مع كثرة ما يشاع عن استجابة تركيا لما يوصف بأنه طلب مصريِّ غير رسميِّ لتعديل السياسة التحريرية لمجموعة قنوات المعارضة المصرية في إسطنبول (مكملين وأخواتها)، بدا أن هنالك سؤالاً مسيطراً على كثيرٍ من الأوساط السياسية الافتراضية المصرية، ومنها وسط المعارضة في تركيا حيال أهمية تلك القنوات.
وحتى بشكل شخصيٍّ، وردني أكثر من سؤال من أصدقاء مهتمين بالشأن المصري على نحو يضمر الشك بأهمية تلك القنوات، في إشارة إلى أنه على الأغلب لا أهمية لها: "وهي القنوات دي ليها لازمة أصلاً؟".
والحقيقة المؤيَّدة بالتواريخ والأدلة أنّ لهذه القنوات "لازمة" وفائدة كبيرة، ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان "تقييدها"، وغلقها إن أمكن، المطلبَ الأبرز لدى النظام المصري كما يشاع في دوائر المعارضة المصرية بالخارج، فيما تتركز مطالب الجانب التركيِّ على ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط. مع الإقرار بكلِّ العيوب الفنية التي بدت في الجانب التحريري لهذه القنوات منذ ظهورها.
ليس المطلب الأول
إظهار السخط الرسميِّ المصريّ على قنوات المعارضة ليس وليدَ اللحظة، وإنما هو باستعارةٍ طبيعية قمة جبل الجليد كما يقولون، حيث تكثف هذا الجليد بالتزامن مع استعداد الجانب التركيِّ للتفاوض مع نظيره المصريِّ، وسط أجواء إقليمية مهيأة لاحتواء أزمات المنطقة مؤقتاً.
ففي مايو/أيار 2018، وأمام حشد ضخمٍ من الكاميرات والحضور وكبار رجال الدولة توعّد الرئيس المصريُّ عبدالفتاح السيسي المصريين العاملين في هذه المحطات الفضائية التي تبث من إسطنبول بالترحيل والمحاسبة في مصر، إذ يعلم النظام أن هذا النوع من المخاوف، الترحيل، أحد أكثر المخاوف ضجيجاً وتأثيراً على نفسية المعارضين الفارّين من سياطه.
وفي مارس/آذار عام 2019، قدّمت 3 منظمات شبه رسمية مقربة من الأوساط الخليجية شكوى رسمية في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، إلى المفوضة السامية للمجلس تحديداً، بخصوص ضرورة تقييد بث قنوات المعارضة المصرية، بذريعة تقديمها مواد مرئية تحثُّ على العنف برعاية الدولة التركية.
وفي الأسابيع الأخيرة، صرّح وزير الخارجية المصري سامح شكري تصريحاً يقول فيه ما معناه إنّ قنوات الإخوان في الخارج صوتها مسموعٌ لدى المواطن المصريِّ في الداخل، وتقدم محتوى نافذاً إلى وجدانه، فيما طالب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي السلطات الفرنسية في حديثه مع صحيفة "لوفيغارو" خلال زيارته الأخيرة لفرنسا بتقييد بثِّ ما يقرب من 6 قنوات تبث محتوى غير مرغوب في نطاقات ترددية متقاطعة مع نطاقات القمر الصناعيِّ الفرنسيِّ.
لماذا كلُّ هذا الاهتمام؟
يتفرع شرح وجهة النظر المصرية من قنوات المعارِضة عن فهم هذه الوجهة من مواضيع أخرى متقاطعة، مثل المعارضة بشكل عام، والموقف من وسائل الإعلام والاتصال، حدودها ووظيفتها وعلاقتها بالنظام الحاكم.
ففي البداية قبل أن يتبلور الجيش المصريُّ حاكماً رسمياً للبلاد بشكل كامل، وقبل أحداث عام 2013، كان السيسي يطمحُ في دور خلفيٍّ من وسائل الإعلام، عبر شراء وتوظيف "أذرع إعلامية" تقدم إلى الرأي العام سرديته بشكل احترافي، ضمن سردياتٍ أخرى منافسة في المجال العام، وهو دورٌ أشبه بالدور الذي تقوم به جماعاتُ الضغط وشركات العلاقات العامة في الخارج.
