يخوض المنتخب الجزائري لكرة القدم يوم 29 مارس/آذار الجاري آخر مباراة له في تصفيات كأس أمم إفريقيا 2021، والتي يزعم بعض الملاحظين أنّها قد تكون المباراة الأخيرة للمدرب جمال بلماضي على رأس الجهاز الفني لتشكيلة "محاربي الصحراء".
غضب الجهات العليا
المتتبع للشأن الرياضي الجزائري لن يفاجأ عندما يقرأ مقدمة هذا المقال، لكن من المؤكد أنّ الجمهور الرياضي العربي الواسع سيستغرب وسيتساءل عن سبب وجود إمكانية لرحيل المدرب الجزائري عن منتخب بلاده بعد سنة ونصف من قيادته للتتويج باللقب القاري وقبل شهرين ونصف فقط من دخول غمار التصفيات الإفريقية لمونديال قطر 2022.
وقد راجت في الفترة الأخيرة "شائعات" عن اتخاذ جمال بلماضي قرار الاستقالة من تدريب منتخب الجزائر لكرة القدم، وذلك تضامناً منه مع رئيس اتحاد الكرة المحلي، خير الدين زطشي الذي يعتزم عدم الترشح لفترة رئاسية ثانية خلال الجمعية العمومية الانتخابية المقررة في شهر أبريل/ نيسان القادم.
وقد يتخذ زطشي قرار عدم الترشح لخلافة نفسه بعد تأكده من فقدان دعم السلطات العليا في البلد، وقد تجلى ذلك من خلال الجفاء الذي يميز علاقته بوزير الشباب والرياضة سيد علي خالدي، خاصة بعد ترشحه "غير المُمنهج" لمجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" ثم انسحابه من السباق في آخر لحظة، لصالح ممثلَي المغرب ومصر، فوزي لقجع وهاني أبوريدة، خلال الانتخابات التي جرت يوم 12 من شهر مارس/ آذار الجاري بالعاصمة المغربية الرباط.
لن أسترسل كثيراً في الحديث عن علاقة زطشي مع الوزارة الوصية لأنها ليست موضوع اليوم، وأردت فقط الإشارة إليها بإيجاز لأنّ الأشخاص أو الأطراف التي تحدثت عن قرار بلماضي مغادرة منتخب "الخضر" قد ربطت الأمر بـ"تضامن" المدرب الوطني مع رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم.
بلماضي يزيد الغموض
وما زاد في تغذية تلك "الشائعات" هو موقف "بطل القصة" نفسه، ونعني به المدرب جمال بلماضي. وذلك من خلال عدم نفيه صراحة خبر رغبته في الرحيل، بحيث رفض الرد على سؤال أحد الصحافيين في المنطقة المختلطة عقب إشرافه على الحصة التدريبية للمنتخب الجزائري، مساء الإثنين الماضي، واكتفى بالقول إنه يركز حالياً على تجهيز لاعبيه لمباراتي زامبيا وبوتسوانا، ولا يهتم بالأخبار التي تتحدث عن استقالته. إذ كان بإمكان "الكوتش" جمال تكذيب الخبر ولو بكلمة واحدة باستعمال أداة النفي "لا"، وبالتالي وضع حد نهائي للجدل القائم حول مستقبله مع محاربي الصحراء.
