تحتاج قراءة الكتب العلمية إلى وقت طويل أكثر من غيرها، وتتطلب جهداً وتركيزاً كبيراً لفهم المعلومات وحفظها والربط بينها وتجميعها واستيعابها. كما أن قراءتها للاطلاع تختلف عن دراستها وتمحيصها، وكلاهما كأنك تصنع منحوتة صخرية، مختلفة التفاصيل.
من وجهة نظري الشخصية لا أعتقد أن أحداً يقرأ في الكتب العلمية إلا إذا كان متخصصاً ومجبراً على قراءتها، فهي ثقيلة بمعلوماتها ومزدحمة بالتجارب والمصطلحات والأسماء العلمية التي يصعب على العقل هضمها سريعاً.
إذا كنت طالب تخصص علمي فإنك تتنقل بين الكتب العلمية كالمسافر خلال سنوات الدراسة وبين ما تحبه وما تستثقله فرق كبير. فإذا أحببت الكتاب كان سلساً ممتعاً وتمر به كرحلة ممتعة لا تشعر معها بالوقت، ولكن إذا لم تحبه ستحتاج إلى أحد يسير معك في ثنياته، ولربما تتركه من الصفحات الأولى فيه.
قراءة الكتب العلمية تحتاج إلى ذكاء خاص، الذكاء في اختيار نوعية الكتاب وأسلوب المؤلف وتحري مصداقية المعلومات المقدمة في كتابه ودقتها، واختيار الموضوع الذي سيتعمق به، والتمييز بين ما يهمك فعلاً وبين ما تمر به مروراً سريعاً من باب المعرفة فقط وما تتجاهله لأنه لا يعنيك.
الكتب العلمية وما يندرج معها من الطبية والفيزيائية والرياضية وعلم الاجتماع وجميع ما يتحدث عن فرع من فروع العلوم، لها سلبياتها وإيجابياتها. فمثلاً، من سلبيات الكتب الطبية التي تتحدث عن الأمراض والأدوية، "وهْم المرض" فترى بعض الأشخاص إذا قرأ عن مرض ما استشعر أعراض المرض وأصبح كأنه يعاني منه. ومن السلبيات أيضاً، أن بعض قارئي تلك الكتب يعطي نفسه صلاحية تشخيص أمراض الآخرين، وإذا ما قرأ عن الأدوية يغرق في المضاعفات والأعراض الجانبية فيحجم عن تناول الدواء إذا احتاجه أو يخوف الآخرين من الدواء متغاضياً عن أصول أخذ الدواء والالتزام بالجرعة المناسبة والرجوع لخبرة الطبيب في تشخيص المريض وعلاجه ودور الصيدلاني في وصف الدواء تقييم آثاره الجانبية.
من ناحية أخرى لمحبي هذه الكتب الحق في ذلك، فإن هذه الكتب على جمودها وجفافها تعطيك متعة واقعية وملامسة للحياة التي نعيشها، فهي توسع الخيال العلمي وتعزز مداركه. كما تنمي القدرة على استيعاب الظواهر الطبيعية واستيعاب ماهية الكون، كما أن هذه الكتب لها الدور العظيم في تطور العلم والتكنولوجيا وما لها من الأثر في نهضة المجتمع وتقدمه ورقيه وخلق علماء متخصصين في البحث العلمي وتطوير أدواته للوصول لطريقة عيش أفضل من جميع النواحي. فمثلاً تطور الدواء لعلاج الأمراض وتقديم خدمات صحية للعناية بالمرضى، كذلك هندسة الشوارع والمدن لتكون حضارية ومتقدمة بشكل لافت، وقِس على ذلك أثر هذه الكتب في شتى نواحي الحياة.
هذه الكتب تشعرك كأنك تركض بين حقول القمح تلامس سنابلها وتدور مع النجوم وكأنك جرم في الفلك والمدارات الفضائية، وتتجول في طبقات الأرض وتضاريسها وتفهم سلوكيات الأفراد في المجتمع وتجعل الأرقام رفيقتك تراها في كل خطوة من حياتك. ولتحقيق الفائدة من هذه الكتب عليك التمييز بين كونك قارئ تقرأ للفائدة وبين أن تكون متخصصاً تعمل في المجال الذي تقرأ فيه من أجل تطوير نفسك وبين أن تقرأ للسعي في إثراء مجتمعك وتقديم شيء يصنع الفرق، فمثلاً من غير المعقول أن تكون قراءة عالم في الفلك لكتب الفلك مثل طبيعة قارئ هاو، فالقارئ الهاوي عندما يقدم المعلومة سيقدمها بشكل سطحي أما العالم الفلكي فإنه يكون متعمقاً ويعلم آثار وأبعاد هذه المعلومة.
في النهاية اقرأ وتخصص فيما تجد ميولك تناديك إليه وستحصد ما تصبو إليه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.