بمرور الوقت وتسارُع الأحداث، وتنامي وعي النظام في مصر بعد أحداث الثالث من يوليو/تموز 2013، بات الرئيس المصريُّ -في سياق الاستفادة من دروس الهزيمة التي تعرّضت لها كثير من الأنظمة في الربيع العربي- يدرك أولاً دور الإعلام في رفع الأحداث، وبالأخصّ بعد الدور الذي لعبته قناة الجزيرة في هذه الفترة.
ويدركُ أهمية الإعلام في صناعة الحدث وإخراجه، كما كانت الحال في مظاهرات الـ30 من يونيو/حزيران، التي يشاع أنه أخرجها مخرجون مشهورون بالتعاون مع جهاز الشؤون المعنوية، مع ما يتردد عن توصله (السيسي) إلى قناعةٍ بضرورة أن يحتكر النظام المصري تقديم السردية السياسية عن الوضع العام في البلاد، وأن يكتم أصوات أيِّ سرديات أخرى، سواء من موقع المعارضة السياسية الحركيِّ في الشارع، أو من وسائل الإعلام والاتصال المضادة.
في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة سبتمبر/أيلول 2019، كثّف السيسي وجهة النظر تلك التي بات يعتنقها حيال ضرورة توحيد الأصوات السياسية في البلاد، في سرديةٍ واحدة تُسوِّي بين الرئيس والدولةِ والوطن والجيش في كيانٍ واحد، ولا تسمحُ بأيِّ سردياتٍ أخرى منافسة، فقال ما معناه إنه ينبغي على المواطن أن يحترم كافة مؤسسات الدولة، ولا يقبل التشكيك فيها، بدايةً من أصغر وحدة محلية حتى مؤسسة الرئاسة.
وفي مناسبة أخرى مشهورة تعكس تفطنه إلى ضرورة سيادة سرديةٍ واحدة عن الوضع العام في البلاد، قاطعَ السيسي رئيس الهيئة الهندسية للجيش إيهاب الفار عندما قال: ميدان رابعة إشارة إلى الموقع الجغرافيِّ الموجود في مدينة نصر أثناء الحديث عن مشروعات الكباري التي تقام في شرق القاهرة لتسهيل الانتقال للعاصمة الإدارية، فصححهُ: ميدان هشام بركات. فلا صوتَ يعلو على أو ينافس أو يجاور سردياتِ النظام.
وفي كلِّ المناسبات العامة تقريباً، يبدي السيسي اهتماماً كبيراً وتفطناً لعلم النفس السياسيِّ، ودور وسائل الإعلام في التأثير على الوعي واللاوعي الخاص بالجمهور، وكيفية صناعة المشهد، بدايةً من اهتمامه المتكرر بمشهد قيادة الدراجة أمام حشدٍ من الدراجات الحكومية فجراً، بما يعكسُ اختلافه الإيجابيَّ عن النظام الأسبق، نظام مبارك، حيث كانت إحدى أبرز المآخذ على مبارك في الأعوام الأخيرة من حكمه هي عدم قدرته على متابعة شؤون البلاد، بسبب تردي وضعه الصحيّ، وصولاً إلى متابعة "تريندات" و"كوميكس" السوشيال ميديا.
من أجل ذلك، احتكار تقديم السردية ومنع أيِّ سرديات مقابلة، ورفض فكرة وجود معارضة من الأساس، وإدراك خطورة وسائل الإعلام والاتصال؛ عمل النظام المصري على تأميم ملكية الإعلام الخاصّ في مصر، والاستحواذ على معظم القنوات المملوكة لرجال الأعمال، والتي كانت تمتلكُ سياسة تحريرية أكثر اتساعاً من الإعلام الرسميِّ، وضمَّ هذه القنوات في باقةٍ واحدةٍ مملوكة لإحدى الشركات المقربة من جهاز المخابرات العامة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تأميمه مؤخراً إحدى الصحف المصرية التي كانت تقدم محتوى مغايراً لوسائل إعلام النظام، وهي صحيفة "المصري اليوم".
