رحلة من الصعاب والمعاناة.. كيف علمت أولادي اللغة العربية في ألمانيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/31 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/31 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش

لم أتخيل يوماً أن تعلم أبنائي للعربية سيكون صعباً لهذا الحد، أو أن يكونوا يوماً من غير الناطقين بها، إلا أن هذا ما حدث، أنظر إلى مكتبتي الصغيرة إلى كتب الرافعي والعقاد وقطب، لم أتخيل ألا يرث كتبي أحد من أولادي وأن يروا المكتوب في تلك الكتب طلاسم بالنسبة لهم، حاولت مراراً وتكراراً أن نتعلم العربية، نجحت فقط في أن يتحدثوا إلى حد ما اللهجة المصرية في البيت، إلا أن تعلم القراءة والكتابة كان ومازال شاقاً جداً.

بدأت تجربتنا في أحد مساجد باريس، مدرسة عربية في العطلة الأسبوعية كما المعتاد بين الجاليات العربية في أوروبا، كان ابني يذهب كل مرة كرهاً حتى انقطع تماماً، نبدأ كل عام بالحروف وأشكالها في أول الكلمات ووسطها وآخرها وأصواتها ونعاود الكرة كل عام، ولأنه لم يكن هناك بديل وقتها، إذ لم يكن يستجيب لي في تعلم العربية في  ذلك الوقت، ولأنه كانت وجهة نظرنا وقتها أن مدرسة المسجد تربطه بالمسجد وبالأطفال هناك، لكن ما حدث هو العكس تماماً، كره اللغة والمسجد ولم يتعلم شيئاً، ثم تكرر الأمر نفسه في مسجد عربي آخر في إحدى المدن الألمانية، حتى قررت تسجيل أبنائي الثلاثة في إحدى المدارس العربية  المنفصلة عن المسجد فهي تشبه المدرسة النظامية، نعم ليوم واحد في العطلة الأسبوعية، لكن كانت المدرسة تتبع منهجاً تعليمياً واضحاً، ومتابعة جادة من المعلمات، ولو كان هناك شيء واحد مميز في تلك المدرسة الجميلة فهو الصف التمهيدي الأول وكيف يستقبل الأطفال ويتعرفون على اللغة العربية، التعرف الذي يجعلهم يحبون اللغة والمدرسة والمعلمة ويصبح يوم المدرسة يوم ترفيه محبباً لهم.

في رأيي الشخصي يعتبر التعارف الأول للطفل مع اللغة هو الأهم في رحلة التعلم، فعندما يتعرف إلى اللغة بشكل مرح ومحبب إلى قلبه وممنهج يرغب الطفل في التعلم، والرغبة في رأيي هي مفتاح التعلم. 

إذا كانت هناك إمكانية لتعلم اللغة العربية بعيداً عن المسجد وفي مركز ثقافي أو مدرسة لغة فلا تترددوا في تسجيل أبنائكم فيها، أعلم أن كثيرين يستغربون هذا الرأي مني، لكن بعد تجربة طويلة مع ثلاثة أطفال لهم شخصيات ومهارات مختلفة وصلت لتلك الرأي، وذلك لأنه مع الأسف معظم المساجد العربية تستخدم كتباً ومناهج عقيمة، لا تصلح أبداً لأطفال يعيشون في الغرب، لا تتناسب الرسومات وشكل الكتب وتنسيقها معهم، وأهم من الكتب هو وجود رؤية للمدرسة وأهداف مرحلية قابلة للقياس والتقييم والتقويم. ربما تكون هناك مدارس جيدة في المساجد العربية طبعاً، ولكن الأغلب ليس كذلك. في مدرسة الرواد التي يذهب إليها أبنائي يتعلمون من سلسلة كتب قرطبة وهي سلسلة جميلة وسلسلة، بينما في المدرسة التركية للقرآن وهي مدرسة ملحقة بأحد المساجد التركية يستخدمون كتاباً لطيفاً ساعد أبنائي على البدء في قراءة القرآن من المصحف. 

