لم تكن حياة نابليون مثل أي قائد في التاريخ، وبالرغم من إنجازاته العسكرية والسياسية، كونه مثلاً أول من يستحق لقب "سيد أوروبا"، فقد فرض سيطرته على القارة العجوز من فرنسا غرباً إلى روسيا التي خضعت له شرقاً في 1807، وهو القائد الوحيد الذي تمكن من السيطرة على أوروبا كلها منذ الإمبراطورية الرومانية قبل التاريخ، وتشارلز العظيم الملقب بـ"أبو أوروبا"، حتى إن نابليون زاد عليهم بالتحالف مع روسيا والسيطرة عليها، وأسقط الإمبراطورية الرومانية المقدسة، آخر إمبراطوريات العالم القديم، كذلك كان عقلية عسكرية فذة واخترع أسلوب الحرب الحديثة، وتنظيم الجيش، وما زالت نظرياته العسكرية تدرس حتى الآن.
ثم نجح في الهروب من منفاه الأول وعاد إلى باريس منتصراً، وتقلد منصبه كإمبراطور من جديد، وتمكن من إعادة تكوين جيشه، لكن تحالفت أوروبا بأكملها عليه، ونجحت بريطانيا عدوه اللدود أخيراً في التخلص منه فى معركة Waterloo، تاركاً إرثاً تاريخياً عظيماً، لكنه لم ينج من الشائعات والخرافات، وطاردته حتى في حياته، ونجح أعداؤه في تشويه تاريخه بخرافات تحولت مع الوقت إلى بديهيات عن الجنرال العظيم، بعضها لم نسمع عنها، وبعضها ستكون مفاجأة كونها خرافة.
نابليون كان قصيراً
عندما يقال اسم نابليون تتخاطر إلى الأذهان صورة قزم غاضب، يقذف الأوامر مثل المدفع، ويعاني من عقدة نقص بسبب قصر طوله، ويتحول من قائد عظيم إلى أضحوكة، حتى إن مصطلح "عقدة نابليون" ينص على أن الرجال القصيرين يعوضون إحساسهم بالنقص عن طريق العدوانية وسوء معاملة الآخرين، مخلداً صورة نابليون الرجل القصير الغاضب، لكنها في الحقيقة خرافة. في الحقيقة طول نابليون 168:169سم، أو حتى 170سم، ما يعتبر أقصر قليلاً من متوسط طول الرجال بتلك الفترة، ولم يكن يعاني من أي عقدة قصر، فماذا حدث؟
يمكن القول إن البروباغندا البريطانية تسببت بانتشار تلك الخرافة، حيث اشتدت العداوة بين بريطانيا وفرنسا ووصلت لذروتها، حيث كانت بريطانيا الدولة الوحيدة التي صمدت في وجه نابليون، ولم ينجح قط بالانتصار عليها، حتى إنه باع ولاية أريزونا للدولة الأمريكية الجديدة، وتحالف مع إسبانيا، لبناء أسطول قوي يهزم بريطانيا، لكنه هزم أيضاً في معركة جبل طارق في 1805، فبدأ رسام كاريكاتوري إنجليزي يسمى "جايمس جيلراي" في عمل رسومات يسخر بها من نابليون، ويصوره رجلاً قصيراً غاضباً، من أهمها رسمة مع رئيس وزراء بريطانيا، يظهر فيها نابليون بنصف حجم رئيس الوزراء.
ما يثبت تحيز الرسام الإنجليزي أن أول رسمة قام بها لنابليون صورته كقائد ضخم ممسكاً سيفه بقوة، ثم بدأ في السخرية منه بعدها، مما يعكس خوف بريطانيا من نابليون، حيث قاموا بالسخرية منه من أجل إخفاء رعبهم منه، حتى إن نابليون قبل وفاته قال عن الرسام الإنجليزي: "لقد قام بأكثر مما قامت به جيوش أوروبا كلها من أجل إسقاطي!".
ما ساهم أيضاً في انتشار الخرافة أن نابليون كان معروفاً داخل الجيش الفرنسي بـ"Le Petit Corporal" أو القائد الصغير، لكن اللقب لم يكن سخرية أو تقليلاً، بل حباً وتقديراً من جنوده، بسبب سنه الصغيرة وشكله الوسيم، ولأنه كان يحسن للجنود والضباط الصغار. وأيضاً كان يقف دائماً بين الحرس الإمبراطوري، فكان يظهر قصيراً بين فرسان ضخام أقوياء يشبهون الحراس الشخصيين حالياً (bodyguards).
لكن الأهم أنه عندما تم قياس طوله بعد وفاته، تم احتسابه بالإنش الفرنسي الذي كان أطول من الإنش المعتاد وقتها، فحدث خطأ في الحساب، ووجدت الخرافة ما يؤكدها حتى تدارك المؤرخون خطأهم، ومع ذلك ظلت الخرافة كما هي.
نابليون اعتنق الإسلام
يقال إن نابليون اتفق مع مفتي مصر ورجال الأزهر على اعتناق الإسلام، وإنه دخل الهرم الأكبر بصحبة الشيوخ والأئمة، وردد "الله أكبر، لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وكان يردد القرآن وأحب الدين الإسلامي، وقال إن الإسلام الأفضل من بين باقي الأديان، لكن في الحقيقة هذا لم يحدث.
