تتعرض المرأة في مجتمعاتنا للعنف بشتى أنواعه ومن أكثر من جهة، لكن يبدو أن العنف الذي تتعرض له من شريكها الحميم (زوجها) هو الأكثر أثراً على نفسها.
الناجية (ل.م) 23 سنة، سورية، (رفضت التصريح باسمها كاملاً لأن ذلك قد يعرضها للخطر من زوجها حسبما قالت لنا).
بدأت قصة (ل.م) حين أرسلتها عائلتها إلى تركيا للزواج من شاب قريب لهم، لكن فور وصولها اكتشفت أن جميع المعلومات التي كان قد أخبر بها عائلتها كاذبة، فهو لا يملك بيتاً ولا عملاً ولا أي مال لإعالتها.
بدأت رحلتها مع العذاب بتعرضها للعنف المنزلي من ضرب وإهانة وشك، وحرمان من حقوقها القانونية كـ(تثبيت الزواج) ومن حقوقها الأخرى كـ(منعها من الخروج واستخدام الهاتف المحمول والتواصل مع عائلتها) أو إقامة أي علاقة اجتماعية، مع مراقبتها عن طريق وضع آلة تسجيل في المنزل.
لاحظت الناجية بعض التصرفات والأفعال غير الطبيعية على زوجها ثم اكتشفت أنه مدمن على التعاطي لبعض أنواع الحبوب المخدرة.
منذ سنة وأربعة أشهر قام بطردها هي وابنتها من المنزل مع مصادرة جميع أغراضهما الشخصية والهاتف المحمول وتركها في الشارع بلا مأوى ولا مال.
تتنقل الآن (ل.م) مع طفلتها بين بيوت الأقارب والأصدقاء، وتتعرض للإساءة والإهانة اللفظية من قِـبلهم واعتبارها عالة عليهم.
تقول الناجية: "حاولتُ التواصل مع زوجي طالبة منه حلاً أو نهاية لهذه العلاقة، أو أي مبلغ مالي لإعالة الطفلة، لكنه رفض تماماً الاستجابة ورفض أن ينهي العلاقة بالطلاق في محاولة منه لإذلالي – كما قال لي".
ما هو عنف الشريك الحميم؟
وبالعودة إلى تعريف (عنف الشريك) فهو عبارة عن:
نمط من السلوك في علاقة حميمة على سبيل المثال (في علاقة زواج أو علاقة مواعدة) يستخدمها شخص واحد لكسب أو الحفاظ على السلطة والسيطرة على الشخص الآخر في العلاقة، وهذا النوع من العنف أو الإساءة يمكن أن يكون جسدياً؛ نفسياً؛ اقتصادياً أو عاطفياً. ويشمل أي سلوكيات تخيفك أو ترعبك أو ترهبك أو تتلاعب بك أو تؤذيك أو تذلك أو تلومك أو تضرك أو تجرحك.
يُعتبر عنف الشريك الحميم متأصلٌ بعمق في الأعراف الاجتماعية والأدوار الجندرية وتوقعات النمطية بين الجنسين.
وفي كثير من المجتمعات المحلية تملي الأعراف الاجتماعية والثقافية بامتلاك الرجال لزوجاتهم وأنه من المقبول السيطرة عليهن ومعاقبتهن وإذلالهن وضربهن.
يدور عنف الشريك حول السلطة والتحكم، فالمعتدون يجدون طرقاً مختلفة -جسدية وعاطفية ونفسية واقتصادية- بالإضافة إلى التهديد والترهيب كأسلوب للهيمنة والسيطرة على زوجاتهم.
تظل الناجيات -في حالة عنف الشريك- في خطر مستمر للتعرض للأذى وفي معظم السياقات الإنسانية، سيكون هناك عدد قليل من الخيارات الآمنة والمستدامة التي تتيح للمرأة ترك زوج أو شريك معتدٍ ويعود ذلك لأسباب تتعلق بالأعراف الثقافية والاجتماعية التقليدية، ونقص الموارد تجعل من غير المحتمل أن يكون هناك مأوى آمن أو خيار دائم آخر للنساء لكي يغيرن مكانهن بأمان، إضافة إلى الاعتقاد بأن الاعتداء أمر طبيعي وجزء من الحياة كامرأة.
ومن المحتمل أن يكون الهروب من المعتدي خطراً، فقد يطارد المعتدون الناجيات ويتتبعونهن ويهددون أي شخص قد يدعمهن.
وتقدر الإحصائيات حسب منظمة الصحة العالمية أن امرأة من بين كل ثلاث نساء تتعرض للعنف البدني أو الجنسي من قبل الزوج أو العنف الجنسي من جانب شخص غير الزوج في مرحلة ما من حياتها.