طريقة العشرين دقيقة

كان يؤلمني جداً أن أبنائي متأخرون عن أقرانهم في القراءة بالعربية، ويحز في نفسي كثيراً أنهم لا يقرأون من المصحف،  بعد محاولات عديدة قررت استخدام طريقة العشرين دقيقة فما هي؟ عندما انتقلت ابنتي إلى المدرسة الألمانية في السادسة من عمرها، وفي اجتماع الآباء نصحتنا المعلمة بالمواظبة على القراءة يومياً عشرين دقيقة فقط لاغير، لكن الشرط المهم للتقدم أن تكون يومياً. لم أفهم وقتها لماذا لكنني اتبعتها مع ابنتي في تعلم القراءة فقد كانت اللغة الألمانية هي اللغة الأولى التي تقرأها. بعد فترة زاد عدد الصفحات التي تقرأها في نفس المدة الزمنية وبالتالي تشعر بالإنجاز وترغب في القراءة أكثر وبسرعة أكثر. استخدمت تلك الطريقة مع أولادي في القراءة بالعربية وكانت النتيجة مثمرة حتى لو بدت بطيئة، لكن قليل دائم خير من كثير منقطع. 

مشروع الختمة الأولى

ذات مساء أحضر ابني واجب التربية الدينية وطلب مني المساعدة وكان عليه استخراج بعض النصوص من أحد الكتب السماوية الأخرى، وساعدتنا صديقة في حله حينها، في الوقت الذي لا يستطيع قراءة القرآن ولا استخراج آيات منه، صادفت في اليوم نفسه منشوراً على أحد مواقع التواصل الاجتماعي أن الأطفال المسلمين في إحدى الدول الآسيوية -لا أذكر تحديداً أو دولة- عندما يتعلمون الهجاء يبدأون بختم القرآن حتى لو استغرق الأمر منهم سنوات، وعندما يختم الطفل القرآن ينظمون له حفلة كبيرة، فكرت في تلك الفكرة، ووجدت لها جوانب إيجابية عديدة: 

1- قراءة القرآن الكريم بالعربية وفهمه تعتبر الحد الأدنى من تطلعاتنا كوالدين لأبنائنا في الغرب.

2- المصحف حروفه عليها حركات التشكيل وذلك أسهل لمن هو مبتدئ في القراءة.

3- القراءة من المصحف يمكن قياس الإنجاز بها بشيء ملموس (ربع الحزب – الحزب – الجزء – السورة) وجعلت مكافأة لكل تقدم. 

4- القرآن الكريم مليء بالقصص والحكايات التي يمكننا جعل القراءة به ممتعة للأطفال. 

كيف يمكنكم بدء الختمة الأولى مع أبنائكم؟ 

مازالت تجربتنا قيد التنفيذ ورغم أني أرفض تماماً الكتابة عن تجربة قبل الانتهاء منها فإني آمل أن تصبح الختمة القرآنية الأولى عادة من عادات مجتمعنا.. هذا ما فعلته تحديداً. 

قبل بداية الختمة استخدمنا كتاباً يستخدم في مدرسة القرآن التركية، الذي أرفقت صورته وكان هذا ملازماً لدروس المدرسة العربية، راجعنا الحروف وصورها في أول الكلمة ووسطها وآخرها، ثم علامات التشكيل. 

