يعتبر تطبيق "كلوب هاوس" (Clubhouse)، من أبرز نوافذ التواصل الاجتماعي الجديدة، ولقد حقق شهرة كبيرة وانتشاراً واسعاً، بعدما تحول إلى برنامج يحتضن لقاءات سياسية ومناقشات جادة للغاية.
عبر "كلوب هاوس" من السهل جداً إنشاء غرف للنقاش، ولا يحتاج الدخول لتلك الغرف أو الخروج منها أي بروتوكولات معقدة، كما أنه لا توجد رقابة ما على تلك الجلسات، مما يسمح لجميع الأشخاص من مختلف الأفكار أن يناقشوا أي موضوع دون وصاية أو رقابة. ومن السهل للغاية أن يقوم أي أحد، بكل سهولة وسلاسة، بإدارة جلسة نقاشية بالطريقة التي تحلو له، بمشاركة العشرات أو المئات، بل حتى الآلاف في بعض الأحيان، دون وجود أي حد زمني أو ما شابه.
وبات من شبه المؤكد أن مثل هذه البيئة الإعلامية الجديدة ستضيف بعداً جديداً للغاية سواء للحيّز العام أو الفضاء الخاص بمواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تطوير وإثراء بيئة النقاش الديمقراطي.
تركيا عبر كلوب هاوس
على صعيد تركيا أجد أن هناك اهتماماً كبيراً موجهاً وبسرعة نحو وسيلة التواصل الاجتماعية الجديدة تلك، أما على صعيد العالم العربي فيمكن القول بأنّ سرعة انتشارها أكثر بكثير، وبالتالي تتمتع بفاعلية أكبر.
بالنسبة لغرف النقاش التي هي باللغة العربية، فإنها تضم عدداً غفيراً من المشاركين، ويمكن مناقشة العديد من القضايا ذات الصلة بالناس وهمومهم الحيايتة وأفكارهم وتوجهاتهم السياسية بكل سهولة ويسر. وهذا ما جعل الإقبال على هذه المنصة سريعاً وكبيراً بهذا الشكل، لا سيما بعد إسكات صوت جميع الوسائل الإعلامية المعارضة عقب قمع الربيع العربي.
وفي هذا السياق أذكر أنني حضرت غرفة نقاش ضمت مئات المشاركين من شتى بقاع العالم العربي، بدعوة من فريق صحفي في قناة الجزيرة، ودار النقاش حول العلاقة المؤسساتية فيما بين الحكومة والمعارضة في تركيا، إضافة لمشروع الدستور الجديد، والعلاقة بين تركيا والعالم العربي، ضمن نقاش مطول استمرّ 3 ساعات ونصف.
خلال الجلسة النقاشية، كان من ضمن المشاركين مناصرون لتركيا ومناهضون لها ومحايدون كذلك، كان هناك صحفيون وأكاديميون وسياسيون من مختلف الآراء والتوجهات ومن شتى الدول العربية. ولقد وجدت في تلك الجلسة النقاشية التي كان يديرها أحد صحفيي الجزيرة، فرصة للإجابة بشكل واضح للغاية عن العديد من الأسئلة الهامة لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات بين تركيا والعالم العربي. كما أن بعض تلك الأسئلة التي طرحت عليّ؛ كانت تفتح باب النقاش بين المشاركين للنقاش فيما بينهم.
وأودّ هنا في الحقيقة أن أنقل ما دار في الحوار حول سؤال أو سؤالين، يشكلان موضوعاً شائكاً يلقى اهتماماً كبيراً في العالم العربي، بل بات مادة دعائية.
المسألة الأولى انطلقت شرارتها عندما زعم أحد الصحفيين العرب أنّ تركيا ضمّت إليها مدينة "هاتاي" عام 1939 عبر فرض الأمر الواقع، واحتلت بذلك جزءاً من الأراضي العربية، سائلًا؛ هل تريد تركيا الآن تكرار ذلك، سواء في إدلب أو أي جزء من الأراضي السورية؟
يجدر بالذكر أن مثل هذا النوع من المزاعم والخطابات يتم ذكرها بشكل متكرر في بعض وسائل الإعلام العربية.
