ارتفعت حدة التوتر في العلاقات الأمريكية – الروسية على خلفية اتهام الرئيس الأمريكي لزميله الروسي بأنه قاتل، لكن يبقى السؤال من هو القتيل الذي وقع ضحية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية؟
إن إطلاق تهمة ارتكاب جريمة لا وجود لضحية فيها من قبل رئيس دولة عظمى بحق رئيس دولة عظمى آخر، بالاستناد إلى تقرير مخابراتي يؤشر إلى تعديل خطير في أسلوب التخاطب بين رؤساء الدول، خصوصاً الكبرى منها، مما يؤكد حالة الانهيار المريع للقيم الأخلاقية في عالم اليوم، وبذلك بات الأمن والسلم العالميان رهينة المزاج الشخصي أو الحالة النفسية لبعض رؤساء الدول العظمى، وهذا يزيد من احتمال خطر نشوب نزاعات دولية لا تحمد عقباها، خصوصاً أنه للرئيس الروسي مقولة بسيطة تؤكد نيته استخدام الأسلحة المتاحة بحوزته بالحد الأقصى، عندما قال: "لا أتصور وجود عالم لا توجد روسيا فيه".
وعن أحداث الكابيتول، قال الرئيس بوتين بكل استخفاف: "هي مجرد نزهة". وإذا ما صح ما يشاع عن الوضع الصحي للرئيس بايدن بأنه يتعثر كلما مشي وأن فريقه يحرص على أن تكون إطلالته على وسائل الإعلام نادرة تجنباً لهفوات في تصريحاته سببها الشيخوخة، إذا صح ما يقال فعلاً، هذا يعني أن نقطة ارتكاز الكرة الأرضية لم تعد على قرني الثور، كما تقول الأسطورة، بل باتت على كف العفريت، خصوصاً أن الحربين العالميتين الأولى والثانية نشبتا نتيجة الخلافات بين دول ذات نظام اقتصادي متشابه وتوجهات سياسية واحدة، بعد أن تعارضت طموحاتها الاستعمارية ومصالحها، وعلى ما يبدو بتنا اليوم على عتبة الولوج إلى مرحلة تتطابق مع ما حصل في الماضي.
أما بخصوص التدخل الروسي في مسار الانتخابات الأمريكية فهذا الأمر لم يعد مستهجناً، لأننا نعيش في عالم بات الذباب والخفافيش وحتى الأفاعي الإلكترونية في حوزة أي طفل في أي قرية نائية يستطيع إطلاقها على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الكون السيبيراني، وبات تصنيع الوعي الزائف والتلاعب في الرأي العام وصناعة العقول مهنة واسعة الانتشار في كل الدول، أي لم تعد حكراً على دولة دون أخرى، والأنكى من كل ذلك، فإن إرهاب الدولة التي مارسته وتمارسه أمريكا وروسيا بحق الدول الأخرى بات في سلة المهملات وطي النسيان، بحيث لم يعد اعتبارها جريمة. فجرائم أمريكا من نيكاراغوا وحتى العراق لم يتهم خلالها أي رئيس أمريكي بأنه قاتل، وجرائم روسيا من الشيشان وحتى سوريا لم يتهم خلالها بوتين بأنه قاتل، وما يثير استغرابنا أكثر هو أن الرئيس بايدن الذي يعشق إسرائيل والتي هي من أعتى الدول إجراماً في التاريخ لا يعتبر نفسه قاتلاً، بل سوف يزودها حتماً بأحدث آلات القتل والتدمير.
وللإجابة على سؤال هل الرئيس بوتين فعلاً قاتل؟ نتغاضى عن كل الممارسات التي قامت بها الحكومة الروسية بشكل علني ورسمي، لكن نريد جواباً أو تفسيراً ما مقنعاً للتساؤلات التالية.
ما هي علاقة السلطة في روسيا بمنظمة فاغنر؟ هذه المنظمة الإجرامية الرهيبة الذائعة الصيت.
ما هذا السر في تطابق الإحداثيات على الخريطة التي تنشط منظمة فاغنر فيها مع ذات الإحداثيات وذات الخريطة التي تنشط فيها سياسة الدولة الروسية؟ من جنوب السودان إلى أنغولا مروراً بإفريقيا الوسطى وسوريا وليبيا.
من يقوم بتزويد هذه المنظمة بالسلاح؟
كيف تتنقل فاغنر بين دول العالم المستهدفة بحرية؟
كيف انتقلت الطائرات الحربية الروسية إلى يد هذه المنظمة الإجرامية في ليبيا بعد دهنها وصيانتها في سوريا؟
علماً أننا لا نريد الحديث عن مؤسس المنظمة الإجرامية ولا عن علاقته مع الرئيس بوتين ولا عن مبررات تأسيس هذه المنظمة بل نريد أن نسأل سؤالاً واحداً:
في أي بلد تنشط فاغنر ولا يوجد نشاط سياسي ملموس للحكم الروسي من أجل تحقيق هدف ما هناك؟ بحدود علمي لا وجود لمثل هذه البلاد بل تنشط هذه المنظمة دائماً في المكان الذي تستهدفه السياسة الرسمية للدولة الروسية، لذلك لا بد من الظن بأن هذه المنظمة هي السفير الدموي المقنع للرئيس بوتين وحتى إثبات العكس يبقى الشك بأن هناك قاتلاً محترفاً حتى إثبات العكس.
فالى متى سيبقى الجحود الإنساني قاعدة في سياسة الدول الكبرى حيث يعد التدخل في الانتخابات جريمة لا تغتفر، إما زهق أرواح وإراقة دماء إخوة عرب لنا في سوريا وليبيا على يد منظمة فاغنر الإجرامية ومن يقف خلفها، مجرد نزهة أخرى إضافة إلى تنزه الإجرام الإسرائيلي بشكل يومي بحق الشعب الفلسطيني دون أن يرف جفن أي رئيس أمريكي خجلاً على استخدام هداياه من الأسلحة في إبادة شعب بالتقسيط.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.