لابورتا رئيساً لبرشلونة: عودة ثائر أم خيبة أمل جديدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/26 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/26 الساعة 13:45 بتوقيت غرينتش
خوان لابورتا رئيس نادي برشلونة

في عام 2003 أعلن نادي برشلونة أنه نادٍ مأزوم يمر بحالة من الفوضى الكروية والتخبط والتكلس الإداري، وكان الحدث الذي أعلن وصول ذلك الوضع إلى ذروته إقالة المُلهم يوهان كرويف قبل مباراة واحدة من نهاية الموسم الكروي رغم النجاحات الكبيرة التي حققها الهولندي في مسيرته رفقة البلوغرانا، كما وجه الغريم ريال مدريد ضربة موجعة بالتعاقد مع نجم الإقليم آنذاك لويس فيغو والذي لم يكن مجرد نجم فحسب، بل كان قائداً للفريق. تلا تلك الكوارث سوء إدارة ملف التعاقدات بانتدابات ضعيفة، ورفع رواتب اللاعبين خوفاً من تكرار ما حدث مع فيجو مما أثقل كاهل النادي بالديون. 

تلك الأوضاع الكارثية خلقت أجواء مشحونة داخل النادي وبين أعضاء جمعيته العمومية، مهدت الطريق لظهور مجموعة من المعارضين يقودهم محامٍ أربعيني يدعى خوان لابورتا يتقدم حملة تسمى "الفيل الأزرق" هدفها إعادة النادي إلى وضع يليق به، وكان نائبه في تلك الحملة يدعى ساندرو روسيل.

وتستلهم الحملة فكرها من الأب الروحي للنادي يوهان كرويف الذي تربطه بالمحامي الشاب علاقة صداقة متينة وبينهما ثقة متبادلة كبيرة. 

صعود وهبوط الفيل الأزرق 

ترشح لابورتا لرئاسة برشلونة في مواجهة رجل الأعمال لويس باسات المدعوم من بيب غوارديولا كابتن الفريق السابق. ووعد باسات في حملته بإصلاح ما أفسده نونيز وخوان غاسبارت الرؤساء السابقين للنادي وحل الأزمات المالية التي كانت تعصف بالنادي وتنذر بكارثة اقتصادية. بل ووعد رياضياً بالتعاقد مع ديفيد بيكهام لقيادة الفريق، لكنه لم يكن ليفي بذلك الوعد أبداً بسبب قيام ريال مدريد بالتوقيع مع قائد المنتخب الإنجليزي.

وكان لابد من خطة بديلة للمشروع الرياضي للنادي، وهو ما حدث بالفعل والتقطته حملة لابورتا، وبدأت في العمل على التعاقد مع رونالدينيو مستغلة منصب ساندرو روسيل الكبير في شركة نايكي وعلاقاته بوكلاء اللاعبين في البرازيل، وقام بالتعاقد مع البرازيلي رونالدينيو ليكون حجر الزاوية في المشروع الرياضي الجديد، حتى إن البعض يصفها بأفضل خطة بديلة في التاريخ.

حقيقة الأمر أن خوان لابورتا لم يكن يوماً من فاهمي كرة القدم بالشكل الكافي ليقود المشروع الرياضي لنادٍ بحجم برشلونة، هو رجل مؤسسي يجيد بناء القواعد والأنظمة ووضع كل رجل في مكانه الصحيح والتعاقد مع مديرين على أعلى مستوى. لكنه لا يعلم كيفية بناء أندية كرة القدم، لذلك أوكل كل ما يخص الكرة لنائبه ساندرو روسيل، وفي نفس الوقت جعل كرويف مستشاره الشخصي في كل ما يخص كرة القدم بالنادي.
لكن الصدام بين الثنائي روسيل وكرويف نشب أسرع مما توقع لابورتا، في حقيقة الأمر لم يتوقع لابورتا ذلك الصدام. ففي الوقت الذي أراد روسيل فيه التعاقد مع المدرب البرازيلي وبطل مونديال 2002، فيليبي سكولاري كان كرويف يرى أن فرانك ريكارد هو المدرب المناسب لبرشلونة وفلسفته رغم أن المدرب الهولندي قليل الخبرة والتجربة.

قرار التعاقد مع ريكارد كان المسمار الأول في نعش "الفيل الأزرق"، إذ كان بمثابة إعلان أن كرويف هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في ملف كرة القدم وليس روسيل. ثم جاء قرار التعاقد مع المهاجم الكاميروني صامويل إيتو، الذي كان ريال مدريد يمتلك نصف عقده، ليدق مسماراً آخر في نعش فريق لابورتا ووحدة إداراته. فرئيس ريال مدريد، فلورنتينو بيريز، صديق مقرب من روسيل وشريكه في بعض الأعمال التجارية كان غاضباً من دخول برشلونة للتفاوض مع اللاعب الذي أصر على عدم العودة لمدريد والتوقيع لبرشلونة. مما اضطر بيريز، رئيس ريال مدريد، تحت ضغط اللاعب إلى التوقيع على عقود انتقال إيتو لغريمه ومنافسه التقليدي بإصرار من لابورتا وتشجيع من كرويف، وهو ما أغضب روسيل الذي كان لا يريد إحراج صديقه بيريز. 

