قالوا في الأشعار قديماً:
تُريك أعينهم ما في صدورهم *** إن الصدور يؤدي سرها النظر
وقال الجاحظ أيضاً:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها *** إشارة مذعور ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبـــــاً *** وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيم
وقالت العرب قديماً:"الصَّبُ تفضحه عيونه".
انتبه: نقوم عادة بتقييم الآخرين وإصدار سلسلة من الأحكام السريعة عليهم بالاعتماد فقط على ما نراه في عيونهم. ليست وظيفة عيوننا فقط النظر والبكاء، فالعيون نافذة الروح، وانعكاس الشخصية، فهي تخبرك الكثير عن صاحبها، وهي تتكلم عندما تلتقي بعيون شخص آخر، فتقنعه بصدق ما يقول صاحبها، وتخبره بأنها تحبه وتحترمه وتقدره، وقد تخبره بأنها تسخر منه ولا تكن له أي احترام، كما أنها تقول الكثير عندما تهرب من النظر في عيونه فتشي باضطرابه وخوفه وربما عدم صدقه، وتستطيع العيون أيضاً إثارة تعاطف وشفقة الآخرين مع صاحبها، وبإمكانها في ذات الوقت تحديهم وإشعال غضبهم. تعبر عيوننا عن انتصارنا كما تعبر عن هزيمتنا.. فكيف لهاتين العينين اللتين تحتلان جزءاً صغيراً من أجسادنا أن تفعلا كل ذلك، وتحملا كل تلك المتناقضات، وهما الضعيفتان اللتان تؤذيهما ذرة الغبار، واشتداد الريح؟
إيكهارد هيس، رائد دراسات حدقة العين، قام بإجراء الكثير من التجارب على بؤبؤ العين ليتوصل إلى نتيجة مفادها أن توسع البؤبؤ لا يحدث فقط استجابةً منه لانخفاض حدة الضوء التي تتعرض لها العين، إنما هو عبارة عن عملية دماغية مستمرة، حيث إن استجابته هذه تكون أيضاً مقياساً للاهتمام، العواطف، والمواقف. ما معناه أن بؤبؤ العين يتوسع عندما يرى الشخص شيئاً أثار اهتمامه أو أعجبه، فعندما يقدم للزبون عرض مغرٍ لشيء يحبه ويعجبه فإن ردة فعله المتوقعة هي توسع بؤبؤ عينه، طبعاً هو لا يعلم أن بؤبؤ عينه قد توسع ولكن مندوب المبيعات الماهر، دقيق الملاحظة لن يفوت إيماءة مهمة كهذه، حتى وإن حاول الزبون المماطلة وتخفيض السعر إلا أن هذا المندوب سيدرك أنه بإصراره على شروط العرض المقدمة كما هي دون تقديم تنازلات أو تقديم تنازلات بسيطة لن تبطل الصفقة، لأن الزبون مهتمٌّ بها ويرغب في إتمامها، حتى إن قالت كلماته نقيض ذلك. وبعيداً عن المال والأعمال، تستطيع معرفة مدى جذبك لاهتمام الناس الذين تقابلهم من خلال حدقات عيونهم، فإن لَفَتَّ انتباههم وحُزتَ على إعجابهم فإن حدقات عيونهم ستتوسع، بسبب قاعدة المثير والاستجابة.
وأود التأكيد على أن توسع حدقة العين هي تلقائية لا إرادية، فنحن لا ندرك أن حدقات عيوننا تتوسع عندما نهتم أو نُعجب بشيء. وما أود التنويه إليه أيضاً أننا في الدول العربية لا نكاد نستفيد من توسع بؤبؤ العين لمعرفة مشاعر الآخرين، كما أننا لا نكاد نتبينها بسبب اللون الداكن للعيون لدى الأغلبية العظمى من العرب، فالأغلب تكون لون عيونه بنية، أو سوداء، أو عسلية داكنة ولون بؤبؤ العين يكون أسود، فلا نكاد نستطيع التمييز بين لون البؤبؤ ولون القزحية بسبب التقارب الشديد في اللون. ولكن عندما يكون لون قزحية العين فاتحاً مثل القزحية الزرقاء، الخضراء، العسلية الفاتحة…الخ، نجد توسع وتضيق البؤبؤ واضحاً جداً، فأي تغير في حجمه سيكون ملحوظاً من الشخص المقابل، وعندما يمتلك الشخص المهارات الخاصة بلغة الجسد ومن بينها ما يخص توسع وضيق بؤبؤ العين فإن ذلك سيساهم في زيادة فرص نجاحه في معرفة حقيقة مشاعر الآخر، لهذا لاحظ أن مراقبة عيون الآخرين أثناء الحديث ضرورة، فهي تكشف ما يفكرون به.
عندما تحتدم الأمور فيما بيننا نقول: "حط عينك في عيني" فصاحب الموقف الضعيف، المراوغ، غير الواثق من نفسه، يخشى من النظر بشكل مباشر في عيون الآخر.
يعتبر علماء لغة الجسد أن التواصل البصري الناجح يتراوح ما بين 45-60% من الوقت بين المتحدثين، أي تقريباً نصف وقت الحديث مع الآخرين، إذا زاد التحديق في وجه الشخص الآخر عن ذلك سبب له انزعاجاً وشعوراً بالحصار، بينما إذا قل التواصل البصري عن ذلك كثيراً، يتسلم الشخص رسالة تحمل في طياتها الاستهتار واللامبالاة وعدم الاهتمام بوجوده. وعندما ينظر المستمع في عيونك، أثناء الحديث ثم يبعد نظراته، ويعيدها إليك من جديد، فيدل على أن المستمع قد سئم حديثك، وهو مشغول الفكر في شيء آخر. أما إذا أطال المستمع النظر في عيونك دون أن يرمش له طرف، فهو ينظر إليك بينما عقله شارد في مكان آخر، وإذا ما كان ينظر يمنة ويسرة لا يستقر على شيء، فهو قلق، وهناك ما يشغل باله.
ووُجد أن الناس يعمدون إلى الاتصال بالنظر عندما يستمعون أكثر مما يعمدون إليه وهم يتكلمون، كما أنهم يطلقون نظرات الكُره عندما يتعرضون لسؤال لا يعطيهم شعوراً بالراحة أو يشعرهم بالذنب. بينما إذا تعرضوا لسؤال أو عبارة تضعهم في وضع دفاعي أو عدائي فإن التواصل بالنظر يزداد بشكل مثير.
وعيوننا تفضح مدى صدق حديثنا، فعندما لا نكون صادقين ترانا في الغالب لا نستطيع أن نحافظ على التواصل البصري بثقة مع من أمامنا كما لو كنا صادقين، الأمر الذي يتسبب في حدوث خلل في التواصل البصري، ففي إحدى الدراسات تبين أن الشخص المخادع يتواصل بصرياً بشكل قليل مع الآخرين، كما يبادر للكلام بشكل أقل، ولا يعرض تفاصيل دقيقة، ويبدي إيماءات جسدية أكثر أو أقل من العادة، ويبتسم أكثر أو أقل من العادة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.