لا يمكننا العيش بدون أمل، حلم، طموح، وهدف.. إلا أننا قد لا نصل إلى ما نريد ونحب، وقد لا نظفر بالمرتبة والجائزة التي نرنو إليها ووضعناها نصب أعيننا. فهناك بون شاسع بين الأمنيات وتحقيقها، بين ما نرغب وبين ما يحدث، ومع سعينا وجهدنا قد نحصل على مرتبة أو جائزة تختلف عن تطلعاتنا أو أدنى مما حلمنا.
مفتاح النجاح والسعادة في كل شيء بالحياة هو تقبّل النتيجة النهائية والرضا بها، ولكن بدرجة منطقية وبطريقة مدروسة، بمعنى أنَّ درجة القناعة والرضا يجب أن لا تؤثر على الأمل والحماس الموجود في داخل الإنسان.
إذاً فما هي تلك الدرجة وكيف نصل لعتبتها وإن كان بشكل تقريبي، فالدقة تبقى في علم الغيب المحجوب عنّا..
أكون أو لا أكون!
هل نقاتل من أجل أحلامنا حتى نظفر بها أم ننسحب من معركة لن يكتب لنا فيها الانتصار، ومن مصاديقها شعار البعض: "أكون أو لا أكون"؟!
وفي حالة ثانية، نمشي على أبيات الشعر القائلة: "دع الأمور تجر في أعنّتها ونم نوماً قريراً هانئ البال".. فنطبقها ونتغافل عن بقية الأبيات المكملة لها. فنفهمها أن لا طموح ولا تنافس ولا همّ ولا وجع قلب وجهد عقل، فكل يأخذ نصيبه رغم أنف الاجتهاد؟!
قبل أن نجيب عما سبق، لنتوقف لحظة ونبحث عن نشوء حالتين عند البعض هكذا. لعل أبرز الأسباب الحالة الثانية، الكسل والتواكل والتشاؤم، وفي الأولى والتي هي بيت القصيد لما نرِد التكلم عنه؛ هو الغرور والأنانية، وهما سبب الكثير من الأزمات النفسية والمجتمعية، وأيضاً اهتمامنا بنظرة الآخرين لنا، ونحن نعيش بطبيعة الحال وسط مجتمع يُقيّم الأعمال على أساس غير صحيح وسليم على الأعم الأغلب.
على سبيل المثال لا الحصر، يعتبر الناس أنكَ طالب مدرسي متفوق ومتميز إن كان معدلك أعلى من 90%، وإن كان أقل من ذلك فأنت غير كفء. ويرى المجتمع أنك مجتهد وموهوب إن كان راتبك 1000 دولار وما فوق ودون ذلك فأنت متأخر عن ركب الناجحين، وغيرها الكثير من الحالات المَرضية.
نعم، تلك حالة، ولا غلو، مرضية وعلى المصاب به تشخيصه أولاً ومن ثم علاجه.
ما هو الدواء الناجع؟
"فليكن همّك السعي لا الوصول".. من أجمل ما قيل من حكم، مع ملاحظة عدم تطبيقها في كل الأمور، فلن نقول هنا عدم وضع مرمى أو هدف أو نقطة معينة أو حتى مكافأة أو شيء نود الوصول إليه سواء كان مادياً أم معنوياً، فهنا ستكون حركاتنا بلا جدوى لأنها بلا تخطيط وبلا قمة تنتهي إليها أحلامنا.. ولا المقصود أن تكون لنا أحلام عادية أو ترك المنافسة وما شابه.
الفكرة الرئيسية أن نغيّر بعض التصورات الذهنية عن النجاح والمرتبة الأولى والكأس الذهبية والتفوق والامتياز.. فمن يرِد تغيير الثمار عليه أن يغيّر البذور والجذور، وهكذا ستتغير تباعاً سلوكياتنا وعاداتنا وردود أفعالنا عن كل عمل سَبَقنا أو تفوق به أحد علينا.
عندما يكون همّنا السعي وليس فقط الوصول سنكف بذلك عن مقارنة أنفسنا بالآخرين، وهي حالة متعبة حقاً ومستهلكة للطاقة، من الخير أن نوفرها لبذل جهود أخرى مفيدة.
عش متعة الطريق
وأيضاً إن طبقنا تلك القاعدة سنعيش حالة "متعة الطريق". أي أنَّ اللحظة الحالية هي كل ما نملك، سنشعر بسعادة واطمئنان بدل القلق والخوف، سنتمنى النجاح للآخرين وسنساعد من يقع أو يتأخر للوصول حتى وإن وصل قبلنا.
ولا تنسَ أنك إن "ساعدت قارب إخوانك بالعبور، ستكون قد وصلت إلى الشاطئ أيضاً". وإن حصلتَ على الميدالية البرونزية أو المرتبة الخامسة أو تقدير مقبول أو متوسط، مهما كانت هديتك كن فخوراً بها، واحتفل بإنجازاتك وانتصاراتك التي يعتقد الآخرون أنها صغيرة.
فالميزان الحقيقي والتقييم العادل لكل إنجاز أو جهد يجب أن يكون في الخطوات العملية والمحاولات الحثيثة وليس فقط المحصلة النهائية لما قمت به.
ومع كل هذا لنكن على أمل بل يقين، بأنَّ الله لن يضيع عمل عامل، ولكن هذا المبدأ يجعلنا نتقبل ما سيحصل، وسيقوّي إيماننا وستصب جهودنا في منبع الإخلاص وهو أسمى حالة يمكن أن يصل إليها الإنسان.
وعليه، ابذل كل جهدك للحصول على المرتبة الأولى واحتفل حتى وإن لم تحصل عليها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.