في أعقاب تلك المواقف وغيرها، أعلن روسيل استقالته هو ومجموعة من الأعضاء كان من بينهم الرئيس المخلوع لنادي برشلونة جوسيب ماريا بارتوميو. وقررا سوياً تشكيل جبهة معارضة والضغط على لابورتا، لكن النتائج الجيدة لفرانك ريكارد وعودة الدوري الإسباني إلى "الكامب نو" بعد غيابه لفترة طويلة مع الفوز بدوري أبطال أوروبا عطّلا ما خطّطا له.

ولكن كان الموسم الضعيف الأخير لريكارد بمثابة الفرصة الأخيرة لروسيل وبارتوميو، وقررا استغلالها وبدآ القيام بإجراءات سحب الثقة من مجلس لابورتا والتي كادت تنجح، حيث صوّت 60%؜ من الأعضاء على خيار رحيل لابورتا، بينما كان النسبة المطلوبة لإسقاطه هي 66%. ؜ 

جوسيب ماريا بارتوميو رئيس نادي برشلونة سابقا (رويترز)
جوسيب ماريا بارتوميو رئيس نادي برشلونة سابقاً (رويترز)

لم يكن تصويت الأغلبية بسحب الثقة إلا إشارة هامة لخوان لابورتا ليعرف من خلالها أن الأمور غير جيدة بأن أعضاء النادي غير راضين عن إدارته للأمور. لذا كانت فكرة تغيير المدرب ضرورية وتسير نحو اتجاه واحد فقط وهو تعيين البرتغالي جوزيه مورينيو خلفاً لريكارد. لكن كعادته، كان لكرويف رأي آخر وهو تعيين بيب غوارديولا لقيادة الفريق. لم يعارض لابورتا هذا الاختيار رغم وقوف غوارديولا نفسه داعماً لمنافسه في الانتخابات.
لتبدأ معه سلسلة من النجاحات والبطولات يعرفها الجميع قبل أن يترك لابورتا النادي ويتجه للعمل السياسي ويخسر النادي تحت قيادة ساندرو روسيل مبادئه وثورته الحديثة ويدخل في صراعات قضائية واتهامات بالفساد المالي في صفقة نيمار وفضائح بالجملة مروراً بدخول ساندرو روسيل نفسه للسجن في قضية فساد، وتعاقد بارتوميو مع شركة لتشويه لاعبي الفريق نهاية بأزمة "البورو فاكس" الشهيرة وإبلاغ ميسي للإدارة أنه قرر الرحيل عن النادي.

عودة الثائر.. ولكن 

برشلونة الذي تركه خوان لابورتا يختلف كثيراً عن برشلونة الحالي، حيث كسرت الديون حاجز المليار يورو وتفاقمت المشاكل حتى طلب أسطورة النادي الرحيل. وعلى الصعيد الفني تخلى الفريق عن هويته الكروية لسنوات تحت قيادة فالفيردي ورأينا نسخة برشلونية مشوهة، فكان قرار العودة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه هو الحل أو الخيار الوحيد للمحامي المخضرم خوان لابورتا.

بدأ لابورتا الحملة بطريقة دعائية فريدة بوضع ملصق إعلاني كبير على أحد المباني القريبة من ملعب "سانتياغو بيرنابيو" يحمل صورة خوان لابورتا وتحتها جملة "أتطلع للعمل معكم مجدداً". أزعم أن هذه الصورة اختصرت الكثير على لابورتا وأيقظت في محبي برشلونة ما افتقدوه بعد أن رأوا برشلونة في السنوات الماضية مدجناً ومستسلماً لمشاكله وأزماته والضربات التي يتلقاها من المنافسين داخل وخارج الملعب والإدارة لا تقوى على فعل شيء.

لابورتا لم يتحدث كثيراً ولم يكن له برنامج انتخابي محدد، لكنه وعد الجميع بالتغيير وبرؤية برشلونة القوي المعتاد. كلماته كانت بسيطة لكنها مؤثرة وثورته الأولى في تحويل برشلونة لوحش كروي كانت شفيعة له عند الأعضاء لمحاولة تكرار الثورة مرة أخرى. خوان لابورتا ليس أفاقاً أو مراوغاً، يعرف البيت الكتالوني بصورة جيدة ومدرك لسبل نجاحه. وهو رجل صريح وواضح ولا يعد إلا بما يستطيع أن ينفذه وهو ما ظهر جلياً في نزول كل لاعبي برشلونة القدامى والحاليين لدعمه وانتخابه وعلى رأسهم ميسي الذي اصطحب نجله معه كصورة رمزية عن التطلع للمستقبل.