مع وصول الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون في 1798، أراد نابليون كسب تعاطف وتأييد المصريين، وبواقع خبرته في احتلال الدول، علم أن المحافظة على مستعمرة مصر لن تكون سهلة، خاصة أن المصريين كانوا متدينين. ولن يقبلوا بحاكم من دين آخر، فكان لزاماً عليه أن يكسب ود الشعب ويخدع كبار الشخصيات والشيوخ، لأنهم مفتاح السيطرة على العامة، فنشر بنفسه تلك الأسطورة، وأعلن بالفعل نيته أن يدخل الإسلام، لكنه لم يفعل قط.
لم يدخل نابليون الهرم قط، حتى إن هناك أسطورة أخرى تقول إنه دخل الهرم، وخرج مصدوماً ولم يخبر أحداً قط بما رأى في الداخل، لكن هذا أيضاً لم يحدث، عندما استكشف الفرنسيون الهرم، دخل كشافة من الجيش ولم يجدوا أي كنوز أو شيء مثير للاهتمام، فتركه نابليون ولم يعر الأهرامات اهتماماً.
ولو كان نابليون قد اعتنق الإسلام حقاً، هل يعقل أنه هاجم الجامع الأزهر ودخله بالخيول، ودنس المصاحف رداً على إعلان السلطان العثماني الجهاد ضد الحملة الفرنسية، لا يعقل طبعاً، أو لو كان اعتنق الإسلام وجيشه، لكانوا قد امتنعوا عن الخمر والزنا والاغتصاب، لكن ذلك لم يحدث أيضاً.
نابليون دمر أنف أبوالهول
من النظريات الشهيرة والمتوافق عليها عالمياً أن الحملة الفرنسية تسببت بتشويه تمثال أبوالهول، حيث استخدمه جنود نابليون للتدريب على استخدام الأسلحة والقذائف، بدون أي دليل على ذلك.
لكن في الحقيقة أن في رسمة للمستكشف الدنماركي Frederic Louis Norden، من عام 1737 وظهرت في 1755، أي أكثر من 60 عاماً قبل وصول نابليون، تظهر الرسمة أبوالهول بدون أنف، وكذلك ذكر المقريزي أن أبوالهول كان بدون أنف منذ القرن الـ15، منذ عهد الفاطميين، قبل وصول نابليون بقرون.
نابليون كان يخاف القطط
يعتقد الكثيرون ومنهم حتى المؤرخون أن الإمبراطور الفرنسي كان يخاف القطط، أو ما يسمى Ailurophobia، بالفعل هناك نابليون الذي كان يخاف القطط، لكن ليس نابليون بونابرت القائد العظيم، لكن ابن شقيقه نابليون الثالث، الذي حكم كرئيس فرنسا في 1848، ثم إمبراطور 1852، بينما نابليون الأول توفي في 1821.
نابليون هرب من منفاه الأخير
بعد أن تمكن الداهية الفرنسي من الهروب من منفاه الأول في جزيرة Elba الإيطالية، والعودة إلى فرنسا وتقلد منصبه من جديد في 1815، وشن الحرب مجدداً، رأى الحلفاء ضرورة إرساله إلى منفى أبعد بعد هزيمته مرة أخرى في نفس العام، وتم نفيه هذه المرة في جزيرة Saint Helena في المحيط الأطلنطي، حيث كانت مثواه الأخير حتى وفاته في 1821.
انتشرت الأسطورة أن نابليون بالفعل تمكن من الهرب مرة أخرى، وذهب إلى أمريكا بعيداً عن أيدي بريطانيا، وعاش مكانه شبيه له، الذي من المفترض أنه اختفى فجأة من قريته بفرنسا بعد زيارة من أحد قادة نابليون، ومن المفترض أن ضابطاً فرنسياً ذكر هذا في مذكراته في 1840، لكن لا وجود حالياً لتلك المذكرات ولا أي دليل على هروب نابليون فعلاً.
نابليون مات مسموماً
منذ وفاة نابليون في منفاه عام 1821، وشائعات تسميمه لا تتوقف، وبلغت أوجها في 1961، حيث ادعى طبيب سويدي أن نابليون تم تسميمه بالزرنيخ، للتخلص منه تماماً.
لكن دراسة علمية واسعة في 2007، اشترك فيها باحثون من أمريكا وسويسرا وكندا، استخدموا أساليب حديثة لتحليل وفاة القائد الفرنسي، وأكدوا أنه مات بسبب سرطان في المعدة كما أعلن الأطباء قديماً.
الإنجليز تخلصوا من جثمان نابليون
استمراراً مع خرافة تسميم نابليون، يشاع أن الإنجليز أرادوا إخفاء أي أدلة على قتل نابليون، فقاموا بالتخلص من جثته، ودفنوا بدلاً منه خادمه وصديقه منذ الطفولة، لتفادي أي محاولة لنبش القبر والكشف على الجثة. يدعي أصحاب النظرية أن ملامح الجثمان تختلف عن الشكل المعروف لنابليون من الصور والتماثيل، وأن قناع الموت الذي دُفن به نابليون تم تغييره ووضع آخر يشبه خادمه، مما يدل على تبديل الجثة فعلاً، وادعاءات أخرى عن ملابسه والنياشين وغيرها من مظاهر الجثة.
لكن معظم هذه الشائعات تم الرد عليها، وعندما تم نبش الجثمان لأول مرة من المنفى ليتم نقله إلى فرنسا، حضر أطباء نابليون وشهود من فرنسا وبريطانيا وتعرفوا عليه، ورغم ذلك لا تزال النظرية قائمة ويرفض الكثيرون تكذيبها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.