الحرب النفسية على المرأة

تم النشر: 2021/03/08 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/08 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش

سوزان كانت تسمع أصواتاً غريبة، وترى في بيتها أشخاصاً وأبواباً تغلق وتفتح، وتختفي حاجاتها وأغراضها… وحين أسرت لزوجها أنكر عليها، وأوحي لها أنها أوهام، ثم أقنعها أنها مريضة وتحتاج لمصحة نفسية، وهكذا تخلص منها واستولى على مالها، وتزوج غيرها.

هذه القضية -أو العقدة- قامت عليها كثير من الأفلام وما زالت، وهي ما يسمى الحرب النفسية.

وتقوم فكرة الحرب النفسية على تشكيك الشخص بقدراته العقلية والسلوكية، ومن ثم السيطرة عليه، وتسييره حسبما ما يريدون، ومنعه من المقاومة أو التنبه أصلاً إلى وضعه الحالي، وإلى ما قد يؤول إليه وضعه المستقبلي لو استمر غافلاً.

وهكذا ومع الاستمرار بالحرب يستسلم المرء تماماً، ويتقبل ما يجري له، ويعتقد أنه بحاجة للوصاية، وإلا ضاع، أو أفسد أو أخطأ أو آذى نفسه، وتكون النتيجة شخصية محطمة بلا هوية، ومجرد تابع.

وهذا بالذات ما يفعله كثيرون مع المرأة من قديم وفي عالمنا اليوم، فنرى هناك من يقنعها وباستمرار أنها:

– عاطفية، ولا يوجد دليل شرعي يؤكد هذه الوصمة، ولكنه استنباط واجتهاد.

– ولا تجيد التفكير فهي ضعيفة العقل، وأيضاً لا دليل، بل أثبت العلم أن قدرات المرأة كاملة وتامة، وأثبت الواقع تحملها للمسؤولية.

– ليس لديها حجة، ولا يمكنها اتخاذ أي قرار، وقد هالني قبل يومين وأنا أقرأ لأحد المشهورين يقول إنه لم ير امرأة استطاعت اتخاذ قرار صائب سوى بلقيس!

فأين ما فعلته الصحابيات وسائر النساء العاقلات.

– المرأة لا تحفظ السر! وكم أعجب كيف كانوا يفسرون لنا وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فيقولون إنه دليل على استهتار المرأة بأمانة المجلس؟! مع أن الحادثة لها ظروفها وملابساتها، وقد ثبت أن النبي عليه السلام استأمن عائشة وأختها أسماء على سر خطير (هو هجرته مع أبي بكر)، وحفظت كل منهما سره، رغم أنهن كن فتيات صغيرات.

وإن الحرب النفسية معروفة من قديم، واستعملها المغول وغيرهم، ولكن يُعتبر الكولونيل بلاو أول من وضع أسسها عام 1935، إذ كان يشغل منصب رئيس المعمل النفسي في وزارة الدفاع، بينما كان أول ظهور لهذا المصطلح بشكل رسمي على يد الأمريكي لينبارجر سنة 1954 وصرح بأنها للاستخدام المنظم للدعاية والإعلام بهدف التأثير في آراء وعواطف فئات معينة، لتحقيق أهداف، ولذا تُستعمل في هذه الحرب كل الأدوات والأجهزة لتهديم قناعات معينة وإحلال أخرى في مكانها تتماشى مع مصالح الطرف الذي يشن الحملة.

الحرب النفسية هي "حرب العصر"، وهي تغيير للسلوك والقناعات، وهي من أخطر الأسلحة لأنها تقوم على إضعاف معنويات الخصم وتحطيم إرادته وهنا مكمن قوتها، حيث تنشر الشائعات وقد توقع بالفتنة.

ومن الأمور التي تتعرض لها المرأة وللأسف:

– التهديد بالطلاق، أو تعليقه على شرط، وهكذا تعيش المرأة حياتها في رعب، من أن تفقد المعيل أو المأوى، أو تحرم من أولادها، فتُكره على أمور مرهقة، لكيلا يكون هذا مصيرها.

