هل حاولت من قبل الدخول على محرك البحث وكتابة "ميسي يحطم رقم"؟ في حال أنك قمت بتجربة هذا ستعرف أنها أسهل طريقة للبحث عن أساطير كرة القدم على مر التاريخ. في كل مباراة تجد ابن أندريس كطفل في السادسة يعبث بكتب التاريخ والجميع يتجهزون للاحتفال كل مباراة بكسر رقم جديد، ويكأن الأرقام تقف صفاً كالكرات أمام يسرى ميسي تسابق بعضها للدخول إلى دولاب إنجازاته.
ليس هذا فحسب، فميسي منذ بداية العام الجديد قام بإحراق كتاب التاريخ ولم يمزق صفحاته فقط، فأن تكسر رقماً للأسطورة بيليه بعد اعتزاله بـ45 عاماً ومع تطور كرة القدم وتطور أساليبها يوماً بعد يوم، هذا ليس بشيء يمكننا أن نمر عليه كمرور المدافعين أمام ميسي، كأن أفضل ما أنجبت روزاريو يرفض أن يترك الأسطر كما هي فيعادل في آخر مباراة رقم تشافي ليكون له الأولوية المباراة القادمة كأكثر من مثل قميص البلوغرانا عبر العصور، ليصبح ميسي أكثر من شارك وسجل وصنع وأحرز بطولات مع نادٍ بحجم برشلونة على مر التاريخ!
ولو ظللت أسرد أرقام ميسي مع برشلونة سيسبقني بأرقام جديدة حتى آخر تمريرة ولن أكون في صدمة إذا وجدته يخترع أرقاماً أخرى فربما نسمع عن تحطيم ميسي لأكثر لاعب وضع تسديدات في العارضة أو أكثر لاعب قام بتكرار احتفاله على مر الزمان.
وما يجعل الأمر أكثر رعباً هو تصريح ميسي دائماً عندما يتم إخباره بأن المطابع في سويسرا بدأت في طباعة أسطر جديدة لكرة القدم فيقول: "حقاً! لم أكن أعلم لقد كنت مهتماً فقط بتغيير النتيجة"، فما بالك لو كان هذا الـ"ليو" يراقب دائماً أرقامه أو يسعى لتكسير الأرقام والحصول على الأرقام الفردية؟
ستجده دائماً في عالم آخر ما زال يلعب الكرة للمتعة، مهما ظلت الكرة الحديثة في عقمها التاريخي والرأسمالية الكروية الحديثة، ستجد أقدامه تعبث بقلوب العشاق والمنافسين، أقداماَ تعبث بالمعاجم فتحذف منها كلمة "مستحيل". ورغم كل هذا لا تجد من هو أقل حظاً في كرة القدم من ميسي، ولا يوجد من تعانده المستديرة إلا قدمه نفسها، يفعل كل ما لا يمكن لأحد فعله وفي النهاية تحاربه المستديرة بتغيير مفاجئ في أنماط المناخ ليضيع ميسي ضربة جزاء ويقال متخاذل.
على الرغم من هذا تجد تلك المستديرة تحبه فلا تفارق قدمه وتقسم ونقسم أنه لم يلعب بالكرة مثله ولم نر كرة القدم قبله ولن نراها بعده مثلما كانت، ولكنها تعطيه يداً وتأخذ الأخرى، تبسط له الملعب تارة وتضيق الخناق عليه برفقائه قبل منافسيه تارة، ولكنها تخاف مثلنا وأكثر أن يهجرها الملك، تخاف أن توقظ كل من شاهدها ولو في لوحات إعلانية قبل أن يكون من عشاقها على كابوس، يسدد ميسي فيصفق له كل من في الملعب بمختلف انتماءاتهم، يبكي ميسي فتلامس دموع الحزن كل الشعارات على قمصان المشجعين، ترافقه المعشوقة شهراً وتتركه ينحت الأخضر واليابس دهراً، تسأله هل هذا أكثر ما عندك؟ وهي تعرف أن ما زال هناك المزيد، ولكن مثل غيرة العشاق تخرج أسوأ ما فيه لتستمتع ونستمتع به.
تعرف أنه مختلف دائماً عن كل من حاول القرب منها فتعطي من لا يستحق أكثر مما تعطيه، تعرف أن لديه من الانتماء ما لو وُزع على الرجال ما خان رجلٌ امرأةً قط، ولديه كصمود الجيوش الأهلية في الدفاع عن أرضها، ولكن تظل تراوغه كما يراوغها فتخشى أن تعطيه كل شيء فيتركها سريعاً.
تجد أداءً فردياً خرافياً ثم يتم نسف كل شيء تم بناؤه في ساعة ونصف، فتجزم أن هذا سيترك الكرة بعد هذه المباراة، وأن هذه نهاية الرحلة أو أقلها تغييراً في المسار، ينفجر فتجده يُطرد لأول مرة، أو يهاجم في الصحافة كما لم نعهد عليه، ولكن بعدها تجده مبتسماً يلعب بالكرة كالطفل الصغير، يقدم كل ما بوسعه وما ليس بوسعه، يعامل كمثل الأب في منزله، يطلب منه فينفذ دون أن ينظر للنتائج مهما كانت الأمور مستعصية، تجده يقلب الطاولة ليخرج لك ما تريد شخصيته، دائماً تخرج بعد الهزائم وليس فقط الانتصارات بعد كل نكبة، يجبرك أن تقف وتصفق.
يعلمك دائماً أنه لا يأس في الحياة ونحن نعرف أنه لا يوجد حياة بدون يأس، تجده غاضباً حتى الانفجار، ولكن مع كل صافرة جديدة هي بداية جديدة وهي سطر جديد يجب التركيز فيه، دون النظر لما سبقه من أسطر فيعلمك دائماً أنه ما دامت الكرة في الملعب ولم تسمع الصافرة فلا تتوقف أبداً عن الركض.
ويظل ميسي يركض ونظل متيمين بركضه ويظل يسدد ونحن ننبهر بكل تسديدة كأنها المرة الأولى التي يبهرنا فيها، ولكن ما نكتشفه كل يوم أن الكثيرين هوايتهم كرة القدم، ولكن ميسي يسعى دائماً للأعلى وللقمة، يسعى قاصداً أو غير قاصد لتدمير أرقام كل من سبقه، وتعجيز كل من سيأتي بعده فيضع حداً لكرة القدم.
لن يستطيع أحد لوقت طويل أن يصل إلى ذلك الحد، إلا إذا قررت الفيفا احتساب أهداف الآخرين، كل هدف باثنين. فسيظل ميسي هو ليونيل الهادئ يمارس هوايته في التحطيم ونظل نحن نمارس هوايتنا في الانبهار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.