ومن بين النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و44 عاماً يتسبب العنف في مزيد من حالات الوفاة والعجز مقارنة بالسرطان والملاريا وحوادث المرور والحروب مجتمعة.
إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 48/104 المؤرخ في 20 كانون اﻷول/ديسمبر 1993 إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة:
"الجمعية العامة تؤكد أن العنف ضد المرأة يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ويعوق أو يلغي تمتع المرأة بهذه الحقوق والحريات الأساسية".
دور منظمات المجتمع المدني:
حول الحلول المتوقعة لقضية العنف القائم على النوع الاجتماعي تحدثت إلى السيد مصطفى الحسن منسق قطاع الحماية protection coordinator في منظمة سداد الإنسانية عن مسؤولية العاملين الاجتماعيين المختصين بالعنف المبني على النوع الاجتماعي والتي تتمثل بـ"منح الناجية شعوراً بالراحة، والتواصل معها بطريقة تبني العلاقة والثقة وتعزز الشفاء والتعافي، والحصول على موافقتها في إشراكها بالخدمات، أيضا عن طريق تقديم المعلومات والدعم للناجية".
حيث يحدد الحسن أن المعلومات التي تقدم للناجية يجب أن تكون دقيقة حول أسباب وديناميكيات عنف الشريك وردود الفعل الطبيعية والمشاعر التي قد تكون لدى المرأة في علاقة مسيئة، ويعد توفير مثل هذه المعلومات مفيداً نظراً لأنه يقلل من لوم الذات والعار حول العنف الذي كانت تتعرض له.
وهنا يوضح الحسن مراحل التعامل مع الناجية بدءاً بالعمل على شراكة مع الناجية لتقييم احتياجات الصحة والسلامة والاحتياجات النفسية والاجتماعية وغيرها ووضع الخطط المناسبة للسير في معالجتها، وبعد تقييم الاحتياجات يتم أخذ الموافقة من الناجية بربطها بالخدمات اللازمة وإحالتها إليها، ثم يعمل المختصين على إجراء تقييمات السلامة المستمرة والتخطيط للسلامة حفاظاً على سلامة الناجية.
وهنا لا بد من تحديد نقاط القوة والمميزات التي تمتلكها الناجية للتعامل مع عواقب تجربتها واستخدامها في دعم الناجية طول فترة العمل معها، وتقديم الرعاية والراحة وتوفير الدعم المعنوي طول فترة العمل مع الناجية، وأيضاً مساعدة ومناصرة الناجية في الحصول على خدمات ذات جودة عالية.
وتعتبر متابعة الحالة ومراقبة التقدم المحرز ومدى حصولها على الاحتياجات اللازمة من أهم الخطوات التي يعمل عليها العاملين المختصين بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.
كيف تلجأ الناجية للقضاء
المحامية والناشطة الحقوقية السيدة عفاف الرشيد من منظمة (كلنا سوا) المعنية بتقديم الاستشارات القانونية للناجيات من العنف وضحت في حديثي معها كيف يتم إحالة الناجية إلى مركز الشرطة "يتم تسجيل واقعة العنف الموجه ضد الناجية، وذلك لتقديم بلاغ ضد الشخص المُعَـنِّفْ، ويتم ربط الناجية بالخدمات والاستشارات القانونية عن طريق منظمات حقوقية، ثم يأتي دور المناصرة من خلال مجموعات التنسيق وبناء القدرات مع المؤسسات المجتمعية والحكومية التي يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في سلامة وحماية النساء والأطفال"
وبصفتي مقيمة في تركيا ومهتمة بالجانب الحقوقي فإن القانون التركي حسب اتفاقية CEDAW في ما يخص قانون حماية الأسرة ينص على:
"العنف الآن يتم تفسيره من منظور أوسع نطاقاً، كما أن أفراد الأسرة الذين لا يعيشون معاً أو المنفصلين قانوناً يُمنحون أيضاً حماية قانونية. وبالإضافة إلى هذا فإن إدراج عبارة "الطرف المخطئ أو أحد أفراد الأسرة الآخرين" في القانون المعدَّل يمكِّن المحاكم الآن من إصدار أمر قضائي بالنسبة لجميع أفراد الأسرة الذين يعيشون تحت سقف واحد، أي ليس فقط بالنسبة للزوجين. ويمكن لقاضي محكمة الأسرة، وفقاً للقانون، أن يصدر أمراً لمرتكب العنف بأن "يقدِّم طلباً لدخول مؤسسة للرعاية الصحية من أجل الفحص أو المعالجة" عندما يكون هذا من رأي القاضي واعتبره أمراً ملائماً. وإضافة إلى هذا فقد تقرر أن يستفاد من القانون بالنسبة للرسوم التي تُدفع عند تقديم الطلبات وألاّ تُدفع أية تكاليف بالنسبة للقرارات التي تتخذها المحكمة".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.