والصواب: أن الزواج يجب أن يقوم على الديمومة، والسكن والمودة، وأن يحتمل كل طرف الآخر، وبالتالي تعيش بلا اطمئنان، رغم أن الأمان من أهم مقومات الاستقرار النفسي. ومن دونه لن تتمكن المرأة من التوازن.

– كلما تأذت المرأة واحتاجت للكلام تضطر في كل مرة لأن تقدم بقولها "الرجل زوجي وأبي وابني…"،  ولكن الرجل حين يتأذى منها لا يفعل ذلك بالمقابل (بل يلجأ للانتقاص منها وتجريدها هي وبنات جنسها من المكرمات والمزايا).

– المرأة محط اتهام، وغالباً ما يوضع الحق عليها لو كانت بريئة (حتى حين يتم التحرش بها والإساءة لها).

– تخويفها المستمر من النار ومن تعجيل العذاب، وأحياناً بأحاديث ضعيفة.

– حثها وحدها على الصبر والاحتساب، وكأن الجنة للمرأة فقط، وعدم التوجه لشريكها ليرفع عنها  ظلمه لها، وحين تقتنع وترضى، يقال لها لمزيد من الضغط عليها: أكثر أهل النار من النساء، فتحزن.

وإذا عصبت قالوا: نكدية، وإذا طالبت قالوا: زنانة.. وهكذا حتى تدخل بدوامة الاكتئاب الحقيقي، وتمرض، فيقولون المرأة غير متوازنة.

– إقناعها أن التشريع لا يكون إلا من مختصين، ولا يمكنها البحث بالفتاوى وحدها، وحين تقتنع يتم الإبقاء على الفتاوى الخاطئة مثل جرائم الشرف، ومنع المعتدة من الخروج لحاجاتها، والتضييق عليها بما هو حلال.

– إبعاد الدعم عنها بمقولة "المرأة عدوة المرأة"، وهي خاطئة، وبذلك لا تجد إلا الرجل، فيستفرد بها.

ولقد أكدت دراسة برازيلية لمعهد "جيتوليو فارجاس"، المتخصص بالدراسات الاجتماعية والإنسانية والنفسية، أن بعض الأزواج عندما يستشعرون الخطر يستخدمون هذا السلاح لإظهار أنهم العنصر الأهم والأذكى مهنياً، واجتماعياً، وإنسانياً، وأنهم المتحكمون والمسيطرون.

وأكدت الدراسة أن بعض النساء يتأثرن بالفعل ويفقدن ثقتهن بأنفسهن، وإليك ما الذي يفعله بعض الرجال من أساليب، حتى تتنبهي لها ولا تصابي باضطرابات نفسية أو ذهنية:

– سيحاول إقناعك بأنك المخطئة دائماً، فلا تصدقي.

– همه إفقادك ثقتك بنفسك ليسيطر أكثر ويتحكم، وهذه ضربة قاصمة لأي إنسان، فاستمدي ثقتك من أي طرف آخر غيره.

– سيكون سريع الغضب محباً للشجار، ولن يتوقف إلا بعد إهانتك، والحل هو إظهار اللامبالاة، وعدم الانسياق معه، ورفض تلقي الإهانة.

– لن يوافقك على رأيك، ولن يحترمه، فلا تعلقي، وانتظري الفرصة لقلب الموقف لصالحك.

– مستحيل أن يعترف بالخطأ، وبالتالي لا يمكن أن يعتذر، ولذا سيقلب الحقائق ويحرفها لصالحه، فهو لن يعترف بخطأ أبدًا وسيقسو عليك، فكوني مستعدة.

– وقد يتقمص دور الضحية لكسب التأييد والشفقة، وجعلك المعتدية، وكل ما يهمه أن ينبذك المجتمع ويتعاطف معه،  ولذلك وكما ترين الآن، وبعد أن انتقد الرجل مظلومية المرأة… أصبح هو يدعي الاضطهاد ويطالب بحقوقه!

وكل ما عليك هو التجاهل، وتقوية ثقتك بنفسك، وشغلها بأمور جميلة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد