نظرية المؤامرة.. لماذا أغلب مروجيها من كبار العائلات، ورؤساء الشركات، والإعلاميين المشهورين

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/24 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/24 الساعة 13:51 بتوقيت غرينتش

ما بيّن علماءٍ يبحثون بعمقٍ عن كيفية إِغاثَة العالم من جائحة كوفيد 19، وآخرين يرونها خدعة! تجدُ الأول يبتغي الوصول إلى المريخ، أما الثاني فيشك بكروية الأرض! طالَما علمّتُ أنها عقبةٌ في طريق التنمية، لكن في الآونة الأخيرة أدركت أنها قَدْ تكون كارثةً على المجتمع. مؤسف القول إنَّ "نظرية المؤامرة" تنتشر كالرياح في معظم دول العالم، لتضرب الشعوب العربية بامتياز. زاد خطرها، وأضحت لامعةً مع انتشار جائحة كوفيد 19. هذا المقال سيبحث في ماهية "نظرية المؤامرة" وسبب انتشارها، وسبل الوقاية للحيلولة دون الوقوع في قفصها الذي يُكبّلُ العقل.

تتشعبُ تعريفات نظرية المؤامرة، بعِلَّةِ اختلاف نطاق تفسيرها، فيمكن أنّ تُفسر نظرية المؤامرة بنطاق أسرةٍ أو قبيلةٍ، أو بنطاق عالمي. قمتُ بتعريفها بشكل يشمل تشعُّبها "بأنها النظرية التي تفسر ظاهرة أو حدثاً، بناءً على افتراض أنَّ هناك مؤامرة خَططت لها مجموعة يغلبُ عليها (الصغرُ والقوة)، مُفتقِرةً لدليلٍ واضحٍ لذلك". لهذا يجب أنّ تشمل نظرية المؤامرة ثلاثة عناصر:

1.     وجود ظاهرة، أو حدث وعلى الأغلب هو "حدث سيِّئ أو كارثي".

2.     افتراض فوري بأنَّ هناك مجموعة بيروقراطية قوية خططت لذلك.

3.     مُفتقِرٌ لدليلٍ واضح. "عادةً يتذرع أبناء نظرية المؤامرة بحجج وأدلة ضعيفة يتمُّ اقتناؤها من وقائع كاذبة، أو حقيقية لكن مُجتزأة".

أفرق دائماً بيّن القابل للوقوع في فخِّ نظرية المؤامرة، والمقتنع بها والمروج لها، ليكون الأخير هو الأخطر على المجتمع، للأسف فإنَّ أغلب الشعوب العربية قابلةٌ لتصديق نظرية المؤامرة، ويسهل على المروجِ لهذه الخزعبلات أن يُقنعهم، وذلك بسبب الفراغ العلمي للمتلقي حول الظاهرة أو الحدث، ليقتنع بهذه الخزعبلات على الفور. ما يزيد الأمر سوءاً أنّ تجد مروجي نظرية المؤامرة من كبار العائلات، ورؤساء الشركات، وإعلاميين مشهورين، وهذا يدعم انتشار وهمِ المؤامرة.

هناك العديدُ من العواملِ التي أدت إلى انتشار خزعبلات المؤامرة بشكلٍ واسع في قلوب الشعوب العربية أهمها:

أولاً: المُصدر

للأسف هناك الكثير من مُروجي خزعبلات المؤامرة، يسعون دائماً لنشر هذه الأوهام، ذلك لأهداف ربحية أو لجذب الجمهور، فالناس تعشق قصص الغموض، فالمقالات والفيديوهات، التي تتحدث عن قصص المؤامرة أكثر مشاهدةً من تلك العلمية التي تستند إلى حقائق علمية وواقعية. كما أنَّ هناك من المروجين يقتنعون تماماً بخزعبلات المؤامرة، محاولين ترويجها بشكل دائم. فيحاولون تحليل الحدث المفاجئ، بالنظرية التي كبلت عقولهم، ليفسرها (بكل بساطة) بناءً على تصورِهم ويؤكدون نتاج تفسيرهم لذلك الحدث، بدون دليل على ذلك. البعض منهم يبحثُ عن الأدلة لتدعيم وجهة نظرهم، وفي لحظة عجزهم عن إيجاد الأدلة الواضحة، تبدأ عقولهم المكبلة بنظرية المؤامرة، بتصديق المعلومات الكاذبة، أو الاجتزاء من تلك المعلومات الحقيقية بهدف تدعيم وجهة نظرهم البعيدة عن الدليل الواضح.