التركة ثقيلة والمشاكل كثيرة وسلفه بارتوميو ترك النادي غارقاً في أكثر من مليار يورو من الديون بعضها واجب السداد فوراً وهو ما يكبل عمل أي رئيس ويحد من قدرته على تجاوز الصعوبات. لذلك سيتجه برشلونة، على الأغلب، نحو التعاقد مع صفقات رخيصة أو مجانية لدعم الفريق مثل مدافع مانشستر سيتي إيريك غارسيا، لاعب خط وسط ليفربول جورجينو فينالدوم، أو مهاجم ليون الفرنسي ممفيس ديباي أو المدافع النمساوي ديفيد ألابا والذين ارتبطت أسماؤهم بنادي برشلونة في الفترة الأخيرة. مع ربط التعاقد مع نجوم كبار بمبالغ ضخمة مثل إيرلنغ هالاند بمدى قدرة الإدارة على بيع اللاعبين الذين يتقاضون رواتب ضخمة ويقدمون مردوداً فنياً ضعيفاً كفيليب كوتينيو وصامويل أومتيتي.

على الصعيد الفني ومع تصاعد أداء الفريق في الملعب قلّت الأصوات التي كانت تطالب برحيل المدرب الهولندي رونالد كومان واستبداله بمدرب آخر، قد يكون اللاعب السابق للفريق تشافي هيرنانديز مدرب السد القطري الحالي. وذلك خصوصاً مع وجود عقد بسنة إضافية لكومان مع الفريق وثقة وإشادة اللاعبين به في أكثر من مناسبة. مفتاح العلاقة بين كومان ولابورتا هو جوردي كرويف نجل الأسطورة الراحلة والصديق المقرب للاثنين معاً والمرشح لمنصب كبير داخل برشلونة. تشير التقارير إلى أن جوردي نصح لابورتا بضرورة استمرار كومان لسنة إضافية مع دعمه ببعض اللاعبين المهمين والذي سبق أن طلبهم من الإدارة السابقة ولم تلبّ له طلبه. حتى حين خرجت بعد الأنباء الصحفية التي تشير لتفاوض لابورتا مع يوليان ناغلسمان مدرب لايبزيغ الألماني حرص خوان لابورتا على الاتصال بكومان لنفي مثل هذه الأخبار حتى لا يؤثر هذا على استقرار الفريق وتماسكه.

إلى أين يا ميسي؟ 

أين سيلعب ميسي في الموسم القادم؟
أين سيلعب ميسي في الموسم القادم؟

المسألة الأهم للجميع حالياً في برشلونة وربما كتالونيا بأسرها هي تجديد عقد ليونيل ميسي، أو بالأحرى التعاقد مع اللاعب الحر ليونيل ميسي في نهاية الموسم. ميسي أجل أي جلسات تفاوضية مع باريس سان جيرمان أو غيره من الأندية في انتظار العرض المقدم له من إدارة برشلونة بما يتماشى مع الظروف الحالية للنادي. خوان لابورتا أخبر ميسي بأنه سيقدم له عرضاً جيداً يتناسب معه ومع الوضع المالي الصعب للنادي. لابورتا في مؤتمر تقديمه كرئيس خاطب ميسي بطريقة عاطفية وقال إنه متأكد من عدم مخاطرته للرحيل، والتوقيع لنادٍ أوروبي آخر وإن برشلونة هو بيته ومدينة أطفاله الصغار التي سيعيش فيها للأبد بعد نهاية مسيرته الكروية.

ثورة جديدة أو نكسة أخرى؟ 

إدارة الأندية عملية في غاية الصعوبة خاصة في ظل الديون والمشاكل المالية والإدارية، فما بالك لو كان هذا النادي له جماهير في كل مكان في العالم، بل كان نادياً يمثل الحلم لجماهيره وشعب كتالونيا الذي يرى برشلونة دائماً هو فارسه الوحيد. الجميع يرى الظروف الحالية ويدرك صعوبة الموقف ولكن يحدوهم الأمل والحلم في تكرار الثورة مرة أخرى، خاصة أن أهم ضلعين من أضلاع مثلث هذه الثورة ما زالا مستمرين حتى الآن ويقودان الفريق وهم لابورتا وميسي.

فهل تتكرر الثورة مرة أخرى أم تخمدها نيران الواقع الحالي المرير؟هذا ما ستجيب عنه السنوات القليلة القادمة.  

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

  

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد مندور
كاتب رياضي مصري
لاعب كرة سلة سابق ومحلل رياضي مقيم بباريس
تحميل المزيد