إن البيوت الخربة ليست هي البيوت التي انتهت بالطلاق
البيوت الخربة هي بيوت ما زالت -إكلينيكياً- على قيد الحياة، ولكنها ماتت اجتماعياً وعاطفياً ونفسياً.
شكل خارجي جميل.. أولاد يلبسون ويتعلمون.. زوجة تغتصب الضحكات أمام الناس.. زوج يرتدي قناع الاجتماعيات خارجياً ويحصر تعاملاته داخل البيت بين الماديات والخلافات، حتى تصل العلاقة بينهما إلى حالة رمادية خانقة من اللاسلم واللاحرب تم تفريغ الزواج فيها من أحشائه السمينة وترك هيكل هش لكي يراه الناس.
قد يتساءل البعض: لماذا يستسلم معظم الأزواج لهذه الحالة الخربة من اللاسلم واللاحرب؟
الإجابة ببساطة: لأن كلا طريقي الحل باهظ الثمن.
الحل الأول -البديهي- وهو الإصلاح، يستلزم مجهوداً حقيقياً ومستمراً من الزوجين، ويستلزم قبل المجهود طاقة، وعادة في هذه المرحلة تكون الطاقة في حالة الصفر الجليدي بل قد تتجاوز الصفر الجليدي إلى الكراهية والنفور الصريح ويكون الزوجان قد استنفدا جميع الأساليب التقليدية في الإصلاح حتى نضبت طاقتهما تماماً ووصل كل منهما إلى قناعات قاتمة وراسخة عن الطرف الآخر.
قد يكون الإصلاح ممكناً، ولكنهما يعرضان عنه لعدم رغبتهما في الإصلاح بعد أن استهلك كل منهما مخزون الود والحب والرحمة لدى الآخر.
أما الطريق الثاني -وهو الطلاق- فيلزمه فهم أصيل وصحيح لحكمته وطرقه وتبعاته، وهذا للأسف تم طمسه في مجتمعاتنا واستبدال ذلك بوصمات العار والشر والفشل إلا قليلاً.
فمن ناحية الزوجة، هناك الخوف مِن المستقبل المجهول، الخوف من مظهرها كأنثى فاشلة لم تستطع الحفاظ على بيتها، الخوف من الرجوع تحت إمرة أهل يرونها -وأطفالها- مسؤولية ثقيلة وسمعة سيئة لأخواتها والعائلة، الخوف على الرزق إن لم يكن لها مصدر دخل، الخوف على أطفالها من فقدانهم أو من آثار سلبية، الخوف من الوحدة، الخوف من الفتنة، والعديد من المخاوف الاخرى التي تصيبها بحالة مزمنة من الشلل والاستسلام للهيكل القشري لزواج خالٍ من كل مضامين الزواج.
ومن ناحية الزوج، هناك الخوف من تبعات الطلاق المادية، هناك الخوف مِن مشاكل الطلاق مع أهل الزوجة، الكسل عن الطلاق في حال كان الزوج يقضي احتياجاته النفسية أو الجسدية أو كليهما مع امرأة -أو أكثر- خارج نطاق الزواج.
ولهذه الأسباب، يحذف العديد من الأزواج اختيار الطلاق من قائمة اختياراتهما ويستسلمان لمنطقة اللاسلم واللاحرب.
لكن في حالة تجاوز الزوجان هذه المخاوف ووصلا إلى محطة الطلاق، فإن مخزونهما من الكراهية يكون قد وصل حداً يستحيل معه الطلاق إلى اللون الأسود:
– نزعات انتقامية وتصفية حسابات متراكمة على مدار سنوات من انتهاك الأرصدة لكل ما كان يوماً جميلاً بينهما.
– رغبات الانتصار الشخصي التي تقتل صوت العقل والمعروف والإحسان.
– قذارة معارك الولاية على الأولاد، ومؤخر الصداق، والمسكن، والأثاث… إلخ
– شراسة الزوج في الظلم المادي للزوجة رغبة منه -عادة- في الزواج السريع بعد الطلاق لإثبات رجولته ونجاحه كزوج وإبعاد تهمة الفشل عن نفسه مما يزيد من شعور الزوجة بالفشل والامتهان، ويتحول الطلاق حينها إلى معركة حربية شعواء يود كل طرف أن ينتصر فيها حتى لو بأقذر الأسلحة الممكنة.
وعلى ما سبق، أودّ أن أقول لنا جميعاً (أزواج وزوجات):
– أعرف نيتك بعيداً عّن أي مؤثرات خارجية (كامرأة أخرى أو رجل آخر).
– تفحص زواجك بصورة دورية لرأب ما قد يستجد عليه من صدوع أولاً بأول قبل نفاد الأرصدة وانتهاك طاقة الإصلاح .
– ابحث عن مصادر شحن طاقتك كي ترغب في الإصلاح.
– استعد في ذهنك دائماً وكرر على نفسك امتيازات زوجك أو زوجتك، ذكر نفسك لماذا تزوجت هذا الشخص؟
– افهم من أنت وافهم من زوجك، وهذا صار سهلاً مع تنوع وسهولة مصادر البحث.
– تخلص مِن الكراهية أولاً بأول واحذر تراكمها داخلك عن طريق النقاش والعتاب الهادئ، أو عن طريق المتخصصين.
– خذ قرارك -أياً كان- في حالة من الهدوء العقلي والنفسي واصدق نفسك ولا تخدعها، واصبر على التنفيذ علّك تتغير نفسياً أو مزاجياً بعد قليل.
– لا تجعل المجتمع والنَّاس أبداً طرفاً فاعلاً في قرار الإصلاح أو الطلاق، إن تصلح فلنفسك ومن تحب فقط.
– إن استحالت العِشرة بعد محاولات عديدة صادقة للإصلاح، تعرف على معنى الطلاق وحكمته، واعلم أنه قد يكون خيراً، لكن لا تظلم ولا تتجبر فكل مدين مدان وإن طال الزمن، فالحقوق والواجبات معروفة وواضحة للجميع، فلا تجعله طلاقاً أسود.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.