفعني للكتابة، حيث إنني كنت قد قرأت الكثير من الكتب، والتي بالطبع جعلت عائلتي تؤمن بأنني صرت مجنوناً بالكامل، لأنهم يقولون إن الكتب تأكل الدماغ!

هاتفت صديقي الوحيد في هذه المرحلة "علي عبدالنبي" وذهبت إليه في الجامعة، أخبرته بما أريد، علي الوحيد الذي لم يشكك فيّ، قال إن الأمر صعب لأننا لا نعرف ما الذي يجب فعله، ولكنه أيضاً قال إنه معي وسيساعدني بكل ما يستطيع.

كنت قد بدأت في كتابة أول كتاب لي، مجموعة قصصية بعنوان "لارا" شجعني لكتابتها "مخلص العدوي" أكثر من أنا مدين له في هذه الحياة. علاقتي به بدأت في عام 2012 عندما أعمل في محل تجاري كبائع، وهو وعلی مدار ثمانية سنوات لم يكن يعاملني إلا كابن. هذا الرجل علمني الحياة وساندني في كل أوقات يأسي، آمن بي في أكثر أوقات اتهام الآخرين لي باليأس أو الجنون، دعمني وساندني. قال لي اقرأ لنجيب محفوظ، وكانت تلك أول نصيحة جعلتني أقرأ للأديب العالمي، وكل من علی غراره أمثال دوستويفسكي وماركيز وغيرهم من الأدباء. جعلني أحب الموسيقى، عشقت تشايكوفسكي وباخ وبيتهوفن، استمعنا لأغاني أم كلثوم وعبدالوهاب معاً على إذاعة الأغاني، كان هذا الرجل بوصلتي للوصول للبر في ظل إيمان الجميع بأنني على وشك الغرق.

انتهيت من الكتاب الأول وجاءت المشكلة، لم أجد أي ناشر يرغب في نشر مجموعتي القصصية، كنت وقتها في بداية العشرينيات.

"السوق المصري يقبل الروايات ودواوين الشعر فقط"، كلمات سمعتها مراراً ولكنني عجزت عن تقبلها.
وفي 2018 رسبت في المعهد الدراسي الذي كان من المفترض أن أنجح فيه لأنتقل لدراسة الهندسة، والالتحاق بكلية الهندسة كان حلماً منطقياً من المفترض أن كل الناس تسعی إليه لأنها إحدی كليات القمة.. أصبت بانهيار عصبي مرة أخری، وبعد التعافي منه كنت قد حسمت قراري، أنني سأدرس وسأستمر في الكتابة.

قررت كتابة المقالات الأدبية لتطوير مهاراتي في الكتابة، وحينها فُتحت لي الأبواب. تلقيت عرضاً من دار نشر لنشر المجموعة القصصية ومجموعة من مقالاتي، من فرحة الاحتفال بأول مقال لي كسرت نظارتي وأنا أعانق "مخلص العدوي" وأنا أحتضنه بجنون.

صدر أول أعمالي في 2019، مجموعة قصصية من 8 قصص تحكي عن الألم والفقد والحزن المستمر، وجد الكتاب ترحيباً من القراء، صرت أعمل علی كتابة كتاب مكون من عدة مقالات عن الاكتئاب والانتحار، ورواية كتبت فصلها الأول في 2018 ولم أكن أعرف ما الذي يجب عليّ كتابته بعدها.

2020 كانت سنة سعدي، رغم الوباء الذي اجتاح العالم ولكنها كانت السنة التي وعدت فيها مقربين بـ"السنة دي أنا هاخدها ليا" وصدر "الاكتئاب بين التعايش والانتحار" في بداية 2020، وقتها كنت أعاني من الآلام مزمنة في العمود الفقري بسبب العمل لأكثر من 16 ساعة يومياً لظروف شخصية عصيبة. الألم أحد أكثر الأشياء التي دفعتني للكتابة عن الوحدة والحزن والاكتئاب. ففي مجتمعنا وككل المجتمعات يتم وصم المكتئب بالعار.

"كل حكاياتي وحكايات أصدقائي وحكايات الناس الذين لا أعرفهم هي التي دفعتني للحديث عن الألم".

بعد إصدار الكتاب وفي ظل التحضير لجولات التوقيع في المكتبات جاءت جائحة كورونا لتُعطل الحياة عن ركضها المتسارع.

"أنا شخص خائف دوماً، أخاف من المرض، ومن الألم ومن الفقد، كلما تخيلت أنني قد أفقد أحد الأشخاص المقربين لي أبكي بشدة".

توقفت عجلة الحياة عن الركض، وصار علينا جميعاً أن نجلس في بيوتنا لأكثر من 12 ساعة في اليوم، وأن نحصل على إجازة إجبارية يومين في الأسبوع، كانت هذه الأيام نعيماً أقضيه بين الكتب والقهوة والتدخين بلا توقف، نعيم كان مشوباً بالقلق من نفاد المال والتسريح من العمل.

"كان القلق ملازماً لي في كل أيام حياتي وكأنه صديق حميم!"

في فترة الجائحة الأولى انتهيت من الرواية، كتبت مقالات كثيرة، ارتاح عمودي الفقري من آلامه، زادت راحتي في العزلة وتأقلمت مع الوحدة وأدمنتها.

طوال سنوات حياتي كنت مجبراً علی الوحدة، حتی أتی هذا الوقت لأكتشف أنني صرت مُحباً لها.

أنا نرجسي

في هذا العام سيتم إصدار عملي الثالث، أول رواية لي، أتمنى أن أنهي دراستي نهائياً هذا العام والاتجاه لدراسة الأدب والنقد والاستمرار في قراءة المزيد من الكتب، كل ما أخشاه أن أتوقف عن الكتابة قبل أن أموت، الكتابة أنقذتني من الضياع، الوحدة، التشرد، والموت.

أنا رجل عادي، أدخن بشراهة، بدأت حياتي تنقلب رأساً على عقب بسبب قرار غير مدروس نهائياً، لم يكن يدفعني سوی الرغبة في إثبات نجاحي فيما أحب حتی لو كل الناس تقول إنني لن أنجح.

لا ألوم أحداً، كانت درجاتي الدراسية في اللغة العربية تحديداً أمراً لا ينبئ بأنني أستطيع كتابة جملة واحدة صحيحة، ولكني الأن أقول لنفسي: انظر، قاعدة جماهيرية داخل كل محافظة في مصر، وخارجها، تكتب ما تحبه، يشيد بك كل من لا تعرفهم إلا من خلال الفضاء الأزرق "فيسبوك"، كل من سخروا منك منذ سنوات قليلة الآن هم أول من يلتقطون الصور معك وأول من يحرصون علی اقتناء أعمالك، عملك الثالث علی وشك الصدور، متابعون يتخطون الثلاثين ألفاً، كل يوم أقول لنفسي لقد فعلتها، في كل الأيام السوداء التي مررت بها كنت أقف أمام المرآة وأقول سوف تفعلها، أنا أثق بك، أنا لست مثل الآخرين.

أنا نرجسي، مهووس بنفسي وأحب ما نجحت في فعله، وسعيد لأنني أنا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد