تستلقي على الأريكة بيدك جهاز التحكم تتنقل عبر الترددات المختلفة، نشرة أخبار..لا لا محبطة للغاية، برنامج حواري…جدل لا ينتهي، برنامج رياضي….لا يقدم أي جديد، فيلم سينمائي…يعاد عرضه للمرة المئة أو يزيد، تبحث عن شئ يشبهك ويجذب انتباهك في الوقت ذاته، لا يتعالى عليك ولا يصيبك بالنعاس في الوقت ذاته، ما رأيك ببرنامج قضايا أسرية أو مسابقات طبخ أو حتى معايشة لتجربة عائلة عربية في الأدغال؟
النوع الأخير هو ما يعرف باسم تليفزيون الواقع وهو مدار حديثنا اليوم، أعدك عند الانتهاء من قراءة هذا المقال –باذن الله- أن تنكشف لك حقائق مذهلة وصادمة عنه في الوقت ذاته.
لكن في البداية دعنا نتعرف على ماهيته…
ما هو تليفزيون الواقع ؟
برامج تليفزيون الواقع أو ما تعرف باسم Reality TV Show هي البرامج التي لا يتم كتابة السيناريو الخاص بها مسبقًا- كما يفترض-، يطلق عليها صناع الدراما "الدراما الغير مكتوبة"، منها أنواع عديدة، أشهرها: برامج الكاميرا الخفية، برامج المسابقات والتحديات، برامج المعايشة والحياة اليومية سواء في بيئة الضيف الأصلية أو عن طريق تحدي ما.
تنقسم برامج تليفزيون الواقع لعدة تقسيمات، منها قصير المدة الذي يتناول يوم أو أقل في حياة المشارك، مثل: برنامج "يوم في حياتي" الذي قدمته قناة روتانا سينما وهو يتناول حياة الفنانيين الخاصة، أو يقتصر على ما يذكره الضيف عن حياته دون أن تتجول الكاميرا معه، مثل: برنامج المسامح كريم للإعلامي جورج قرداحي، ومنها الطويل الذي يستمر لأسابيع أو ربما شهور، أشهر مثال له برنامج عيش سفاري الذي أنتجته شبكة تليفزيون MBC.
برامج تليفزيون الواقع ليست وليدة العصر الحديث وإنما لها تاريخ طويل تشكلت فيه بطرق مختلفة، لا يمكننا نظر حاضرها وتأثيراتها دون ذكر ماضيها..
تاريخ تليفزيون الواقع
عام 1945 البداية كانت مع التليفزيون الأمريكي في برنامج "Queen of the day" الذي كان يقوم باستضافة امرأة مختلفة كل يوم لتحكي قصتها، ظهرت برامج الكاميرا الخفية –نوع أخر من برامج تليفزيون الواقع- مع برنامج "Candid Camera" بعد ذلك بسنوات وقد أحبه الجمهور بدرجة كبيرة؛ لطابعه الفكاهي الخفيف.
أما أقرب البرامج شبهًا بتليفزيون الواقع حاليًا فهو مسلسل "An American Family" الذي عرضه التليفزيون الأمريكي عام 1973، يحكي المسلسل قصة عائلة أمريكية تقليدية مكونة من أب وأم وخمسة أبناء، تتعرض العائلة لمشكلات مختلفة من طلاق الأب والأم لاعتراف أحد الأبناء بكونه مثلي وهكذا، أما عن المغزى من العمل -على حد قول- صانعه كريج غالبيرت لبطلته: " المسلسل يدور عني وعنك وعن كل شخص في هذه الغرفة يتخبط يمينًا ويسارًا محاولًا إيجاد معنى لحياته"، المسلسل جاء بهذا الشكل بسبب التغييرات الحادة التي كان يمر بها المجتمع الأمريكي من تصاعد لأصوات الحركة النسوية للغزو التكنولوجي وانتشار النزعات الفردية والاستقلالية عند الأبناء، شكل هذا المسلسل صدمة للمجتمع الأمريكي المحافظ آنذاك، لذا توقف عرضه بعد اثنتي عشرة حلقة فقط، جدير بالذكر أن المسلسل لم يكن واقعي هو يتناول أحداث يمكن رؤيتها في الحياة الواقعية على العكس من صورة العائلة المثالية التي كانت سائدة في الدراما التليفزيونية بذلك الوقت، الأمر الآن أبعد ما يكون عن المثالية ومع ذلك صارت لهذه النوعية من البرامج شأن كبير.
تليفزيون الواقع الآن
حاليًا انتشرت هذه البرامج في التليفزيونات العالمية كالنار في الهشيم، تشكلت وتنوعت واتسع نطاقها فشملت كل شئ وأي شئ سواء صَلٌحَ للعرض أم لم يَصلح، منها: برنامج يسجل اختيار العروس لفستان زفافها"Say yes to the dress" ، برنامج يساعد المشتركين في اختيار منازلهم أو تنظيفها"Filthy House"، أما الأسوء على الإطلاق فهي برامج اختيار شريك الحياة مثل: "Love Island" من إنتاج التليفزيون البريطاني أو "The bachelorette" من إنتاج التليفزيون الأمريكي.
لم تقتصر برامج تليفزيون الواقع على يوم في حياة أبطالها أو فترة محددة بل أخذ بعضها حياة هؤلاء الناس كمادة خام لها، مثل برنامج الأخوات الأشهر بنات كردشيان"Keeping Up with the Kardashians" الذي جعل بطلاته من أشهر نجمات العالم وأغناهن، فقط من خلال عرض الحياة اليومية وإثارة الفضائح من حين لأخردون أن يمتلكن أدنى موهبة أو مهارة خاصة، هن لسن استثناء فتوجد العديد من البرامج على نفس الشاكلة.
انتقلت العدوى للعالم العربي حديثًا كعرض من عوارض العولمة وبها ظهر تليفزيون الواقع العربي الذي له نفس القالب ولكن بشخصية تحاول أن تكون مختلفة …
تليفزيون الواقع العربي
شبكة تليفزيون العرب-MBC- الراعي الأول لبرامج تليفزيون الواقع في العالم العربي، تقوم أولًا بشراء حقوق بث البرامج الأجنبية خاصة الإنجليزية والأمريكية منها، ثم تقوم بعمل النسخ العربية منها، فعلت هذا مع أغلب البرامج السابق ذكرها، ومنها أيضًا مثل برنامج "The biggest loser" الذي عًرفت النسخة العربية منه باسم "الرابح الأكبر" ونلاحظ هنا أن الأمر الوحيد الذي تمت مراعاة الذوق العربي –الذي يكره الخسارة- به هي التسمية.
قدمت أيضًا برنامج "هي وهو" الذي كان بطلا الموسم الأول منه هما: الفنانة أسيل عمران وزوجها الإعلامي خالد الشاعر، لاقى البرنامج هجومًا شرسًا كونه ضرب بالعديد من قيم المجتمع الشرقي عرض الحائط، المشاهد العربي غير معتاد على ذكر تفاصيل الحياة الشخصية على الملأ وإن تقبلها في عمل درامي خيالي لن يتقبلها من شخصيات حقيقة من لحم ودم، كما أن راغب التلصص –المباح هنا- هو راغب في اصطياد الأخطاء والنقائص في الوقت ذاته –وإن ادعى غير ذلك-.
قدمت MBC أيضًا العديد من برامج تليفزيون الواقع الأخرى، أشهرها: كاش تاكسي، دلع سيارتك، جويل، شط بحر الهوا الذي كان يصور العديد من الفنانين أثناء قيامهم برحلة بحرية طويلة.
أما برنامج تليفزيون الواقع الأشهر في العالم العربي فهو Star Academy، البرنامج الذي جذب ملايين المشاهدات منذ العرض الأول له عام 2003 حتى الآن، فكرة البرنامج تقوم على المعايشة والتدريب على الغناء والاستعراض ولعب الآلات الموسيقية المختلفة ويسجل حياة مشاركيه لحظة بلحظة تقريبًا وتحدد نتائج المشاركين والرابح باللقب النهائي من خلال تصويت الجمهور، الأمر الذي يجعله اللاعب الأساسي في هذه البرامج.
ما زالت برامج تليفزيون الواقع موجودة في العالم العربي لكن على استحياء، تسيطر على الساحة برامج المسابقات والمقالب، أما برامج المعايشة فهي قليلة ومتحفظة بعض الشئ.
ما وراء تليفزيون الواقع
تليفزيون الواقع غير واقعي بالمرة، نحن نعيش وهم كبير داخل أحداثه، أولًا: الكثير من الأحداث تكون مكتوبة مسبقًا أو حتى تم التمرين عليها، ثانيًا: في أغلب البرامج يتم إجراء اختبارات نفسية وذهنية للمشاركين لاختيار المتزنين منهم –على حد قولهم- لكن الحقيقة أنه يتم اختيار الأقرب للاختلال النفسي؛ لأنهم ببساطة الأكثر قابلية لإثارة المشاكل ونقاط التفجر داخل البرنامج، وهذا ما يطلبه المشاهدون، ثالثاً: من يقفوا خلف الكاميرات لهم التأثير الأكبر ليس في الإدارة فقط بل في الأحداث والتغييرات البسيطة – خاصة في برامج المسابقات التفاعلية، مثل: برامج تنظيف المنازل وما إلى ذلك-، رابعًا: المكياج والإضاءة والديكور لهم تأثير السحر في هذه البرامج؛ لذا لا تصدق ما تشاهده، عالم التليفزيون بلاستيكي بالكامل.
ماذا يحدث لنا؟
أحرى بنا أن نسأل ما التأثير الذي نٌحدثه، كما قلت مسبقًا نحن –الجمهور- اللاعب الأساسي، أو كما يقول جلال أمين –رحمه الله-:" نحن نعيش في عصر أصبح فيه الجمهور هو الملك المتوج، ورجال الإعلام ليسوا إلا رسل هذا الملك"؛ لذا فالأمر يبدأ منا، إذا امتنعت عن المشاهدة سيمتنع المعلنون عن الدفع فيمتنع المنتجون عن الإنتاج وهكذا..
لا أحد يحب أن يتم التلاعب بعقله وبمشاعره عبر حقائق مطعمه بالأكاذيب، برامج أودت ببعض من شارك فيها لمصحات العلاج النفسي ومن نجى منهم فقد هلكت حياته، إذا لم تقدم هذه البرامج لأصحابها شيئًا فبالتالي لن تقدم لنا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.