صباح كئيب في وطن غارق في الظلمات والجهل، في وطن غارق في العفن وفي فساد نفوس أغلب مواطنيه.
طرح اليوم يتناول حادثاً بشعاً.
لم يكد يتم الاحتفال بيوم المرأة العالمي "8 مارس/آذار" حتی انتشر مقطع فيديو لأحد الأشخاص وهو يتحرش بطفلة لم تتخطَّ الـ10 سنوات!
في واحدة من أكثر المشاهد المفزعة التي قد يراها المرء بعينيه نجد في الفيديو بوضوح تام رجلاً يمرر يديه علی جسد طفلة ويتحرش بها، تفتح عينيك من هول ما تراه فلا يتغير المحتوی، تفرك عينيك جيداً وتصفع وجهك مرة واثنين حتی تتأكد من وجودك المادي فلا يتغير شيء، رجل كالبغل، حيوان حقيقي يتحرش بطفلة ويمرر يده علی جسدها!
والحقيقة الواضحة، المصورة المنشورة علی كل وسائل التواصل التي لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن تبريرها، ولا يصح إلصاق الأمر بجملة ستر الله نفد، أو أنه يبدو رجلاً محترماً لأنه يرتدي ملابس رسمية بربطة عنق، وحسابه علی فيسبوك مليء بالأدعية وصور أداء مناسك العمرة أو الحج. الحقيقة أن الله بريء من أي محاولة لتبرير الأمر، وأن التدين الظاهري ليس دليلاً حقيقياً علی صلاح المرء، والدليل واضح، الدليل واضح بصورة مفزعة ومخيفة، لا يمكن تخيل أن يتم تبرير جريمة تحرش لأن المتحرش يبدو محترماً من مجرد منشورات علی الفيسبوك، أو من أدائه فريضة دينية، هذه فضيحة، عار آخر يكلل المجتمع الغارق في الحكم علی الناس بسبب مظهرهم فقط!
بأي حق يتم طمس الحقيقة ومحاولة تبرير الجريمة، لماذا يصرّ الناس في كل حادثة علی تبرير الجريمة، بينما لو كان الفيديو المتداول لأي رجل وفتاة يمارسان الجنس علانية لسعی المجتمع نفسه لفضحهما وجعلها "فُرجة"!
في الحقيقة، وفي كل مرة نظن أن الأحداث الغريبة في مصر قد وصلت لأقصی مدی، نظن أن لا شيء سيثير الفزع في نفوسنا، تأتي حادثة جديدة مرعبة.
وللغرابة، نجد أن الحوادث في مصر التي من تلك النوعية تحديداً، التي تكون المرأة أو الفتاة المصرية أحد طرفيها، تكون تلك الحوادث مفزعة وغريبة في كل مرة، عند كل حادثة يدق ناقوس الخطر، لنتذكر أن هذا الوطن غير آمن علی حياة المرأة، وأن هذا المجتمع هو أكثر المجتمعات رعباً، وأننا نعيش في زمن الوضاعة والخسة، حيث إن الضحية هي من تحتاج إلی تبرير لموقفها، أو لمحامٍ لإزالة التهمة عنها.
مع كل حادثة تحرش جديدة تُفتح الجراح القديمة، ويسترجع الوعي البشري الذكريات السوداء العديدة المؤلمة. منذ عدة أشهر توفيت "مريم"، فتاة مصرية تعرضت لحادثتي سرقة بالإكراه والقتل، قضية لم يعد يذكرها أي شخص تقريباً، لأنه في مجتمعنا تحدث الحوادث بشكل يومي دون أي التفات، والقليل من هذه الحوادث هو ما يبدو واضحاً للجميع، وينتشر علی وسائل التواصل.
متلازمة مصر
أطلق تعريف "متلازمة ستوكهولم" لتعريف تعاطف الضحية مع الجاني، وفي مصر -وهذا أمر غريب- في أي حادثة تحرش نجد جموع الناس من كل الفئات تقريباً يعلنون تعاطفهم مع المتحرش، أو مع قاتل المرأة، أو سارقها بالإكراه، المهم أن تكون المرأة ضحية ليعلن الجزء الأكبر من الناس أن فضح المتهم "حرام"، وأن الجاني بالطبع له أسرة يجب مراعاة مشاعرها، ويجب مراعاة الوضع الاجتماعي للقاتل/ المتحرش/ السارق دون الالتفات للضحية! وهذا أمر غريب، أعتقد أنها مشاعر مصرية خالصة يشعر بها المصريون فقط تجاه الجاني، يتعاطفون معه ويسعون للتبرير له بأي طريقة، حتی لو جعلهم الأمر مجرمين في انتظار فرصة، وهو السبب الوحيد الذي يجعل أي شخص يعلن تعاطفه مع مجرم، من يتعاطف أو يؤيد جريمة التحرش هو متحرش بالتأكيد، من يلصق التهمة بأي فتاة بسبب ملابسها فهو شخص عديم النخوة والشرف، لأنه يمنح لنفسه فرصة للسطوة علی كائن غيره لا يمت له بأي صلة، ولا يحق له فرض أي وصاية عليه.
وفي هذه المرة تُری كيف تمت إدانة الطفلة!
تخيل أنه تم تداول بعض التعليقات بأن الطفلة معتادة علی أفعال الرجل، ولم يُثر فزعها إلا تدخُّل المرأة التي اقتحمت المشهد لتفضح الرجل! في تعليق يدل علی وضاعة بعض البشر في مجتمعنا!
البيدوفيليا والمصريون
في مصر فقط يتم التعامل مع الفتاة منذ لحظة ولادتها علی أنها عار، علی أنها عبء ثقيل وقنبلة موقوتة قابلة للانفجار، يتم تعليب أفكارها ومحاولات إقناعها بأنها ناقصة عقل ودين، وأنها نصف إنسان، ولا يجب أن تحصل إلا علی نصف ما يناله الرجل، وفي أحيان كثيرة يرفض الرجل أن يعطيها هذا النصف ويستحوذ عليه دون عناء في إيجاد سبب.
يرفض الرجل أن يعطيها حقها في التعليم، وأن يمنحها فرصة الاطلاع على العالم، يرفض أي رأي لها، ويحبسها في المنزل لأنها تجلب العار، ولا يكتفي بهذا، بل يزوجها لأي شخص يدفع مقابلاً مادياً مناسباً للزواج، لتصبح دمية جنسية، كل هذا قد يحدث في عمر أي فتاة لم تتجاوز العشرين، والويل كل الويل لمن تتمرد وتثور وتنتزع حق المعرفة، ومن تعلن رغبتها في الحياة، يكون نصيبها الإقصاء والتجاهل، والحكم عليها بالموت وهي على قيد الحياة.
في مصر نجد أن منظومة قهر المرأة تعمل بامتياز بعدة عناصر، سواء كانت من الوصاية التي تبدو في ظاهرها دينية ولكن في باطنها ذكورية، أو من الوصاية المجتمعية التي يفرضها الذكور أيضاً، ناهيك عن السلطة الأمنية التي تری أنها من حقها الزج بالمرأة في السجن بسبب أي شيء.
كل هذه الأمور تضع المرأة في خانة المتهم وليس الضحية، كل التهم في مجتمعنا تعطي الأولوية لوضع المرأة خلف قضبان السجن، أو خلف أسوار المنزل الذي يحبسها فيه أهلها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.