في بداية العام الدراسي الحالي 2020-2021، قررت وزارة التعليم العالي في مصر أن تكون الدراسة بنظام التعليم الهجين، وهو الحل الوسط الذي اختارته الحكومة المصرية لتجنب زيادة حالات كورونا، والذي شمل حضور الطلاب محاضرة تقليدية وجهاً لوجه مع من يحاضرهم في قاعات الدرس والمعامل في أسبوع، ومشاهدة محاضرة مسجلة مسبقاً في الأسبوع التالي. كاد الفصل الدراسي الأول أن يكتمل وفقاً لهذا النظام، قبل أن تُقرر وزارة التعليم العالي إلغاء الدراسة وجهاً لوجه، على أن يكتمل الأسبوعان المتبقيان أونلاين. وفي هذه المقالة نقيّم هذه التجربة بما لها وما عليها.
هل نجحت تجربة التعليم الهجين؟
بسؤال عدد كبير من طلاب الجامعات في مصر وأعضاء هيئة التدريس بها، وباستقراء المشهد عن قرب من خلال ملاحظاتي كأستاذ جامعي وجزء من التجربة، ومن خلال التفاعل والاطلاع على آراء مئات الطلاب في التعليم الهجين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنني القول: لا، لم تنجح التجربة. وإخفاق التجربة له عوامل عدة من بينها:
- افتراض أن كل الطلاب يمتلكون أجهزة إلكترونية ومتصلين بالإنترنت بطريقة تمكنهم من مشاهدة أو تحميل المحاضرات، وهذا غير صحيح؛ فكثير من الطلاب يسكنون في مناطق ريفية أو جبلية لا تتوافر بها شبكات إنترنت بسرعات مناسبة لمشاهدة أو تحميل ملفات كبيرة مثل المحاضرات المسجلة، ناهيك عن أن كثيراً من الطلاب لا يمتلكون هاتفاً ذكياً أو حاسباً لوحياً (تابلت).
- حتى مع افتراض ملكية الطالب لجهاز إلكتروني وتوافر شبكة إنترنت قوية، لم يستطع كثير من الطلاب الوصول للمحاضرات المسجلة بسبب أعطال في منصات المحاضرات على المواقع الإلكترونية لكثير من الجامعات، ومردّ هذا لعدم جاهزية هذه المواقع لتحمُّل استخدام عدد كبير من الطلاب لها، مع غياب الدعم الفني السليم، خاصة خارج ساعات الدوام التي لا تتعدى أربع ساعات فعلية (من العاشرة صباحاً للثانية ظهراً).
- يعني مصطلح التعليم أونلاين (عبر الإنترنت) تعليماً يؤديه معلم وجهاً لوجه مع الطلاب في محاضرات (دروس) حية، تُبَثُّ عبر وسيط إلكتروني مثل مواقع الاجتماعات مثل زووم Zoom وجوجل ميت Google Meet وميكروسوفت تيمز Teams أو منصات معدة خصيصاً للدروس مثل كلاسرووم Classroom وبلاكبورد Blackboard. أما المحاضرات التي طلبتها الجامعات المصرية كجزء من التعليم الهجين فهي محاضرات مسجلة مسبقاً يشاهدها الطلاب دون تفاعل مع أساتذتهم؛ ما حرم الطلاب من المشاركة الفعلية وتلقي تعليقات بناءة على مشاركتهم وتصحيح أخطائهم. وللعلم لم يسجل كثير من الأساتذة محاضراتهم بالصوت أو الصورة واكتفوا بعروض تقديمية غير مصحوبة بشرح، إما لجهلهم بطريقة التسجيل الصوتي أو المرئي، أو عدم قدرتهم مالياً على توفير الأجهزة اللازمة، أو غياب الدعم اللازم، أو تأكدهم من عدم قدرة جميع الطلاب من الوصول للمحاضرات المسجلة، أو كل هذه الأسباب مجتمعة.
- في ظل نظام التعليم الهجين تقلّص حضور طلاب التخصصات النظرية إلى يومين، وطلاب التخصصات التطبيقية إلى ثلاثة أيام بالجامعة، ما أدى إلى استمرار المحاضرات الفعلية من الساعة 8 صباحاً حتى الساعة 5 مساءً. ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن الطالب سيحتفظ بتركيزه طيلة هذا الوقت، وهو ما أدى إلى عدم الإفادة التامة من المحاضرات التي يرى فيها الطلاب أساتذتهم.