كما دخلَ النظام المصري بقوةٍ إلى مجال "الإنتاج الدراميّ" من خلال إحدى الشركات التي يقال أنها مقربة من جهاز المخابرات المصرية "سينيرجي"، كي يتحكمَ في الرسائل الفنية المقدمة إلى الجمهور، ويؤكدُ سرديتَه السياسية التي يروجها عن مسار الأحداث في البلاد، ولعلَّ موسم رمضان القادم هو الموسم الذي ستتكثف خلاله هذه السيطرة من خلال كمٍّ كبير من الأعمال الدرامية التي تقع في منطقة وسيطة بين "الأكشن" والسياسة.
وبخطواتٍ متراكمة، استطاع نظام عبدالفتاح السيسي أن يدخل إلى حقل "وسائل الاتصال" الافتراضيِّ من خلال حجب عشرات المواقع المعارضة، وحجب تطبيقات النفاذ إلى هذه المواقع (VPN)، لتحقيق غاية محو أيِّ سردية مقابلة عن الوضع العام في البلاد.
وحلَّ محل هذا الفراغ المحتوى المنتَجُ من قبل شركات صناعة الرأي العام الوهميّ (اللجان الإلكترونية)، حيث قالت شركة "فيسبوك" أكثر من مرة إنها أغلقت آلاف حسابات صناعة الرأي العام الوهمي المدارة من شركات مقربة من النظام المصريِّ. بالإضافة إلى المحتوى الجديد والبرَّاق شكلاً، الفارغ مضموناً، والذي يعيد تقديم نفس سردياته السياسة، عبر شباب لامع من خريجي الأكاديمية الوطنية للتدريب وبرنامج تأهيل الشباب للقيادة ومنتدى الشباب.
تعمق النظام في مصر بالعمل في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بات قادراً على صناعة "التريندات" كما حدث مع "سيدة القطار" وغيرها من "التريندات" المشابهة، وأكثر قابليةً لمجاراتها كما يحدثُ في استظهاره القدرة على التحرك الميدانيِّ السريع في قضايا الرأي العام، على نحو ما حدث في تحرك الداخلية في قضية الطفلة المتحرش بها، وصولاً إلى دخوله دهاليز تطبيقات تدوير المحتوى الاستعراضي الترفيهي الخاصة بالمراهقين، تيك توك.
وفي نفس الوقت، حرص النظام في مصر على التشكيك في أيِّ سرديةٍ مقابلة لسردياته على مواقع التواصل الاجتماعيِّ، من خلال خطواتٍ متتابعة تستهدفُ التأثير المتراكم على اللاوعي الجمعيِّ، على نحو إنتاجه مقطعاً مزوراً عن مشكلات إسكان الشباب، سبتمبر/أيلول 2019 في الندوة التثقيفية للجيش، ثم استفاضَ في شرح كيفية إنتاج هذا المقطع وإخراجه، للإشارة إلى أنّ تشويه منجزات الدولة مثل مشروعات الإسكان هدفٌ سهل للأصوات والجماعات الشريرة المعارضة، وأنّ إنتاج مثل هذه المقاطع غير الدقيقة عملٌ ممكن، ثمّ بإخراجه مظاهرةً غير حقيقية، وتصوير عملية هذا الإخراج، وإرسالها إلى قنوات المعارضة، لضرب مصداقيتها سبتمبر/أيلول الماضي.
ولم يكتفِ النظام في مصر بتأميم ملكية الإعلام الخاصّ، بل عمل على السيطرة على "المحتوى" المقدم في هذه القنوات، للتأكد من مركزية تدفق سرديته إلى شرايين كلِّ المحطات بشكل متزامن، ومنها إلى اللاوعي الجمعيّ، وذلك من خلال استحداث وظيفة ضابط الاتصال بالرئاسة (أحمد شعبان) وتوحيد الرسائل الإعلامية من خلال مجموعات "واتساب" وأجهزة "سامسونغ".
ولعلّ ما كشفه موقع "المنصة" عن استباق النظام التهدئةَ مع تركيا من خلال أوامر بمنع التعرض السلبيِّ إليها، قبل أن يتردد في الأرجاء ما يقال أنه طلب السلطات التركية من قنوات المعارضة تخفيض سقف السياسة التحريرية بـ3 أيام، دليل عملي على هذه السياسة، التي لا تكتفي بالملكية فقط، بل تسعى إلى التأكد من توحيد الرسائل الإعلامية.
