في ذكرى الثورة السورية.. لماذا لا أزال أكتب؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/03 الساعة 15:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/03 الساعة 15:04 بتوقيت غرينتش

منذ حطَّت رحالي في أوروبا عام 2015 وشرعتُ بعدها في دراسة اللغة بعد أشهرٍ من الإحباط والبكاءِ على أطلال الوطن، عبَرتُ القناة السحرية التي نقلتني من دراسة طبِّ الأسنان إلى مُدمن القلم، نعم ربَّما هذا هو التوصيف الصحيح، مدمن القلم!

بدأتُ أدوِّنُ في الشأن السياسي مع النسخة العربية من هافينغتون بوست، أدوّن أفكاري في شؤون متعددة، سياسةً ومجتمعاً وعاطفة، بكيت مع قلمي وكلماتي على بوصلة الثورة المنحرفة، وبكيت خالد ورفاق الطريق، وهجيتُ سياسيينا، وكتبت لليمن المنفي، ولحبِّ المعترين والمرابين وحب الفجأة، ومن ثمَّ توقفت لأعودَ إلى كرَّاسات الجامعة، من بوابة جامعة بون العريقة بدأت مشواراً آخر غير ذلك الذي ركضتُ فيه في أروقة جامعة دمشق هرباً من شبيحة الأسد.

ومنذ أن بدأتُ الجامعة كمشروع جانبي يرفُقُ مشروعي الأساسي في الأدب وإلى اليوم يُطرح عليَّ السؤال نفسه: لماذا لا تركز جهدك في الجامعة لتتخرج فيها؟ لماذا تحمل كل هذه البطيخات في يدٍ واحدة؟

نسيتُ أن أعرِّجَ على أنني وقبل العودة إلى الجامعة أتممتُ تدريباً لنصف سنة مع شركةٍ ألمانية معنيَّة بتطوير وسائل تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، فكان -ولايزال- المجال الذي أعمل به جانباً، إضافة طبعاً إلى الجامعة، وأما عن الأدب روايةً أو شعراً أو سيناريوهات، فذلك حوارٌ آخر.

ولأعُد إلى جوابي عن هذا السؤال، فأنا دائماً ما أضحك و"أمرمغُ السيرة" كلما سألني إياه أحدهم، خصوصاً من الأصحاب المنهمكين على مدرجات الجامعات، ولكنني في هذه المرة وأنا على أعتاب عرض عملي التلفزيوني الأول "يوميات منفردة" مع الذكرى العاشرة للثورة، وبعد إصدار روايتي الثانية "ثلاثة لاجئين ونصف" مؤخراً، فقد قررت الردَّ على هذا السؤال.

عندمت غادرتُ الوطن حسبتُ أنني أفعل ذلك من أجل المستقبل، ولكنني عندما وضعتُ قدمي الأخرى في المستقبل، فإن قدمي الأولى بقيت هناك في الماضي، ومعها دقات قلبي المتسارعةُ أثناء هروبي من قذيفة أو برميل متفجر، وكذلك دموعي التي سكبتها على قبور رفاقي، وبقايا عائلتي، وإن كان ذلك يبدو كلاشيه بعض الشيء، ولكنه صحيح، حاولتُ العبور نحو المستقبل بالبدء بالحياة الجديدة والبلد الجديد والجامعة الجديدة، ولكنَّ نظري لم يكن في أفق المستقبل يوماً، بل كان هناك في الساحات المكتظة بالأحرار والحرائر، وليس في سوريتنا وحدها، كان في الحلم الذي لم يكتمل، بقي ناقصاً، وبقيت معه عقدة الذنب تجاه هؤلاء الذين تركتهم والعهود التي قطعتها في تلك الساحات، ولذلك كان القلم..

كان القلمُ لأنني لم أُرِد أن أكون فريسة روتين الحياة القاتل في أوروبا، لأنني لم أُرد لتلك الحياة أن توسِّع الهوّة بين ماضيَّ وأنا، بين الوطنِ وزاويتي الصغيرة في المنفى، بين قلبٍ تركته يئنُّ هناك شوقاً للقاء، وقلبي التائه هنا.

لأنني أردت أن أخبر القصة، كل القصة، كل الأشياء التي عزفتْ نشيد الموت في معمورتنا، صوت البندقية، حذاء الجلادِ وسوطه، وأسرار المعتقلين التي عفَّنتها الأقبية السوداء، كان القلم لأن لديّ ألف حكاية وحكاية، ألف ألمٍ وألم، ولأنني لا أريد أن أنسى، لذلك كان القلم، لأنَّ التاريخ قد يكتبه المنتصرون، ولأننا منهزمون، جمعاً منهزمون، من المحيط حتى الخليج ذبلت ورود ربيعنا، لذلك كان القلم، ليكتب وجهنا من القصة، رؤيتنا، أحلامنا، آمالنا، وليبرِّئَ عند الأجيال ساحتنا.. لأنني لم أُرد يوماً بأن يُقال: غادر الوطنُ قلبَه!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال البرغوث
سوري مقيم في ألمانيا
تحميل المزيد