الحكام العرب استبدوا بشعوبهم، وجاروا على أوطانهم، قمعوا شعوبهم، ووزعوا ثروات الوطن على حملة أعمدة عروشهم، وعقدوا تحالفات مصالح أظهرت خبرة العقود الماضية أنها كانت ضد الوطن والمواطن.
وقد طالبت الشعوب بالتغيير السلمي في السياسات أو في الأشخاص، ولكن تمسَّك الحكام بالسلطة، ولم يكترثوا لمطالب الشعوب، وسارعوا إلى قمعهم، واعتبروا مطالبات التغيير السلمي وقاحةً وتجاوزاً من الشعوب ضد حكامهم، وإنكاراً لجميل هؤلاء الحكام.
فلما سد الحكام العرب كل منفذ للتغيير السلمي أن يغير أو يتغير، انفجر الشعب في ثورات متتابعة، فانقض عليها الحكام وتحالفاتهم الداخلية والخارجية لتأبيد الوضع الراهن "status quo".
ولما كان هذا الوضع الراهن يضر بالوطن والمواطن ولا بد من تغيير السياسات أو تغيير الحاكم، ولما كانت الثورات تشكل خطراً على الأوطان، وهو الفوضى التي لا تقل خطراً عن حراسة الحاكم للوضع الراهن الذي يتم فيه مصادرة حريات الشعوب وإطلاق يد الحاكم في كل شيء، فيتفاقم الفساد، ويعطب المجتمع، وتتعرض الدولة الفاقدة للاستقلال للزوال، بعد أن غير الحاكم وظيفة الحكم من رعاية الوطن والمواطن إلى جلد المواطن والتصرف بشكل شخصي في الوطن، اعتماداً على تملُّك كل أدوات السلطة والمقدرات.. في ضوء هذه القراءة الواقعية فكرت في حلحلة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وذلك من خلال مناقشة عدة قطاعات حاسمة تتحكم في هذه العلاقة.
القطاع الأول: هو تمسك الحاكم بالسلطة وممارستها بشكل مطلق، واستخدام الفساد لدعم السلطة المطلقة، فأفسد قطاعات من الشعب انحازت إلى مصالحها ضد مصالح الوطن، إما جهلاً أو انتهازية. زد على ذلك أن الحاكم لا يشعر أن حكمه مشروع، ولذلك يحرص على التوسع في الإنفاق على الأتباع، ويتوجس خيفة من الكفاءات، خاصة الشرفاء من العلماء ورجال الدين.
ثم عندما يمكث في السلطة مدة طويلة -وهو الأغلب- يصاب بأمراض السلطة، التي تضاف إلى أمراض جينية فطرية عند الحاكم.
وأعتقد أن تخفيف تمسك الحاكم بالسلطة، حتى لو كان ذلك بين دوائر صغيرة مثل جماعات المصالح التي تهيمن على المؤسسات، وتوازياً مع ذلك، لا بد أن يظهر اتجاه بين المساعدين لرفض منهج الحاكم المتطرف في إضراره بالوطن، ومن ناحية ثالثة لا بد من تهذيب نفس الحاكم وغرس الأخلاقيات فيه، لأن نهم السلطة يزيح كل ستار أخلاقي.
أما القطاع الثاني: فهو استسلام الشعب لنزوات الحاكم، إما بالإعلام أو القبضة الأمنية، وليس مطلوباً من الشعب مطلقاً أن يثور على هذا الحاكم، ولكن المطلوب أن يستعيد عقله ويتحدى إعلام الحاكم، ويستأنس شراسة الأمن بلا مواجهة أو عداء في إطار الأوساط الاجتماعية.
القطاع الثالث: هو توعية النخب التي يستعين بها الحاكم في جميع الساحات، بأنه إذا عمل الحاكم لمصلحة الوطن وليس لمصلحة الحاكم وأتباعه، وجب معاونته ودفعه إلى خططه وإعانته عليها، لأن ذلك خدمة للوطن من خلال الحاكم المستنير.
القطاع الرابع: وهو علاقة الحاكم بالخارج، وهذا أعتقد أصعب القطاعات، لأن الخارج يعتقد أن مصالحه في تدمير الأوطان والهيمنة على الحاكم إن لم يتحكم في تنصيبه وضمان استمرار حكمه.