منتخب الجزائر سيواجه، مساء اليوم الخميس، مَضيفه الزامبي بالعاصمة لوساكا، ثم يستقبل بملعب البليدة منتخب بوتسوانا يوم 29 مارس/آذار الجاري، وهما مباراتان تبدوان شكليتين بالنسبة لإسماعيل بن ناصر وزملائه بحكم ضمانهم مبكراً بطاقة التأهل لنهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم المقررة في مطلع العام القادم بالكاميرون، ولكن جمال بلماضي يُولي هذين اللقاءين أهمية كبيرة بحيث صرح أمس الأول الثلاثاء قبل مغادرة الجزائر نحو لوساكا: "إنها مباراة هامة بالنسبة لنا، من الخطأ الاعتقاد أنّها لا تكتسي أي أهمية، إذ يكفي أننا سنلعب هذا اللقاء خارج قواعدنا أمام منتخب ما زال يملك حظوظه كاملة في التأهل. هذه هي رؤيتي للأمور، خاصة أننا سننتقل بعد حوالي شهرين إلى بوركينا فاسو في إطار تصفيات كأس العالم 2022، أعتقد انّ هذه المباراة ستكون بمثابة محطة إعدادية هامة لنا تحسباً لما ينتظرنا بعد شهرين في تصفيات مونديال قطر".
هل يتخلى جمال عن حلم المونديال؟
لاحظوا معي جيداً تركيز بلماضي في هذا التصريح على التحضير لتصفيات مونديال 2022، وهو المعطى الذي يُلمح للفرضية الثانية وهي الأقرب للمنطق بأن جمال لن يستقيل، وذلك لرغبته الشديدة في تحقيق الحلم الذي يسعى إلى تحقيقه منذ تتويجه مع المنتخب الجزائري، بلقب كأس أمم إفريقيا لكرة القدم في يوليو/تموز 2019 بمصر.
فمنذ ذلك الإنجاز القاري الكبير، تعددت تصريحات بلماضي المتفائلة بتحقيق إنجاز تاريخي رفقة المنتخب الجزائري في المونديال القادم، على غرار ما قاله في حوار لصحيفة "ليكيب" الفرنسية يوم 29 يوليو/تموز2020: "تبدو القصة خيالية، فإذا توقع أحدهم، من قبل، أنّ بلداً مثل قطر سينظم نهائيات كأس العالم لكرة القدم وأنه بإمكاني التواجد هناك كمدرب لمنتخب الجزائر، فإني أقول إنّ نسبة إمكانية حدوث ذلك هي 0.1%، المهم يجب أولاً التفكير في التأهل حيث لن تكون المهمة سهلة، ثم إذا حالفنا الحظ في التواجد هناك، فإننا لن نذهب من أجل المشاركة فقط، بل يجب الإيمان بالمستحيل وامتلاك الطموح، أرى أن خوض دورة نهائية لكأس العالم في البلد الذي شهد ميلادي كمدرب هو بمثابة إشارة إلى القدر".
وما يعزز أيضاً فرضية عدم استقالة بلماضي بحجة تضامنه مع زطشي أنّ الرجلين لا تربطهما علاقة خاصة، بل فقط علاقة عمل بين مدرب و"مستخدمه"، كما أنّ تعيين جمال على رأس الجهاز الفني لمنتخب محاربي الصحراء، في أغسطس/آب 2018، خلفاً لرابح ماجر المُقال، قد جاء بعد ضغط كبير من الجمهور الرياضي الجزائري وبطلب من نجوم المنتخب.
ويقودنا هذا الكلام للقول إنّ جمال بلماضي لم يتعاقد إلى صيف 2022 مع زطشي، بل مع اتحاد الكرة الجزائري، بل مع الجزائر كلها، كما أنّ وسائل وظروف العمل الجيدة الموضوعة حالياً تحت تصرف بلماضي والمنتخب الوطني ليست من توفير زطشي شخصياً بل كانت موجودة قبل مجيء خير الدين إلى رئاسة الاتحاد خلفاً لمحمد روراوة يوم 20 مارس/آذار 2017، ومن المؤكد أنها ستبقى هي نفسها بعد قدوم الرئيس الجديد.
قبل إنهاء المقال أشير أنّ خير الدين زطشي قد قاد بنفسه بعثة المنتخب الجزائري إلى لوساكا لمواجهة منتخب زامبيا.. ولا أدري إن كان للرجلين وقت كافٍ للحديث عن قضية الاستقالة!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.