- يُضاف للأسباب السابقة سبب مجتمعي، وهو استخدام الإنترنت في قطاعات وخدمات لم تكن تعتمد على تقديم خدمات الإنترنت من قبل؛ ما ضاعف الضغط على شبكات الإنترنت وأدى إلى انخفاض سرعة الإنترنت المنخفضة بالفعل. وقد أدى هذا السبب إلى عدم قدرة بعض الأساتذة على رفع المحاضرات على منصات الجامعات في الوقت المناسب، أو وجود صعوبات كثيرة في وصول الطلاب للمحاضرات أونلاين.
ما الحل؟
من غير المتوقع أن يعود التعليم المعتاد قريباً؛ ولذا فمن الأفضل التفكير في حلول عملية للتغلب على الأخطاء في تطبيق التعليم الهجين. وعلى هذا الأساس نطرح هذه الأفكار لعلها تُؤخذ في الحسبان:
- مساعدة الطلاب غير القادرين في الحصول على أجهزة إلكترونية على غرار طلاب الثانوية العامة، ومساعدة أعضاء هيئة التدريس في الحصول على أجهزة تساعدهم في تسجيل محاضرات بالصوت والصورة، أو إجراء محاضرات مباشرة عبر منصات مثل زووم وغيرها، مع تقسيط سعر الأجهزة بشكل لا يرهق الطلاب أو أعضاء هيئة التدريس.
- الإسراع في إطلاق قمر اصطناعي يكون دوره توفير خدمات الإنترنت لأغراض تعليمية وبحثية، ليستخدمها الطلاب وأعضاء هيئات التدريس بالمؤسسات التعليمية والبحثية فقط. ويمكن توفير خدمة الإنترنت على جهاز واحد لكل طالب وعضو هيئة تدريس، بأسعار عادلة لا تزيد عن سعر الخدمة دون تحقيق ربح. صحيح أن هذا حل مكلف، لكنه سيحقق طفرة كبيرة في مجال التعليم عبر الإنترنت، ويجب على الدولة الإسراع فيه لأنه أكثر أهمية من كل المشروعات العقارية والكباري والمواصلات التي تنفق عليها الدولة المليارات.
- البدء في استخدام المحاضرات المباشرة عبر المنصات التي تشترك فيها الجامعات، دون الاعتماد على المحاضرات المسجلة، ليكون هناك تواصل مباشر بين الطلاب وأعضاء هيئات التدريس، ولتحقيق مزيد من الالتزام لدى الطلاب وأعضاء هيئات التدريس على السواء. ففي الحقيقة، لا تُلزِم المحاضرات المسجلة الطالبَ بمشاهدتها، إن استطاع الحصول عليها من الأساس. وحسب علمي، تشترك جميع الجامعات المصرية في خدمات مايكروسوفت، ومن بينها خدمة مايكروسوفت تيمز Teams، وهي منصة معدة لعقد الاجتماعات، وبها خصائص متعددة تسهل إجراء المحاضرات، بل وتسجيلها لمن لا يستطيع حضورها أثناء إجراءها. ولهذا الاقتراح ميزة أخرى، وهي الدعم الفني المتوافر على مدار الساعة لمايكروسوفت تيمز Teams، على موقع مايكروسوفت، وتوفر آلاف المواقع والفيديوهات على يوتيوب، التي تقدم حلولاً لمشكلات قد يواجهها الطالب أو عضو هيئة التدريس، دون الحاجة لانتظار البشمهندسة "منال"، مسؤولة الدعم الفني بالجامعة، أو موافقة من الأستاذ "عبدالله بالدور الثالث".
- إتاحة المحاضرات المعتادة ثلاثة أيام بدلاً من يومين، لتخفيض عدد ساعات التدريس اليومي للطلاب، حتى يتمكنوا من الإفادة من هذه المحاضرات، دون ملل أو إرهاق يتسبب في ضياع تركيز الطالب وجهد عضو هيئة التدريس.
قد تكون هذه الحلول -لو وضعت موضع التطبيق السليم- بداية لحل مشكلة التعليم الهجين، حتى يأذن الله بلقاء الطلاب مع أساتذتهم في قاعات الدرس، والتواصل المباشر مع أصدقائهم، وممارسة الأنشطة الرياضية بالجامعة، والمذاكرة بمكتباتها، والتقاط الصور تحت أشجارها، وهي نعمة لم نكن نشعر بقيمتها. فاللهم عجل باللقاء، وأنقذنا من هذا الوباء.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.