إذا كنت سائقاً ماهراً وحذراً ولكنك تعرضت لحادث مروري في يوم من الأيام، فمن المحتمل أنك لن تغير طريقة قيادتك للسيارة. إذ كنت حريصاً بما يكفي لتجنب الحادث لكنها مشيئة القدر وأخطاء الآخرين التي حسمت الموقف من الناحية الأخرى.
لكن إذا كنت سائقاً متهوراً متذبذب المستوى، ولديك مؤخراً بعض الأخطاء القاتلة، فقد تعتقد أن الوقت قد حان لإعادة تقييم منهجك وطريقتك حتى قبل ارتكابك لحادث جديد، أو على الأقل ستحاول تفادي الاصطدام المحتوم.
إذا كان ذلك التشبيه البسيط واقعاً نعيشه كل يوم، ليس في قيادة المركبات فقط بل في كل مناحي الحياة. وإذا كنا نؤمن بأن كرة القدم هي انعكاس بشكل أو بآخر لحياتنا، فلماذا لا نفكر بنفس الطريقة عندما يعطي الحظ ظهره للفرق التي نشجعها؟
عمر شودوري، أحد أهم محللي البيانات الرياضية في العالم، وبعد دراسته لآلاف من مباريات كرة القدم في مختلف البطولات، خرج بتقرير عنوانه "متى ينبغي أن تغير فريقاً فائزاً؟". ومفاد التقرير هو أن الفرق الأفضل على مستوى صناعة الفرص هجومياً وكذلك التي تستقبل فرصاً أقل دفاعياً، تحقق نتائج سلبية في 35% من مبارياتها سواء بالتعادل أو الهزيمة، ما يعني أن أكثر من ثلث مباريات كرة القدم ينتصر فيها الفريق صاحب الأداء الأضعف!
تتحكم في نتيجة مباريات كرة القدم عوامل متعددة بمشاركة أكثر من طرف. كل طرف بإمكانه التأثير على النتيجة النهائية للمباراة. "مدربون، لاعبون، إدارات الأندية، الحكام، الطقس، أرضية الميدان". وإن تمكن نادٍ من التحكم في الـ٣ عوامل الواقعة في نطاق سيطرتك (لاعبين ومدربين وطريقة الإدارة)، وهو الأمر الأقرب للاستحالة، فمن المستحيل التحكم في "الحظ، العشوائية، الظروف العارضة". وستبقى النتيجة رهناً لتفاعل كل تلك العوامل، وسيبقى الجهد المبذول أسيراً لنفس العوامل بدرجات مختلفة.
الواقع هو أن الأندية غير قادرة على إحكام السيطرة على أي عنصر من عناصر منظومتها الثلاثة؛ لأن إدارات الأندية ما زالت ترتكب حماقات كبيرة (انظر كيف دمرت إدارة بارتوميو نادي برشلونة)، تلك الحماقات تؤثر على نتيجة فرقها وعلى المدرب الفريق الذي قد يتخذ قرارات فنية سيئة تؤثر على نتيجة المباراة. واللاعبون، في كل مكان، ومنذ قديم الأزل، يقدمون أداءً سيئاً ويرتكبون أخطاء غير متوقعة ودون سابق إنذار، وبسهولة تفقد الأندية السيطرة على مجريات الأمور ويصبح مصيرها بيد عمرو لا بيدها.
ولو افترضنا جدلاً، إمكانية تحقق السيطرة الكاملة وأن إدارة نادٍ ما استطاعت توفير سبل النجاح، باختيار طريقة مناسبة لتسيير النادي لتعظيم نقاط القوة وإخفاء نقاط الضعف، وأن المدرب يدرب لاعبيه بشكل ممتاز ويضع سيناريوهات ذكية للمواجهات ويختار التشكيل المثالي في كل مباراة، وأن اللاعبين في أفضل حالاتهم النفسية والبدنية والفنية، بعد كل ذلك، من الممكن وقوع مفاجأة غير متوقعة في لعبة "حظ" أو مشهد فوضوي لأي سبب كان.
افتتح شودوري تقريره طارحاً سؤالاً هاماً، وهو: لماذا لا نفكر في أحوال كرة القدم والفرق التي نشجعها بنفس الطريقة التي ننظر بها إلى أنواع سائقي السيارات. واستخدم مصطلح الـ "reactive thinking" أو ما يعرف بالتفكير التفاعلي وأشار لخطأ "التفكير التفاعلي" مع النتيجة بدلاً من الأداء أو العملية بأكملها. لأن سلامة العملية هي التي تضمن استمرار النتيجة وليس العكس وأنه من المفترض أن تكون تدخلاتنا كإدارة أو كجماهير أقل حدة في حال كنا واثقين من سلامة العملية وحسن الأداء، حتى لو كانت النتيجة سلبية، لأن جداول الترتيب ليست انعكاساً حقيقياً للواقع على أرضية الميدان.
في نهاية التقرير، قال شودوري إن أذكى الأندية في العالم هي الأندية التي لا تتفاعل مع النتيجة غير بعد النظر للعملية وتقييم الأداء مع ضمان توافر عوامل التحكم التي من شأنها ضمان نجاح العملية.
والحقيقة ينبغي أن نقف هنا قليلاً، فما ذكرته موجّه لأندية قادرة على التحكم في عناصرها الثلاثة بشكل جيد أو على الأقل لأندية فاقدة لجزء صغير من تلك المعادلة لكن نتائجها غير متوافقة مع واقعها، والحقيقة أنه بنظرة بسيطة للواقع سيتضح أن نادي الزمالك فاقد لأكثر من نصف متطلبات العملية أساساً.
إدارة متخبطة وسيئة لأبعد حد ممكن وبالتبعية خلل ومشاكل ضخمة في عملية تسيير الفريق بالجملة، وفريق محروم من إمكانيات أهم نجومه لأسباب مختلفة. والأكيد -على حد علمي- هو فشل أي مدرب كائناً من كان، في التعامل مع كل هذا الكم من المشاكل. لكن المحزن في الأمر أن الطرف الوحيد السليم في معادلة نادي الزمالك، المدرب جايمي باتشيكو، هو الملقى به في قفص الاتهام من طرفين هما الجناة الرئيسيون في قضية تردي الأداء بهذا الشكل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.