ما الشيء الذي يجعل هذه الأرض أرضاً عربيًّا؟
لقد أجبت عن السؤال بأسئلة عدة، حيث سألت؛ ما الذي يجعل أرضاً ما أرضاً عربية؟ هل القدرة المطلقة للحكام العرب على التحكم بأرواح وأموال وأعراض وعقول ودين مواطنيهم "العرب" دون معاملتهم بطريقة إنسانية؟
أم قدرتهم على قتلهم وزهق أرواحهم كيفما يشاؤون، ووضع أيديهم على أموالهم وممتلكاتهم دون حسب ورقيب؟ لو جرى استفتاء اليوم فما الذي سيختاره السوريون؛ هل سيختارون العيش تحت حكم الأسد العربي، أم تحت حكم تركيا؟ هل سألت نفسك لماذا اختار قرابة 4 إلى 5 ملايين من السوريين؛ اللجوء تحت حماية تركيا، وليس تحت حماية الأسد أو أي دولة عربية أخرى؟ سواء الذين يعيشون داخل تركيا أو شمال سوريا؛ جميعهم قد أوضحوا بما فيه الكفاية ترجيحهم البقاء تحت ظلّ تركيا، فهل يا تُرى وصلت رسائلهم بشكل واضح بما فيه الكفاية؟
كيف يُعقل منطق من هذا النوع أن يتهم تركيا بالمحتلة، وهي التي لم تفعل سوى أن أعطت الأمان والسلام لملايين السوريين الذين قصدوا أراضيها دون بلد آخر، ألا يجدر بهذا المنطق أن يتهم الحكومات العربية المتخاذلة بأنها محتلة؟ وهي التي لم توجه كلمة حق رادعة لنظام عربي تسبب في مقتل قرابة المليون إنسان دون أن يرجف له جفن، ماذا فعلت تلك الحكومات إزاء الملايين من "العرب" الذين مورست ضدهم أصناف المجازر والتهجير والتنكيل والتعذيب والبطش؛ سوى الاكتفاء بمشاهدة جميع ذلك عبر شاشات التلفاز فحسب؟
هل يستوي الانقلابيون-الإرهابيون الفارون من تركيا مع المظلومين المهاجرين إليها؟
هناك شخص آخر أيضاً لم يطرح كلامه بصيغة سؤال بل تحدث قاطعاً يزعم أن تركيا -التي استقبلت على أراضيها ملايين المظلومين والمضطهدين في بلدانهم-، قد فرّ منها العديد من الأشخاص ولجأوا لا سيما إلى أوروبا، وأن هذا اللجوء شاهد على الظلم الذي في تركيا.
بالطبع هذا النوع من المزاعم والادعاءات ليس سوى من جملة ما يسوّق له أنصار منظمتي غولن وبي كا كا الإرهابيتين، بحثاً عن زبائن لهما في أوروبا والعالم العربي. إنهم يضعون المظلومين المضطهدين الذين هاجروا بأرواحهم سواء من سوريا أو مصر أو اليمن ولجأوا إلى تركيا؛ في نفس الكفة؛ مع أولئك المجرمين والمتهمين الفارين من ملاحقة القانون لهم، هرباً من محاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم إرهابية واضحة للداني والقاصي.
لكن بالطبع، تلقى جواباً يليق بمزاعمه تلك: إن تركيا اليوم لم ولا تقوم بأي عمل غير قانوني تجاه الأفراد أو المجتمعات على حد سواء. وإن تركيا لا تقتل ولا تزهق روح أي أحد لا يحمل سلاحاً بوجه الدولة.
في تركيا، حتى الذين تثبت إدانتهم قضائياً، لا يمكن على الإطلاق أن يتعرضوا لأي نوع من أنواع التعذيب في السجون. ومن ناحية أخرى فإن جميع السجون في تركيا مفتوحة أمام جميع المنظمات الدولية.
إضافة لذلك فإن الهاربين من ملاحقة القانون لهم، ليسوا من المدنيين أو الأكراد أو المعارضين السياسيين، على العكس؛ هم إما أعضاء مباشرون في تنظيم إرهابي مسلح، أو على تعاون وثيق معه. ومن المؤسف أن الدول الأوروبية تقوم بحمايتهم واستخدامهم ضد تركيا. أما هذه الدعاية الكاذبة، فقد روّج لها أنصار منظمة بي كا كا الإرهابية في السابق، ومؤخراً تروجّ لها منظمة غولن الإرهابية على قدم وساق.
إن من فرّ من عناصر هذه المنظمة الإرهابية نحو الخارج، لم يفرّ لأنه معارض سياسي، بل لمشاركته في الانقلاب العسكري الذي قتل وجرح المئات من الناس، فرّوا كي لا تتم محاسبتهم على هذه الأفعال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.