خلال اليومين الماضيين إذا قمت بفتح أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي ستصطدم كل دقيقة بعبارة "دائماً ما ستعطيك كرة القدم فرصة ثانية للانتقام"، مرفَقة بالواقعة الشهيرة لراموس في رائعة من روائع مهارات الكونغ فو الصينية تجاه النجم المصري محمد صلاح.
العبارة بحد ذاتها صحيحة فدائماً تعطي كرة القدم للفرق الخاسرة عاجلاً أم آجلاً فرصة لرد الدين، ولكن هل كل الفرق تستغل تلك الفرصة برد الدين أم بزيادة في الجرح حتى يصل الأمر إلى العقدة الملازمة لشعار النادي مهما تغيرت الظروف والأجيال؟
وبالنظر إلى مستوى "سيد أوروبا وكبيرها" حالياً، وبمقارنة بسيطة بينه وبين كتيبة يورجن كلوب فلن تجد فرقاً كبيراً كما كان الحال في 2018، لكن الفارق أن الفريقين كانا في نهائي دوري الأبطال في مستوى خرافي متقارب للغاية فلم يكن لديك الفرصة أن ترجح كفة أحد الفريقين، أما الآن فكلا الفريقين ينافس الآخر في المستويات السيئة وتقديم العروض المبهرة للمنافسين والمخيبة لآمال كلا الجمهورين.
ولكن بالتدقيق في مستوى كل فريق على حدة فسنجد من الظلم المساواة بين الفريق الإنجليزي والإسباني مهما ساء موقف وأداء الميرينجي في المباريات الماضية فيظل الفريق الإنجليزي يقدم عروضاً رائعة كل مباراة وبسيناريوهات جديدة كل مرة في كيفية خسارة النقاط والهبوط في المراكز حتى وصل الآن إلى المركز السابع، لحظة كتابة هذا المقال، منتظراً هبوطه عاجلاً أم آجلاً فور انتهاء باقي الفرق من مبارياتها.
أما ريال مدريد فمازال متمسكاً بالمركز الثالث في المعركة الثلاثية بينه وبين برشلونة وأتليتكو مدريد على الظفر بلقب الليغا هذا العام، فبالرغم من الأداء السيئ في كل مباراة فإن "زيزو" ما زال يخطف بعض الانتصارات التي تحافظ على مفتاح مكتب المدير الفني بمدينة مدريد في جيبه على الرغم من الانتقادات. وبما أنه لا يوجد حل لأي بطولات على الأغلب هذا العام إلا معشوقة الإسباني دوري الأبطال فستكون الفرصة الأخيرة ليس لتثبيت مكانته كمدير فني فقط ولكن لتثبيت مكانته التي اهتزت في قلوب المدريديين.
أما في حالة اللاعبين فكلا الفريقين يعاني من "النزيف الداخلي"، فالريال الذي ليس لديه من النجوم ما كان لديه، ولا يملك حتى العناصر الحاسمة أو بمعنى أدق العناصر التي هي الحسم بذاته، وأما ليفربول الذي ما زال منذ 2018 يسير بنفس الإطارات على رغم من تهالكها ووجوب صيانتها قبل أن يأخذ المزيد من المخالفات، فما زال الألماني كلوب يحافظ على نفس العناصر الرئيسية مجبوراً وليس اختياراً. وإن كانت كلمة "يحافظ" كلمة إيجابية زيادة عما نشهده من الإصابات وفقدان العناصر الأساسية نفسها.
ولكن أيضاً من الظلم أن نكتب بهذا فرمان إعدام للإنجليز أمام الإسبان، فعلى الأقل إذا سقطت المنظومة ظلت العناصر، فبوجود أسماء في خط الهجوم مثل صلاح وماني فما زال الانسحاب ليس إنجليزياً، وإنما اعتدنا تاريخياً على كفاح الإنجليز في أسوأ المواقف وبأضعف الإمكانيات.
ولكن يظل غياب أهم سلاح لدى كلا الفريقين وأكبر أسباب سوء نتائجهما في الفترة الأخيرة هو ضعف يلازم كليهما وهو الغياب الجماهيري، وإن كان أكبر المتأثرين بهذا هو الأنفيلد، فكم كان الأنفيلد مكاناً مرعباً لكل منافس مهما كان حجمه ومهما كانت قوة ليفربول أو ضعفها. كان واحداً من أكثر العوامل التي تعطي لاعبي ليفربول دفعة غير طبيعية وكم أخرجتهم من مواقف سيئة بانتصارات عظيمة، ولنا في نصف النهائي أمام برشلونة أكبر مثال.
ولكن في وطننا العربي تكون المنافسة بشكل مختلف تماماً عن باقي أنحاء العالم فستجد صلاح يلعب أمام ريال مدريد وليس ليفربول، وهذا من الأشياء التي يجب أن نكون فخورين بها وليست مدعاة للشماتة، فستجد الجماهير في الأرجنتين ترفع اسم ملكها الأوحد ميسي في السماء مثلها مثل الجماهير حتى في السنغال مع ساديو مانيه أو جماهير بلجيكا مع إيدين هازارد، لذلك لم يكن عيباً أبداً أن يشجع شخص ما فريقاً للاعب يمثل بلاده كما أنه ليس عيباً أن يشجع شخص ريال مدريد كفريقه المفضل دائماً.
ولكن ما كان عيباً وسيظل هو أن تحول المنافسة الرياضية لساحة سخرية من إصابة أفقدت شخصاً حلمه أو أبعدته عن أكثر ما كان يتمناه فليس هذا لصلاح فقط، ولكن لم ولن تكن إصابات هازارد او ديمبلي أو غيرهما شيئاً، يجعلنا نسخر أو نقلل من لاعب، فهي شيء لا يمكن للاعب اختيار توقيته أو كيفيته، وكذلك فإن تعمد إصابة لاعب المنافس ليست أبداً من الأشياء التي تدعو للتفاخر.
معركة الإنجليز بقيادة ألمانية ضد الميرينجي الإسباني معركة لن نستطيع التنبؤ بما سيحدث فيها فدائماً مباريات الأبطال لها طابع آخر في التنافس لا علاقة له بباقي النتائج، خصوصاً أن هذه المواجهة الكلاسيكية في كرة القدم قد تضع قدم أحد الفريقين مبكراً في نهائي دوري الأبطال بعد القرعة الأخيرة، مع منافسين في المستوى، حتى لو لم نقل منافسين "في المتناول".
فهل يعود الفرعون المصري كما تعودنا منه دائماً في مباريات دوري الأبطال بشكل مختلف ويلقي بخلافات غرف الملابس إلى مرمى كورتوا؟ أم لكتيبة بنزيما رأي آخر بأن يثبت كريم أنه يمكنه حتى في أصعب المواقف حمل ريال مدريد والحصول على دوري الأبطال مجدداً وحيداً في الخط الهجومي؟ ولكن الأهم من هذا كله أننا على وشك الاقتراب من منافسة كانت وما زالت مما يشعل قلوب عشاق كرة القدم باختلاف انتماءاتهم ومما يتابعها الملايين حول العالم، فلنستمتع ونرَ الفائز بمعركة من رائحة التاريخ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.