  • في الكتاب كتبت معظم الكلمات التي تستخدم بشكل مكرر في القرآن مثل: الله، الذين، ءامنوا، لكن، من، كفروا، وغيرها.
  • بدأنا القراءة باستخدام طريقة العشرين دقيقة، في البداية وأعني البداية من شهر – لثلاثة أشهر ربما تمضي العشرون دقيقة في آية واحدة أو آيتين، لكن لا داعي للإحباط المهم هو المداومة اليومية، سيتحسن الأمر.
  •  بعد كل ربع في الجزء الأول يحصل الطفل على جائزة صغيرة وجائزة كبيرة بعد الجزء الأول، ونهاية كل جزء لاحقاً.
  •  في الخمسة أجزاء الأولى ركزت فقط على القراءة، قراءة الكلمات صحيحة وفقط، لا أعلق مطلقاً على أحكام التلاوة أو التجويد.
  •  بداية من الجزء السادس أدخل قاعدة واحدة فقط من قواعد التلاوة ولا ننتقل لغيرها حتى نتقنها تماماً. 
  •  أثناء القراءة نحكي القصص التي تقابلنا، ساعدنا هذا كثيراً في المقارنة بين القصص الموجودة في القرآن وغيرها من الكتب وتشابه بعضها، ما كان يساعد أبنائي في حصص الدين في المدرسة، فيخبرون زملاءهم أن تلك القصة موجودة في القرآن أيضاً وكان يعزز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على النقد والحوار. 
  • إذا كان لديكم أكثر من طفل فلا داعي أبداً للمقارنة، فربما يسبق الصغير الكبير لكن أخبروهم أن كل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها، وأنه كما قال النبي ﷺ: الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجره مرتين. متفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها. 

نعم، ما زلنا في البدايات حتى أكتب عن التجربة بشكل كامل، إلا أنها حقاً جميلة وعملية ومبشرة، تختلف من طفل لآخر، لكنها تستحق أن تكون مشروعاً للأطفال في كل بيت.

التعلم بالهوايات

لنتعلم اللغة علينا أن نجيد أربع مهارات: الاستماع والتحدث والقراءة (فهم النصوص) والكتابة (إنتاج النصوص). هدف واضح لدي منذ البداية أن يستطيع أطفالي التحدث مع أهلهم في مصر بشكل سلس، وهذا ما فعلته لتحقيق ذلك الهدف!

ابنتي الوسطى تخاف من التحدث بالعربية أمام أي غريب لأن لديها لكنة في كلامها يسخر منها بعض الناس، إلا أنها تحب الطبخ والرسم، جاءتني فكرة أن أجعلها تشاهد مقاطع الفيديو الخاصة بالطبخ باللهجة المصرية وأن تتحدث مع جدتها لمعرفة وصفات جديدة، ثم تقوم بعمل فيديو صغير باللغة الألمانية لزملائها في المدرسة.

في الرسم أيضاً عرفتها على صديقة لطيفةً تعلمها الرسم وفي نفس الوقت تستخدمان اللغة العربية في التواصل، في رأيي أن تعلم اللغة بالممارسة وبتقنية الغمر (أن يوضع الطفل أو الشخص في وسط لا يتحدث إلا تلك اللغة) من أنجح التقنيات، تعلمت الفرنسية بتلك الطريقة وكان عمري ٢٥ عاماً وقتها، وتعلم أبنائي الألمانية والفرنسية بنفس التقنية. لذلك أربط ابنتي مع أشخاص لا يتحدثون الألمانية فهي لغتها الأولى حتى تضطر للحديث بالعربية معهم.

حاولت في السطور السابقة، سرد تجربة زاد عمرها عن الثماني سنوات، هي ثلاث تجارب مختلفة لثلاثة أطفال، حقاً تعلم العربية تحد كبير يواجه الأسر المقيمة في دول غير ناطقة بالعربية، كل ما حاولت فعله أن تكون رحلة التحدي ممتعة. 

تجدون هنا نماذج الكتب التي استخدمتها مع أولادي.

كتاب المدرسة التركية للقرآن

* أحد كتب سلسلة قرطبة التي تبدأ بكتاب التمهيدي الأول لسن ٤-٥ سنوات 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء بركات
طبيبة أسنان مقيمة في ألمانيا
أسماء بركات، أم لثلاثة أطفال، طبيبة أسنان، مدونة ومهتمة بحالة حقوق الإنسان والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وصعوبات التعلم، مقيمة في ألمانيا.
تحميل المزيد