ويبدو أن النظام المصري يخططُ، في ظلِّ نجاحه النسبيِّ في تحييد السرديات المنافسة على مواقع التواصل الاجتماعيِّ، ونجاحه الكليِّ في إحكام الملكية وتوجيه المحتوى في الشاشات (الميديا التقليدية)، لتدشين إمبراطوريةٍ جديدةٍ للإعلام، تعمل جنباً إلى جنب مع مدينة الإنتاج الإعلاميِّ، في العاصمة الإدارية الجديدة، لرفعِ سردياتهِ الاجتماعية والسياسية، وتقديمها في أفضل شكل احترافيٍّ ممكن، على غرار المحطات المشابهة في المنطقة العربية.
ما قدّمته قنوات المعارضة
لك أن تتخيل أنه بالرغم من هذا المستوى من الهيمنة الذي قلّ مثيله في العالم المعاصر بأكمله، فإن الدوائر المقربة من الرئيس المصري ليست راضيةً حتى الآن عن أداء الإعلام المصريِّ، لا لتردي حاله، ولكن لخروج بعض الأصوات عن حالة الاصطفاف، وعدم اتسام بعض المؤسسات والشخصيات الإعلامية بالتعبوية الملائمة لحالة الحرب التي تعيشها البلاد على حدِّ قوله.
وفي ظلِّ ذلك المناخ الذي تتبارى أطرافه في الانسحاق أمام سرديّة النظام، قدمت قنوات المعارضة المصرية في الخارج (تركيا) 3 أدوار رئيسية، ساهمتْ في تشكل هذه الحالة من الغضب الرسميِّ تجاهها، ومحاولة تقييد آفاق عملها بشتى الطرق الممكنة:
أولاً، الحفاظ على ونشر السردية المقابلة لسردية النظام، بدايةً من قراءة أحداث الثالث من يوليو/تموز 2013، باعتبارها انقلاباً عسكرياً وليس استجابةً لثورةٍ شعبية، والتعاطي مع أحداث العنف في سيناء على أنها محاولةٌ رسمية لإخماد تمرد مسلح وليس إرهاباً إسلامياً، وحتى محطات وقضايا غاية في الأهمية من عمر الوطن مثل بيع تيران وصنافير ومباركة التطبيع مع الاحتلال، إلى نشر انتهاكات النظام في مجال الحريات السياسية والمدنية، بدلاً من تجاهلها أو تبريرها كما يفعل الإعلام المدعوم من النظام.
ثانياً، وفي نفس الوقت، ساهمت قنوات المعارضة تلك في تمثيل "المعارضة" المصرية بشقها الإسلاميِّ، وهو دور وإن لم يكن مطلوباً منها باعتبار أنّ وظيفتها الرئيسية هي "الإعلام" فقط، إلا أنه مفهوم، في ظلِّ غلق كلِّ منافذ المعارضة السلميَّة في الداخل المصريِّ، وغياب كثير من أشكال المعارضة السلمية الممكنة عن ذهن قيادات الخارج، كالتوثيق المنهجيِّ المستمرِّ لجرائم النظام الحقوقيّة، ومسار الملاحقات القضائية في الخارج، وغيرها من أنماط المعارضة الممكنة.
ثالثاً، أنّ قنوات المعارضة استطاعت أن تكونَ منصةً حقيقيةً لإزعاج النظام السياسي في مصر، بل والتفوق عليه، إن جاز التعبير، في بعض الجولات مثل جولة التسريبات التي استطاعت الحصول عليها من قلب أقبية النظام، ونشرها، بما كشف انهيارَ العقد الاجتماعيِّ في طريقة إدارة المجتمع وحكمه، وصراع الأجنحة بين عدد من الأجهزة داخل النظام، والانحطاط الأخلاقيِّ لمعظم القائمين على إدارة مصالح هذا الوطن، وطريقة التعاطي مع ملفاتٍ كثيرة مهمة مثل العلاقة مع الخليج والموقف من الثوابت الكبرى كالقدس والقضية الفلسطينية، وتوثيق جرائم القلّة الحاكمة بما يمكن اعتباره دلائل إدانة للمستقبل.