ولتحقيق ذلك لا بد من العمل على عدة جبهات، الأولى تتعلق بالخارج، والثانية تتعلق باستعداد الحاكم وحاجته الماسة إلى الخارج الذي يستمد منه شرعية حكمه وتأمين حكمه مع الخارج، دون أن يتلاعب الخارج بالحاكم من خلال النفاذ إلى عناصر داخلية تُرغم الحاكم على سلوك معين لصالح الخارج، وهي نقطة حساسة يخشاها الحاكم، رغم أنه يرى بنفسه تجارب وخبرات يستعين الخارج فيها بالحكام، فلما تنتهي مهمتهم يتخلص منهم بطرق مختلفة، وقد حدث في معظم الدول، وخاصة كل الدول العربية، منذ رحيل الاستعمار، بل وتجاربه، وأنها هي التي حرّرت الوطن وأنشأت الدولة الوطنية، فهي صارت ملكاً للحاكم وليس للشعب، ولهذا يحارب الخارج أي ممارسة ديمقراطية، كما يستعين بإسرائيل لإحباط أي فكرة بنّاءة للديمقراطية والتنمية.
وعلاج هذا الإشكال يتم بخطوات كبيرة لا بد منها، نخصّ منها 5 أساسية:
الخطوة الأولى: ضرورة وضع خطة تحقق مصالح العرب وأوروبا، دون حاجة إلى التآمر على العرب، أو استخدام الحكام العرب في مخطط يحقق مصالح الحكام والغرب ضد الأوطان.
الخطوة الثانية: ضرورة تشكيل مجلس عربي أوروبي مشترك من مجموعة من الشخصيات المستنيرة لمناقشة خطة المصالح العليا للأوطان والالتزام بها، وأن تنتخب حكومات أوروبا على هذا الأساس، وتقيم على هذا المعيار، بحيث تكون الحياة والاستقرار والازدهار للجميع، وحل جميع المشاكل العالقة بين العرب المسلمين وأوروبا.
الخطوة الثالثة: تنشيط دور الجاليات العربية والإسلامية في الغرب، بحيث تتخلى عن سلبيتها وتنخرط في عملية بناء الجسور الجديدة.
الخطوة الرابعة: التواصل مع شرائح الشعوب العربية والأوروبية والعمل مع المؤسسات الديمقراطية وعقد مؤتمر سنوي للمراجعة وفق تقرير اللجنة المشتركة للرصد في الجانبين.
الخطوة الخامسة: ضرورة دراسة خريطة المصالح العربية الأوروبية وركائزها، ودور التواطؤ بين حكام العرب والحكومات الأوروبية ضد الشعوب العربية.
الخطوة السادسة: ضرورة إنهاء الحكم الأسري والحزبي والعسكري على مراحل، وتطعيم المكون المدني بكل قطاع حتى يتم استحواذه على كل مرافق الدولة، وذلك بالالتزام بالقانون الصحيح.
الخطوة السابعة: إعداد برامج نفسية وثقافية لكي تتغير نظرة الحكام ووسائل حكمهم إلى شعوبهم وتغيير نظرة الشعوب إلى حكامها.
الخطوة الثامنة: ضرورة تشكيل مجلس من المتخصصين لمساعدة الحاكم وترشيد قراراته، ووضع برامج لمدة 5 سنوات، يتم فيها تخلي الحاكم عن الامتيازات غير القانونية، وتجريد المنصب من الامتيازات، حتى يكون خدمة عامة وليس وسيلة نهب وتربح.
الخطوة العاشرة: إصلاح المؤسسات بحيث تصبح مؤسسات الدولة وليس الحاكم، وأن توضع أمامها مصالح الوطن لكي تتضافر على تحقيقها.
الخطوة الحادية عشرة: وهي المرحلة الأخيرة، حيث يتحول المكون المدني إلى مكون أساسي، ويتراجع المكون العسكري إلى المعسكرات على الحدود، كما يتراجع المكون الديني إلى دور العبادة مسلمين ومسيحيين. وتعتمد الكفاءة وحدها، بصرف النظر عن انتساب المتقدم إلى أي مكون بعد مرور عشر سنوات من التحصين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.