 ثانياً: الوباء المعلوماتي

يقصد به انتشار المعلومات المضللة كالوباء بين الأشخاص. ذلك بسبب ما أنتجه الإنترنت من انتشار هائل للمعلومات "عولمة المعلومات"، لتحظى المعلومات المضللة بنصيب كبير من ذلك، مؤسف أنّ تجد هذه المعلومات المضللة انتشرت كالوباء في صفحات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الدردشة. المعلومات المضللة تكون على صورتين، الأولى: المعلومات الكاذبة، والثانية: معلوماتٌ صحيحة لكن مجتزأة، بغرض التضليل لتدعيم موقف معين.

ثالثاً: المتلقي

همّ الأشخاص الذين يقعون ضحية خزعبلات المؤامرة. للأسف الكثير من الشعوب العربية مهيأة للوقوع في ذلك، لعدم التفكير المنطقي ووجود فراغ معلوماتي في الحدث أو الظاهرة المُرادُ تفسيرُها. فطبيعة الإنسان تحلل الظواهر الغريبة أو الحدث المفاجئ بأقرب صورة تفهمها، لتقريب الصورة أكثر، أطرح مثال شخص يستلقي على سطح المنزل، ليرى الغيوم تسبح في السماء لتظهر برسومات عشوائية غير مفهومة، وهنا يبدأ يحلل تلك الرسومات بالصورة الأقرب لذهنه، كما يستطيع أنّ يُقنع بها من بجانبه. فتحليل الظاهرة الغريبة أو الحدث المفاجئ غير المفهوم، يبدأ الشخص بتحليل سبب حدوثه، بنظرية تدور في دماغه، وفي حال سمع التحليل المضلل من أبناء نظرية المؤامرة يقتنع بها فوراً دون إخضاعها للمنطق والدليل.

قد يكون من الصعب إقناع من لبس نظارة هذه النظرية المضللة، فعقله كُبِّلَ بتلك النظرية المستندة إلى القصص الوهمية. لكن أعتقد أنَّ هناك حلولاً تُجنب وقوع المتلقي بتلك الخزعبلات، أوضحها بالتالي:

1- التحليل المبني على "المنطق والدليل" هذا يقعُ على عاتق المُتلقي. لتحليل ظاهرةٍ أو حدث، يجبُ أنّ يستندَ على أمرين: أولاً المنطق، "فالقاتل منطقه وجود داعي القتل"، ثانياً يجب أنّ يكون هناك أدلة واضحة من صحف رسمية، "فوجود داع للقتل بدون أدلة لا تثبت أنه الجاني" لهذا يجب أنّ تستند إلى نظرية المنطق والدليل لا نظرية الخزعبلات والأوهام.

2- علاج "الوباء المعلوماتي" وهذا يقع على عاتق الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، والحكومات. برغم المحاولات لمنع انتشار المعلومات المضللة، وحذفها في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنهُ يجب بذل جهدٍ أكبر لذلك، فالوباء المعلوماتي منتشرٌ بشكلٍ هائلٍ حتى الآن.

3- نشر مقالات وفيديوهات توعية، تُبين مدى خطورة نظرية المؤامرة، وكيفية الوقاية من الوقوع فيها، والحثِّ على التحليل المبني على المنطق والدليل.

في النهاية، هناك فرقٌ بين وجود مؤامرات، ونظرية المؤامرة، بالطبع المؤامرات موجودة حاضراً ومطرزة في التاريخ البعيد والقريب وهذا لا خلاف عليه، فهناك أدلة واضحة على ذلك. أما نظرية المؤامرة، هي فلسفة تُكبّلُ العقل بتصور دائم لوجود مؤامرات، تتميز عن الأولى بأنها لا تستند إلى المنطق والدليل. 

تحميل المزيد