رابعاً، تمثيل الشريحة الأعظم من المجتمع، إذا تعاطينا مع المجتمع من منظور اقتصاديٍّ/ ثقافيٍّ، طبقة الغلابة، التي يتجاهل النظام همومها ويزيد من أوجاعها بالضرائب وإلغاء الدعم ورفع الأسعار، ومحاولة تثويرها (اطمِّن انت مش لوحدك) أو تغطية ثوراتها بعد غلق منصة "الجزيرة مباشر مصر" في أوقاتٍ فارقة مثل مظاهرات سبتمبر/أيلول، في العامين الماضيين.
وقد استطاعت قنوات المعارضة، قليلة العدد، ضعيفة التمويل، بسيطة الخبرة، منافسةَ الإعلام الرسميِّ الذي يغرِّد كلُّه في نفس السِّرب، إلى حدّ تصنيف شركة "إبسوس" العالمية لدراسة نسب مشاهدة الفضائيات قناة "مكملين" من ضمن القنوات المصرية الأعلى مشاهدة شهر رمضان عام 2016، وقناة الشرق ضمن الأعلى مشاهدة شهر رمضان عام 2017.
كما وصل عدد مشتركي قناة "مكملين" على يوتيوب لنحو مليون ونصف المليون مشترك، فيما وصل عدد مشتركي قناة "الشرق" نحو 2 مليون ونصف المليون مشترك، وهي أرقام هائلة، قياساً على حداثة العهد بالإعلام، وحداثة التأسيس، وقلة المحتوى المقدم، فهذه القنوات لا تقدم أي محتوى دراميٍّ أو رياضيٍّ أو دينيٍّ تقريباً، وتقوم على عدد قليل من البرامج ذات المحتوى السياسيّ، ولكنها استطاعت أن تضع نفسها في موضع ندية مع القنوات المصرية بسبب توافر شيء بسيط من الشروط الموضوعية، كالطلب على المحتوى.
الخُلاصة
ما يقال أنه طلب غير رسميّ مقدم من النظام المصريِّ إلى الإدارة التركية بخصوص تقييد المجال أمام قنوات المعارضة في إسطنبول لم يأتِ من فراغ، وإنما يندرجُ في سياق جهود النظام المصريِّ لمحو أيِّ سرديات مقابلة لسردياته عن السِّياسة والمجتمع، منذ يوليو/تموز 2013، كما يعكسُ الأدوار الإيجابية، والصحية، المتعددة التي كانت تؤديها هذه المحطات، والتي لم تكن تروق للنظام المصري.
على قنوات المعارضة ملاحظاتٌ فنية كثيرة، استفاض العديد من المتخصصين في شرحها في سياقاتٍ مختلفة، لكن من الضروري ألا تستخدم هذه الملاحظات للنيل من مجهودٍ وتجربة واعدة، اختمرت في ظروفٍ قاسية للغاية منذ 7 أعوام تقريباً، فمعظم القائمين والعاملين بهذه القنوات صودرت أموالهم واعتقل أقاربهم وموضوعون على قوائم ترقب الوصول، وبعضهم عمل مدداً طويلة بلا رواتب بسبب ضعف التمويل.
من الواضح من ردَّاتِ الفعل تجاه التقارب الدبلوماسي بين مصر وتركيا، أنّ القائمين عليها قد يفكرون في مساحات عمل جديدة، بعيداً عن تركيا، اتساقاً مع رغبتهم في رفع الحرج عن الجانب التركيّ الذي فتح لهم الأبواب مُدداً طويلة، وهو نهجٌ محمود، ومضمونة مكاسبه، لأنّ الشروط الموضوعية لنجاح قنوات المعارضة مازالت موجودة، فشريحةٌ معتبرة من المجتمع المصري والعربي تتشوَّفُ لأيِّ أصواتٍ تغرد خارج سرب مداهنة النظام.
من الضروريِّ أن تحافظَ قنوات المعارضة على كوادرها البشرية التي اكتسب خبراتٍ في المجالات التقنية المتنوعة، إذ لأول مرة يصبحُ للمعارضة المصرية متخصصون مستقلون في مجال الإعلام، خاصةً إن أمكن الاستثمار في تدريبهم مع مؤسساتٍ إعلاميةٍ محترفة، عبر الحصول على تمويل/اكتتاباتٍ شعبية، بحيث تتوافر في المستقبل عوامل مثل الندية في العلاقة مع الممولين، والاستدامة في العمل، وأكبر قدر ممكن من المهنية في المحتوى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.