الترهل الإداري الذي يصل إلى حد الفساد هو السمة السائدة في العمل الإداري بدول العالم الثالث، وهو أحد أهم أسباب التخلف الأكاديمي والصحي والاقتصادي والمالي والسياسي، وبالتالي فالنتيجة الطبيعية هي حدوث المصائب بين الحين والآخر، وحجم بعض تلك المصائب يكون كبيراً بحيث لا يمر مرور الكرام.
صحيح أن الجميع في الأردن ينتظر نتائج التحقيق وكشف حيثيات وتفاصيل ما حدث بالأمس في فاجعة مستشفى السلط في الأردن، والتي نتج عنها وفاة ستة مواطنين على الأقل بسبب عدم وجود "أوكسجين" في المستشفى، ومن ثم معاقبة من تسبب بها.
ولكن لا يمكن أن تخرج أسباب الفاجعة عن إطار الترهل والإهمال والتقصير الإداري في العمل، وهي مشاكل عميقة متراكمة منذ عشرات السنين، والسبب في توقع هذه النتيجة هو أنها ليست المأساة الأولى في القطاع الطبي، ولكن ما يميزها هو حجم المصاب وعدد الوفيات الكبير.
القطاع الطبي في الأردن يعاني كثيراً منذ عقود، وقد سبق أن ظهرت تلك المشاكل إلى العلن من خلال عدة إضرابات عن العمل قامت بها كوادر القطاع الطبي مراتٍ عديدة في وزارة الصحة ونقابة الأطباء للمطالبة ببعض الحقوق، منها تحسين ظروف العمل وتقليل الفجوة في الحقوق ما بين القطاع العام والخاص!
ومع مراجعة كيفية معالجة معظم الأزمات التي حصلت سابقاً في القطاع الصحي تحديداً؛ فإن الفزعة هي السمة السائدة في الحلول وما تلبث الأمور أن تعود بعدها بفترة لنفس النقطة، وكأننا ندور في حلقة مفرغة عاجزين عن إيجاد حلول طويلة الأمد لتطوير هذا القطاع الأساسي.
الفرق الآن في كيفية التعامل مع فاجعة مستشفى السلط هو في سرعة التصرف من خلال إقالة وزير الصحة وبعض المسؤولين كإجراء فوري، مع أن الأصل هو اعتماد التحقيق والمساءلة لكي يتبين المقصرون ومن ثم محاسبتهم، إلا إذا كان الهدف مما حصل هو تقديم "كبش فداء" ولملمة المأساة وطيّ الملفات.
الحقيقة أن القطاع الصحي يحتاج للتطوير منذ زمنٍ ليس بالقصير، وحسب مطالبات نقابة الأطباء فهنالك فجوة كبيرة في الأجور بين القطاع العام والقطاع الخاص، وأيضاً هنالك نقصٌ في الكوادر الطبية المتخصصة بشقيها الأطباء والممرضين، وكذلك نقص في المعدات والتجهيزات.
إن توفير العلاج مسؤولية الدولة، ورغم ذلك فهنالك نقص في عدد المستشفيات في العاصمة عمان وباقي محافظات المملكة، والعديد من الخدمات الطبية لا تتوفر في المحافظات، وأصبح العُرف الاجتماعي أن يبحث المواطن عن "واسطةُ" لكي يحصل على تحويل لمستشفيات وزارة الصحة في عمان!
ليس هذا فحسب، بل يبحث الكثير من المواطنين عن إعفاء من هنا أو هناك لكي يحصل على العلاج في مستشفى حكومي لإجراء عملية؛ لأن العديد من المواطنين غير قادرين على دفع تكاليف العلاج!
ولا يعقل أن يشكل توفير الأوكسجين لكافة المستشفيات بشكل مستمر تحدياً كبيراً تواجهه وزارة الصحة، حتى وصل الأمر لاستيراده من السعودية والكويت، فإنتاج الأوكسجين الطبي من خلال مولدات خاصة لا ينطوي على إمكانيات مالية كبيرة، بل يحتاج إلى قرار.
على الجانب الآخر لا يمكن إغفال الجانب الإيجابي في ردة الفعل الرسمية على الفاجعة وعلى أعلى مستوى، بدايةً من الملك عبد الله الثاني والذي تواجد بسرعة في المستشفى وبزيه العسكري، وهذا له مدلولاته، وفي ذلك قدوة حسنة يفترض أن تكون رسالة قوية للمسؤولين بشكل عام.
وكذلك وزير الصحة رغم إقالته فقد كان على الموعد، وهو ما فعله العديد من المسؤولين ومنهم النواب، وهذه ميزة في الأردن بالمقارنة مع المحيط العربي الذي ينعزل فيه المسؤولون تماماً عن الشعوب؛ بل في أزماتٍ مشابهة لما حصل في الأردن فقد تم تحميل من نقل الحدث إلى وسائل الإعلام المسؤولية عن الحدث، بل وأكثر من ذلك حيث تم نفي وقوع الحدث أصلاً مع أنه مُوثّق بالصور والفيديوهات!
إن المواطن الأردني محب لوطنه بفطرته، ورغم شدة الحزن على المصاب الجلل والترحم على من توفى، فإنه ينتظر أن يكون هناك علاج من نوعٍ جديد لمشاكل القطاع الصحي بعيداً عن الفزعة التقليدية، فهل يعقل أن يكون في الأردن أطباء عاطلون عن العمل؟!
من الناحية الأكاديمية فإن الكفاءات الطبية الأردنية مشهود لها بالتميز والكفاءة رغم بعض الهفوات بين الحين والآخر، ويُصدّر الأردن سنوياً العديد من تلك الكفاءات إلى دول الجوار، ولذلك يُنتَظر من الحكومة تغيير سياساتها تجاه هذا القطاع من حيث توفير ظروف العمل المناسبة وزيادة عدد المستشفيات والكوادر، وإلا فسنبقى ندور في نفس الحلقة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.